وكالات: كواليس
حملت النشرة الأخيرة لصندوق النقد الدولي حول النمو العالمي أخبارا سيئة للاقتصاد البريطاني بوضعه في خانة الدول التي ستشهد انكماشا اقتصاديا عام 2023 بعكس كل الدول الكبرى.
وأصبحت بريطانيا الدولة الوحيدة ضمن مجموعة الدول السبع التي ستحقق تراجعا في النمو الاقتصادي بنسبة 0.6%، مما يجعل أداءه أسوأ من أداء الاقتصاد الروسي الذي يتعرض لعقوبات غربية كبيرة.
وجاءت توقعات صندوق النقد الدولي لتفاقم متاعب الاقتصاد البريطاني وتخدش صورته أمام المستثمرين العالميين بعد سنة عصيبة شهدت فيها المملكة المتحدة أحداثا درامية هوت بقيمة الجنيه الإسترليني بشكل غير مسبوق.
وبخلاف كل الدول الكبرى التي ستحقق نسب نمو مختلفة -في مقدمتها اليابان والصين والولايات المتحدة وكندا- فإن بريطانيا ستشهد سنة صعبة رغم كونها الاقتصاد السادس في العالم.
لماذا وضع صندوق النقد توقعا متشائما لاقتصاد بريطانيا؟
يقدم صندوق النقد الدولي عددا من المعطيات التي جعلته يحكم بأن اقتصاد المملكة سيكون عاجزا عن تحقيق أي نمو خلال هذه السنة، منها ارتفاع أسعار الطاقة، والاعتماد الكبير على الغاز، وعجز بريطانيا عن خفض فواتير الطاقة للمواطنين.
يضاف إلى ذلك ارتفاع تكاليف الحصول على القروض بسبب سياسة البنك المركزي في رفع سعر الفائدة الذي وصل إلى 4% بغرض التحكم في نسبة التضخم التي ما زالت تتجاوز 9% وهي الأعلى منذ 4 عقود.
وهناك أسباب بنيوية بات يعاني منها الاقتصاد البريطاني ويتحدث عنها صندوق النقد الدولي، أهمها نقص الأيدي العاملة، وهو ما يؤدي إلى تراجع الاقتصاد البريطاني، ويحتاج سوق العمل في المملكة المتحدة لأكثر من مليون عامل لملء الوظائف الشاغرة أمام رفض الحكومة استقدام العمالة الأجنبية.
ماذا تقول الحكومة البريطانية؟
تبرر الحكومة البريطانية هذا التراجع في أداء الاقتصاد بتأثير ما بعد جائحة كورونا، ذلك أن بريطانيا كانت أول بلد في العالم يعود إلى فتح كل الأنشطة، مما جعلها تحقق تعافيا سريعا بسبب شدة الطلب والاستهلاك، وهو الأمر الذي ساهم في ارتفاع نسبة التضخم.
ويقول المسؤولون البريطانيون إن البلاد حاليا تدفع ثمن التعافي السريع بعد كورونا، ولهذا فهي تسعى أولا إلى خفض مستوى التضخم.
ويرفض وزير المالية جيريمي هانت كل الضغوط التي تمارس عليه من نواب حزب المحافظين للإعلان عن إعفاءات ضريبية خلال ميزانية الربيع، مؤكدا أن أهم هدف أمامه هو خفض نسبة التضخم مهما كلف الثمن، وهو بذلك يتسق مع سياسة البنك المركزي البريطاني.
لماذا عجزت بريطانيا عن تحقيق نمو اقتصادي؟
الجواب الذي يعرفه وزير المالية البريطاني ويعرفه الخبراء الاقتصاديون ورجال الأعمال هو العجز عن رفع الإنتاجية، سواء في القطاع العام أو الخاص، وهذا يرجع بالأساس إلى النقص الحاد في الأيدي العاملة.
وحسب صحيفة “فايننشال تايمز” (Financial Times)، فقد انخفض الاقتصاد البريطاني أكثر من أي دولة من الدول الكبرى منذ الأزمة الاقتصادية لسنة 2009، كما شهدت استثمارات القطاع الخاص ركودا منذ استفتاء البريكست سنة 2016.
وفقدت بريطانيا أكثر من مليون وظيفة بعد جائحة كورونا، وهو ما يعادل 4% مجموع اليد العاملة، إضافة إلى تفاقم الأزمة بسبب سياسات الحكومة في التعامل مع المهاجرين، وتتحدث التقديرات عن أن السوق البريطاني يحتاج حاليا لأكثر من مليوني عامل لسد الفراغ الحاصل حاليا.
ماذا عن البريكست؟
لن تجد أي وثيقة رسمية تعترف صراحة بأن البريكست كان له تأثير مباشر على تراجع الاقتصاد البريطاني، سواء تعلق الأمر بالبنك المركزي أو وزارة المالية أو مكتب مسؤولية الميزانية، وكلها مؤسسات تتحدث عن تأثير الحرب في أوكرانيا وارتفاع أسعار الطاقة لكنها أبدا لا تلقي باللائمة مباشرة على البريكست في انكماش الاقتصاد.
في المقابل، فإن مقارنة وضع الاقتصاد البريطاني ما قبل البريكست وخلاله سيظهر أنه قبل سنة 2016 كان يعادل 90% من الاقتصاد الألماني، وكانت التقديرات حينها أن اقتصاد المملكة المتحدة سيتجاوز نظيره الألماني بحلول 2024، أما الآن فهو يعادل 70% فقط من اقتصاد ألمانيا.
ومن الآثار الظاهرة للبريكست تراجع الاستثمارات الخاصة في السوق البريطانية، ذلك أن التوقعات الاقتصادية كانت تشير إلى وصول هذه الاستثمارات إلى 80 مليار جنيه إسترليني بحلول سنة 2022 إلا أنها بلغت 55 مليار جنيه إسترليني فقط، والسبب هو تراجع جاذبية السوق البريطانية للاستثمارات بعد الانسحاب من الاتحاد الأوروبي.
هل من حل قريب؟
بعث صندوق النقد الدولي رسائل طمأنة بكون الاقتصاد البريطاني يسير في الطريق الصحيح بعد إقرار الحكومة ميزانية تقوم على خفض الإنفاق العمومي وزيادة الضرائب لسد عجز في الميزانية بقيمة 55 مليار جنيه إسترليني.
كما تشير التوقعات الحكومية إلى أن نسبة التضخم قد تنزل إلى ما دون 4% قبل نهاية هذه السنة، مما يعني تراجع نسبة الفائدة على القروض.
لكن ستبقى الأزمة البنيوية التي يعاني منها الاقتصاد البريطاني وترفض الحكومة الإجابة عنها، وهي: ماذا استفادت المملكة المتحدة من البريكست؟ فضلا عن رفضها إيجاد حلول لأزمة اليد العاملة التي تؤثر على الاقتصاد البريطاني، مما يعني أنه قد لا يعود إلى حجمه الذي كان عليه قبل استفتاء الخروج من الاتحاد الأوروبي سنة 2016.