وكالات : كواليس
“لأول مرة باللغة العربية روايتي الجديدة “غرباء في الحب”، هكذا علق يونس توفيق الكاتب الإيطالي من أصول عراقية، في حسابه على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك عن مولوده الأدبي الجديد، الصادر أخيرا بحجم متوسط (298 صفحة) عن منشورات “ملتقى الطرق” في المغرب، وأثار المؤلف استغراب بعض متابعيه كأديب بالعربية لأنه اعتاد البوح “بلغة دانتي”.
يونس توفيق ألِفه جمهوره بإيطاليا كاتبا بلغتهم، منذ أن قدَّمه إليهم صديقه الأديب المغربي-الفرنسي الطاهر بنجلون (الذي ينشر بجريدة “لاريبوبليكا”)، عندما “حرضه” نهاية القرن الماضي على الكتابة بالإيطالية، ليوقع رواية “الغريبة” سنة 2000، لكن الرجل ظل ينتظر أكثر من 20 عاما ليكتب لجمهور الشرق.
قصة شرقية
“قصة شرقية تدور أحداثها في تورينو الحاضر. رواية قاسية كما الجريمة”، هكذا وصف الطاهر بن جلون رواية “غرباء في الحب”.
الأحداث الرئيسية للرواية تدور في 6 فصول بمدينة تورينو الإيطالية، والجانب الآخر منها يدور في الشرق الأوسط والمغرب حسب السياق الروائي.
هي قصة حب مستحيلة بين مهندس من أصل عراقي، مهاجر منذ زمن طويل من أجل الدراسة في الجامعات الإيطالية، لكنه ولأسباب عديدة استقر هناك، ولم يدم زواجه من سيدة إيطالية طويلا، وانتهى بالفشل.
في الجانب الآخر، هناك قصة فتاة مغربية فقيرة اختارت الهجرة من أجل البحث عن العمل، فاضطرت للعمل على قارعة الطريق، ثم يتم اللقاء العرضي بالمهندس.
يقظة الحنين
الغريبان: المهندس وأمينة يرويان لبعضهما -عبر أسلوب سلس، بضمير المتكلم- قصص الطفولة وأحداثا دارت بين أحضان الأرض والأهل، وذكريات عديدة تأخذهما إلى البحث عن الأصول والجذور المنسية. ثم تظهر على السطح أحداث 30 سنة أثرت في حياة العرب وصراعات الشرق الأوسط مع إسرائيل؛ مثل النكسة عام 1967 وما تلاها.
الحديث بين المهندس بطل رواية “غرباء في الحب” وأمينة حينما يكون عن الوطن البعيد واسترجاع ذكريات الماضي يصبح سببا لهما في يقظة الحنين والشعور بالوحدة والغربة خاصة لدى البطل، بعد سنوات طويلة من البعد عن البلد الأم.
يعتمد الكاتب أسلوب السيرة الذاتية، ويلبس جلباب المهندس بدل شخصيته الحقيقية الأستاذ الجامعي وقبله الطالب الجامعي، اللاجئ السياسي، الفار من العراق في حقبة صدام حسين سنة 1979، يُطهر ذاته بالبوح، على لسان شخصية خيالية، ماضيا نحو التنفيس عما يخالجه في تمرين تطهير وجداني بالكتابة، عله يهذب روحه المتعلقة بشجرة التوت في منزل العائلة بالموصل.
يونس توفيق يرصد بضمير المتكلم (كأنه هو نفسه) زمن الغربة القاسي على المهاجر، الذي “تكون له آثار نفسية واجتماعية تقتل ذكورة الرجل العربي”، كما قال يونس للجزيرة نت، نقلا عن صديقه الطاهر بنجلون في حديث دار بينهما.
الزمن نفسه نجده في “الضفة ما بعد الجحيم”، العمل السردي الإيطالي للكاتب، الصادر بين روايته الأولى بالإيطالية “الغريبة” وآخر عمل “غرباء في الحب”.
كان التفكير في الجذور والأصل يشغل بال الروائي يونس توفيق منذ سنوات، غير أن حالة الإغلاق التام التي شهدتها إيطاليا قبل سنتين، والعودة إلى الذات بعدما قطع فيروس كورونا (كوفيد-19) أواصر التواصل بين الفرد ومجتمعه؛ جعلتا الكاتب يقرر الكتابة بلغته الأم، كما كشف عن ذلك للجزيرة نت في لقاء معه.
المثير في رواية “غرباء في الحب” أن أحداثها مستلهمة من “الغريبة”؛ الرواية الأولى للكاتب نفسه، الصادرة بالإيطالية قبل 22 سنة، وهو ما يؤكده يونس توفيق الذي رفض ترجمة مولوده الأول إلى العربية، وقرر إعادة كتابة رواية جديدة تمتح من الماضي، بضمير المتكلم: الكاتب والبطل.
شعر وأغان في السرد
“رواية قاسية كما الجريمة، مكتوبة بالشعر والخيال”، هكذا وصف الأديب الفرنسي الطاهر بنجلون “غرباء في الحب”، حقيقة غريبة يصادفها القارئ وهو يواجه هذا التضاد الحاصل بحضور أسلوب شاعري في بنية رواية تنزف بالأسى.
والشعر -الذي يكتبه توفيق بين ثنايا فصول الرواية- حاجة ذاتية للتحرر بين الفينة والأخرى من إيقاع السرد، كما يظهر على سبيل المثال لا الحصر في الصفحة 94 من الفصل الثاني:
“سحاب الكلمات يهيم مجنونا
في صدري المشرع
للأمواج وللريح المتقدة”
هكذا يحاول الكاتب الارتقاء بالقارئ إلى مدارجه الشاعرية، في سردية تجمع بين ملكته الخيالية وأسلوب شعري مكثف بليغ، لخص قساوة الحال، كيف لا والرجل فرع من شجرة تثمر شعرا، وهو أحد حفدة أبي فراس الحمداني.
في الرواية يتم سرد أحداث وظروف ما بعد النكسة والوضع الاجتماعي العربي عبر الأغاني، التي تشكل عامل ربط بين الأحداث وتمتد كخيط درامي للتواصل، إضافة إلى استرجاع الأسباب الاجتماعية والاقتصادية التي تؤدي إلى الهجرة، خاصة من بلدان شمال أفريقيا.
الحب الصوفي
المهندس، بطل الرواية، وفي حالة من اللاوعي الزمني يستمر في البحث عن هويته وأرضه المفقودة حتى ينتهي ذات صباح تحت شجرة مرتفعة في ساحة أمام محطة القطار وسط البلد.
وهو يقف تحت تلك الشجرة ناظرا إلى الأعلى يتذكر طفولته حينما كان يتسلق شجرة التوت الشاخصة في صحن داره ليأكل من ثمارها. يبتسم وبين الحقيقة والخيال يبدأ تسلق الشجرة إلى الأعلى كي يرمي نفسه فاتحا يديه كجناحين في الفراغ، في صورة ذهنية ذات بعد صوفي. والأمر ليس مصادفة؛ فالرجل متأثر بوالده الصوفي، حيث كان يأخذه معه إلى جلسات الذكر بالزاوية القادرية.
وهو ما يفسر ترجمة الكاتب جزءا مهما من أشعار الحب الإلهي للمتصوف الأندلسي محيي الدين ابن عربي والتعريف به في إيطاليا، عبر ترجمة “ترجمان الأشواق” للإيطالية؛ لهذه الأسباب كان يونس توفيق أول أديب من المهاجرين العرب يقدم ابن عربي ويكتب بالإيطالية في بلاد دانتي أليغري؛ روايةً وشعرا بنفَس صوفي.