في لمح البصر تغير كل شئ وتحولت الحياة إلى ركام بعد زلزال (فالق شرق الاناضول) أو صدع الأناضول في الصفيحة الأناضولية و الصفيحة العربية كما هو معلوم عند الجيلوجيين والتى وصلت خسائره إلى عشرات الآلاف من الأرواح وتبدد مليارات الدولارات من مشروعات البنيات التحتية والخسائر الاقتصادية و التجارية وبعد انقطاع انين الضحايا تحت الركام واستيقاظ العالم من هول وفجاءة المصيبة وفداحتها لابدّ من وقفات نتأمل فيها المشاهد والدروس والعبر على النحو التالي:
مشهد قهر الربوبية:-
وهو اهم المشاهد ذلك أن الزلزال يعني حركة الارض تحت مئات الكيلومترات في صدعها وصولا إلى قشرتها مما يصيب الآدميين وممتلكاتهم بالدمار والزوال لتكون الحقيقة المجردة ان حركة الكون و أجرامه إنما هي بيد الواحد القهار اذ ان أزمّة الأمور بيده وحده لا شريك له فهو رب الكون وخالقه وحركته وسكونه بيده تعالى فيشاهد العبد ربا قادرا قويا عزيزا حكيما فيستشعر غنى الله تعالى وبجانب ذلك يستشعر فقره وذلّه بين يدي الله وحاجته لربه على حال فمن شاهد هذا الأمر امتلأت نفسه باليقين وتشبعت روحه بالرضا وانشرح فؤاده بربه.
مشهد اللطف الإلهي
إن المصائب وإن تألم الناس بآثارها، والنكبات وإن تزلزلت النفوس من هولها، فإن التفكر في حِكم التقدير، ولطف التدبير يجعل العبد يرى الرحمة سابغة في كل أمر، والعطاء أوسع من الأخذ والنعم أوفر من النقم، فلم يمت أحد قبل موعده، ولم يصب أحد بمصاب فوق طاقته، ولم ينج أحد بحيلة دبرها، ولكنه تقدير العزيز العليم كما أن البلاء ليس لازمًا أن يكون دلالة غضب، وآية سخط، وأن العافية ليست دائمًا دلالة محبة، ولا آية تكريم، فلله في كل قضاء حكمة بالغة، فربما أعطى فمنع، وربما منع فأعطى، وربما أخذ فأغنى، وربما أعطى ففتن ومنع.إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴾ ١٠٠ سورة يوسف ومن النظر الى لطف الله تأمل ما في الزلازل من عطايا ومنح إن من فوائدها توازن القشرة الأرضية، وخروج صخور ومعادن جديدة وانبعاث غازات، وإن أهم فائدة لها هو ما يحدث من تنفيس للأرض عند حدوث الزلازل والبراكين، فلولاها بعد أمر الله لانفجرت الأرض وغيرها مما ينبغي أن يُتأمّل ثم ما يفيئه الله لعباده من نيل الشهاده وكفارة الذنوب ورفع الدرجات وأصول المغفرة والتوبة وغيرها مما يراه العارفين من ألطاف الله بعباده عند البلاء
مشهد تذكر الآخرة
في الأزمان المتأخرة كثرت الزلازل والهزات الأرضية، بدرجات قوتها المختلفة، وهذه علامة من علامات الساعة، روى البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقْبَضَ الْعِلْمُ، وَتَكْثُرَ الزَّلَازِلُ، وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ، وَتَظْهَرَ الْفِتَنُ، وَيَكْثُرَ الْهَرْجُ، وَهُوَ الْقَتْلُ الْقَتْلُ، حَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمْ الْمَالُ فَيَفِيضَ” رواه البخاري وأغلب ما في الحديث واقع مشاهد، يقول ابن حجر العسقلاني -رحمه الله-: “وقَدْ وَقَعَ فِي كَثِير مِنْ الْبِلَاد الشّمَالِيَّة وَالشَّرْقِيَّة وَالْغَرْبِيَّة كَثِير مِنْ الزَّلَازِل، وَلَكِنَّ الَّذِي يَظْهَر أَنَّ الْمُرَاد بِكَثْرَتِهَا شُمُولها وَدَوَامها”
مشهد اللجوء إلى الله
إذا وقعت الهزات والزلازل ينبغي للمسلم أن يفزع إلى هدي الإسلام فيلجأَ إلى الله -تعالى-، ويكثرَ من الأعمال الصالحة، وخاصة الصدقة؛ فالزلازل والكوارث تنبيه من الله -عز وجل- لعباده، وتجب التوبة إلى الله، والإكثار من الذكر والاستغفار والدعاء وقراءة القران؛ فإن الله -تعالى- يقول: (فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا [الأنعام:43).
وكذلك فإن الاستغفار له أثر كبير في منع وقوع العذاب، وقد قال -تعالى-: (وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) (الأنفال:33) ووقعت رجفة في عهد عمر بن عبد العزيز فكتب إلى أهل البلدان: “إن هذه الرجفة شيء يعاتب الله به عباده، فمن استطاع أن يتصدق فليفعل؛ فإن الله يقول: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى) [الأعلى:14)
قال -صلى الله عليه وسلم- عند الكسوف: “فإذا رأيتم ذلك، فافزعوا إلى ذكر الله ودعائه واستغفاره”.
مشهد الإنسانية:
عند الحوادث والابتلاءات تظهر معادن أهل الخير ق فهاهي أكثر من (70) دولة من دول العالم قدمت المساعدات إلى المناطق المنكوبة وبدأت فرق الإنقاذ بالوصول والطائرات تهبط محمّلة بالمساعدات والتجهيزات والأغذية وهذا دليل ساطع أنّ البشرية تستطيع أن تكون أسرة واحدة متعاونة متحابّة وقادرة على التعاون على البرّ والصلة وأن تنبذ كل إثم وعدوان … وهذا دليل واضح وضوح الشمس في كبد السماء الصافية على أنّ حقيقةَ كوْن الناس مُختلفين في سجاياهم وثقافاتهم وعاداتهم وتقاليدهم ولغاتهم وألوانهم وأعراقهم وأجناسهم، ليس سبباً للتنازع والتناحر والتدابر فيما بينهم بل على العكس يجب أن يكون الاختلاف سببا للتعارف والتآلف والتعاون المتبادل بينهم عملا بقوله تعالى: (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا * إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِد أَتْقَاكُمْ * إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) ركّزوا مليّا وتدبروا قوله تعالى وهو أرحم الراحمين وأعلم العالمين: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ ” فالخطاب من الله إلى كل
مشهد الموعظة والاعتبار
والله إنها لعظة وعبرة للناس عندما يأتيهم مثل هذه الزلازل وهم نائمون ، آمنون ، وقبيل الفجر يأتيهم الزلزل (( أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتاً وهم نائمون )) فيتصور المسلم نفسه في تلك اللحظات وما هو صانع ؟ وما الذي يدور في خلده ؟ وما الخواطر التي تمر بفؤاده ؟ لعله رأي تلك الطفلة الملقاة على الأرض وقد لقيت حتفها أيحب أن تكون هي ابنته ؟ أو تلك المرأة التي انهدم عليها البناء أيود أن تكون تلك المرأة هي أمه ؟ هي زوجته؟ هي أخته ؟ هي بنته؟
إذن لم لا نتعظ بما يحدث لغيرنا ؟ لماذا لا نغير من واقعنا ؟ لماذا هذا الإصرار على معاصي الله تعالى والمجاهرة بها ؟ نرى بأم أعيننا الحوادث الممروعة ، والعقوبات المهلكة ولا نزال نصر على معصية الجبار جل جلاله ؟ هل بيننا وبين الله حسب أو نسب حتى نأمن من مكره وعقوبته ؟ وعذابه ونكاله ؟! ما الذي فعله ربنا حتى نعصيه ولا نطيعه ؟ ألم يخلقنا ؟ ألم يرزقنا ؟ ألم يعافنا في أموالنا وأبداننا ؟ أغرنا حلم الحليم ؟ أغرنا كرم الكريم ؟ (( أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ)) (لأعراف:99)
مشهد الأمل بعد المصيبة
عندما يدلهم الخطب و تزداد المصائب ينبغي أن نفتح نوافذ الأمل فيما عند الله ، فقد سبق من الله أنه لا يغلب عسر يسرين ، و لذلك كان الرسول صلى الله عليه و سلم يرى بارقة الأمل عند اشتداد المحنة : ( ما ظنك باثنين الله ثالثهما ) ( لا تحزن ان الله معنا ) ، فبشروا ولا تنفروا استعينوا بالله و عظموا الثقة فيه و زينوا نفوسكم بالفأل الحسن . فليحذر الإنسان عند فشو الابتلاءات من اليأس والاحباط و نشر الشائعات و الكذب فإن ذلك يزيد السوء سوءاً و يفتّ فى عضد الناس بالبعد فالامل وحسن الظن والرجاء أفضل ما يقابل به البلاء
اللهم لطفك بعبادك يا كريم وأخلف لهم.خيرا وانت المستعان
والحمدلله رب العالمين
أحمد حامد الجبراوي
الخرطوم ١٨ رجب ١٤٤٤ هـ
٩ /٢ /٢٠٢٣م