عطر (مَنْشِمَ)
يزعم الرواة الأقدمون أنّ (مَنْشِمَ) اسمُ امرأةٍ عربيّة كانت تبيع العطر في مكّة في العهود الموغِلة في القِدَم، فكان الناس إذا أرادوا الحربَ عرَّجوا عليها، فتعطّروا بعطرها، فكان يكثر فيهم القتل، فضربت العرب بذلك المثلَ فقالت: ”أشأمُ مِن عِطْر منشم
التوقيت
حفل الاسبوع الماضي بتصريحات لثلاثة من قادة المكون العسكرى .. كل اختار الزاوية التي يرتكز عليها ، والحصن الذى يأوي إليه، والمنبر الذي يخاطب منه ، والقوس التى يرمى يها …. فإختار البرهان جبل (الجلف) بولاية نهر النيل .. وهو منطقة خلفية تبعد من النيل إلى الغرب بمسافة ٥٠ كلم ويسمي أيضا بجبل الحسانية نسبة للقبيلة التي تسكنه .. وكانت مناسبة الزيارة شهود الزواج الجماعي لابناء المنطقه .
واختار حميدتي أن يخاطب من منطقة شمال بحرى بدعوة من أعيان ورموز المنطقه على رأسهم الخليفة الكباشي .. وهي مناسبة تم اصطناعها له بعنوان (لقاء رموز واعيان شمال بحرى) .. فلم يبدو واضحا سبب الزيارة.. ولا الهدف منها … ان لم يكن هو صناعة منبر ليتحدث من خلاله حميدتي .
واختار شمس الدين الكباشي أن يممم صوب جبال النوبة في زيارة لم تبدو أهدافها واضحه فقد جمعت مابين الهم السياسي مخاطبة في استاد كادوقلي ومابين الهم العسكرى تفقدا لقيادة الفرقه (١٤) مشاة بالولأية ،
التصريحات
رغم تفاوت المناطق جغرافياً واختلاف المناسبات موضوعياً الا ان المشتركات ظلت حاضرة بقوه فالثلاثة هم من أبرز قادة المكون العسكرى ، وبالتراتيبية العسكرية هم الرجال الثلاثة الاوائل في هرم المكون العسكرى … وأكثر المشتركات وضوحا كانت هى التعليق علي الاتفاق الاطارى الذى تم توقيعه بين أطراف مجلس السيادة من المؤسسة العسكرية وقادة قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي) .. الاتفاق الاطارى الذى تناوله الرجال الثلاثة في تصريحاته بيدأن كل منهم في اتجاه
الفريق البرهان يبتدر :
الفريق البرهان بعد استبد به الحماس بشهود الزيجات الجماعيه في مناطق كبوشيه وجبل الجلف ووبإزاء عزوته وقومه في ولاية نهر النيل، تطرق الي الشأن السياسي، ذكراً أن الأحوال السياسية بالبلاد تشهد الكثير من التعقيدات، الأمر الذي يتطلب تكاتف الجميع في العمل على حفظ تماسك البلاد…وقطع البرهان بعدم نقضهم الاتفاق الإطاري وأنهم سيذهبون فيه ولكن برؤيتهم وبفهمهم.
الكباشي علي الخط:
لم يجف حبر مداد تصريحات البرهان حتى دخل الفريق شمس الدين كباشي علي الخط من كادوقلي وهو الذي ظل صامتا طوال الفترة الماضيه حيث اعنها داويه
كأنه يفصل ما أجمله البرهان ، ويضع النقاط على الحروف : إن الجيش لن يحمي دستور غير متوافق عليه وضعه 10 أشخاص .. وأن القوى السياسية الموقعة على الاتفاق الإطاري ليست كافية لحل الأزمة السياسية… وألمح كباشي إلى إمكانية نفض الجيش يده من الاتفاق الإطاري، حيث قال: “هناك ظروف دعت القوات المسلحة لتكون جُزءًا من الحوار، ولكنها لن تمضي فيه إذا لم تأت قوى أخرى معقولة ومقبولة”… وأضاف: “لن نمضي في هذا الاتفاق ولن نعول عليه وإذا كان السياسسين يرونه كافيًا، فليمضوا فيه”… ودعا كباشي القوى الموقعة على الاتفاق الإطاري لتقبل الآخر، مشددًا على أنه لا يوجد توافق كامل، لكن “ليس هناك أحد لديه صكوك غفران لتحديد من يوقع، الحق السياسي للجميع”.
حميدتى وقفاز التحدي
حيال تصريحات البرهان والكباشي اخذت فورة الغضب بالسيد نائب رئيس مجلس السيادة، قائد قوات الدعم السريع مقسماً بأنه لن يتراجع عن تنفيذ الاتفاق الإطاري … وقال حميدتي إن الاتفاق الإطاري، بمثابة ضامن لوحدة البلاد من التفكك، وسبباً لخروجها من الضائقة الاقتصادية، مذكراً بأزمة الرواتب التي تضرب القطاع الحكومي … وذكر حميدتي بأن الاتفاق الاطاري يجد دعماً دولياً وسنداً من الدول الخليجية والإفريقية .. وقال: “الاتفاق هذا سيأتي بالدولارات، حسب كلامهم” في إشارة للموقعين، وأعقب ذلك مقسما بعدم التراجع عن الاتفاق والمكتسبات المرجوة منه، قائلاً : “والله لن نعود للوراء”…ولفت الانتباه إلى عجزهم عن تشكيل حكومة طيلة 13 شهر ونصف،
(مَنْشِمَ
جبل الجليد
واضح تماما أن ثمة خلافات عميقه تضرب نسيج المكون العسكرى وأن التصريحات ماهي إلا قمة جبل الجليد الظاهرة .. وان الخلافات تتدحرج الان مثل كرة الثلج فتتضخم كل مره .. ومن الجلي ايضا أن تضارب التصريحات حول الاتفاق الاطارى ماهو إلا إنعكاس لتباين الرؤي، وتباعد المواقف، واختلاف السبل والتي على رأسها:
١. قضية دمج الدعم السريع في القوات المسلحة والتي صرح الفريق الكباشي بحتميتها فيما سكت عنها الفريق البرهان فمن المعلوم تاريخيا أن الدعم السريع بدأ قوة تابعة لهيئة العمليات بجهاز الامن والمخابرات ، ولكن بضغوط كثيرة من حميدتي ورضوخ قيادة الجيش لمطالبه المتعددة تم تعديل قانون الدعم السريع ليخرجه من تبعية جهاز المخابرات ليصبح تابعاً للقائد الأعلى مباشرة، الذي هو رئيس الجمهورية إبان عهد الرئيس البشير، ثم أصبح تابعاً للقائد العام للقوات المسلحة، وهاهو يعود في الإتفاق الإطاري تابعاً للقائد الأعلى المدني، وتُصبح تبعيته للجيش هلامية فالاتفاق الاطارى يمد حبال الاغراء له ويرفع الجزرة أمامه ليمهد له بذلك خروج قوات الدعم السريع كلياً من المنظومة العسكرية، ليكوّن منظومته الأمنية الخاصة من أمن واستخبارات وقواعد عسكرية وشركات خاصة جيش موازي بالكامل. على رأي الاستاذ عادل الباز .. أما في حالة دمج الدعم السريع في القوات المسلحه فسيتحول قائد الدعم السريع الي فريق برتبة رفيعه يمكث في المؤسسة العسكريه برتبته وسرعان ما يدركه التقاعد .. ويفقد فيه قوة كان فيها هو الحاكم بأمره فيه لتصبح من بعد أثرا بعد عين، ومحكومة بموجب قانون القوات المسلحه.
٢. المبادرة المصريه .. فمن المعلوم حالة العداء الصامت لحميدتي تجاه مصر، والسبب أن مصر أكدت له أنها لاتقبل بقوات منفصلة أو بديلة للجيش السوداني.
٣. تحالفات الدعم السريع الخاؤجيه فهو في معسكر الإمارات، ولكنه متحالف مع روسيا وشركة فاغنر.. فتصدير الذهب للإمارات وانتاجه مع روسيا، ومع روسيا أيضاً في الاستشارات المعلوماتية والمخابراتية والقواعد العسكرية والسلاح.
٤. اما في السياسة الداخلية يجمعه مع أمريكا وحلفائها الإطاري (الرباعية)
٥. تقاطع سياسة الدعم السريع الخارجية مع السياسة الحكومية الرسميه فهي تتقاطع مع أمريكا وفرنسا مثل مواقفه في أفريقيا الوسطى، ومثلها سياساته في تشاد وتدخله في صراعات تشاد الداخلية بدعم بعض الأطراف الأمر الذي احتجت عليه القيادة التشادي في زيارة الفريق البرهان الأخيرة .
وميض نار ..عطر منشم
حيال التباين في الرأي، والتقاطع في المواقع والاختلاف النظرة جاءت التصريحات الإعلاميه تعبر تماما عن واقع التباين والتباعد الذي يشهده المكون العسكري ، إذ ان الحرب اولها كلام على رواية نصر بن سيار وإلى الامويين في خرسان لما قال:
أرى خلل الرماد وميض نار
فيوشك أن يكون لها ضرام
فإن النار بالعيدان تذكى
وإن الحرب أولها كلام
فإن لم يطفها عقلاء قوم
يكون وقودها جثث وهام
فقلت من التعجب ليت شعري
أيقاظ بنى أمية أمْ نيام
فهل يعمل قادة العسكر عزمهم وجهدهم لطي الخلاف الخفي ، واحتواء الأمر أم أن عطر (منشم) قد فاحت رائحته وتكاثفت سحابته …
اللهم سلم ، اللهم سلم