وكالات : كواليس
باريس- بين القريض بوصفه وريثا للحكمة واستكشافا للمجهول، والتنقيب عن الكنوز المعرفية في المخطوطات العربية الإسلامية القديمة، يسافر الهواري غزالي بشكل دائم بين شذى القوافي والكلمات، وصدى الكتب النادرة والمخطوطات. محاولا تقصي أثر الجدود الأولين والشعراء المؤسسين، من تلمسان إلى غرناطة والأندلس، مرورا بالقيروان وفاس ووصولا إلى شنقيط.
والهواري غزالي -المولود عام 1975 بسيدي بلبعاس بالجزائر- شاعر ومترجم وأستاذ محاضر في قسم الدراسات العربية بجامعة باريس، وباحث بمركز الدراسات الأدبية العالمية في العاصمة الفرنسية.
أصدر في الشعر دواوين كثيرة من بينها: “أناشيد النبوءات المتوحشة”، و”قلب لا يحسن التصديق”، و”للبحر صوت آخر على جسر ريالتو”، و”كتاب الغبطة المتصلة”، و”نزيلا قاسيون” الصادر بداية هذا العام عن دار “الآن ناشرون” في عمّان.
كما ترجم إلى العربية ديوان “هذا الحظ وهذه النار” للشاعر الفرنسي جون بول ميشال، و”كتاب الحماسة” عن هيردريلين. كما صدر له عام 2019 كتاب “دونيز ماسون” عن المستشرقة الفرنسية دونيز ماسون، التي ترجمت القرآن الكريم إلى الفرنسية عام 1976.
وإلى جانب كونه مهتما بالدراسات النقدية الشعرية، هو باحث يشتغل على تحقيق الدواوين الشعرية والمخطوطات العربية الإسلامية القديمة، ومن بين الدواوين التي حققها، ديوان “شذور الذهب” لابن أرفع رأس الجيَّاني، وديوان “قراضة العسجد” للشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي، وسيصدر له قريبا ديوان محقق بعنوان “سلاسل النضار” لصلاح الدين الكوراني.
حول ديوانه الجديد “نزيلا قاسيون”، والوشائج التي تجمعه بأدب الرحلة، كان لنا مع الهواري غزالي هذا الحوار، الذي انفتح أيضا على علاقته الخاصة بالأندلس، إذ يرى فيها رمزا للمعرفة والانفتاح الحضاري، وخاض كذلك في بحوثه وتحقيقاته الكثيرة للمخطوطات القديمة.
ويتناول الحوار مع الهواري غزالي أيضا موقفه من الحريق الأخير الذي أتلف مكتبة أهلية عريقة في جنوب الجزائر تحتوي على مخطوطات نادرة، وعن الأخطار التي تتهدد مثل هذه المخطوطات في الصحراء الأفريقية الكبرى، والحلول التي يقترحها لصيانتها والمحافظة عليها، بصفته خبيرا.
-
يحاول كتابك “نزيلا قاسيون” استعادة رحلة الأمير عبد القادر واقتفاء أثره عبر منافيه الكثيرة، فإلى أي مدى تعتبر نصوصه رحلة داخلية صوفية لاكتشاف الذات وترميم ذاكرتها المتشظية، قبل أن تكون سفرة خارجية لاقتفاء أثر ذاكرة المكان والزمان؟
الشعر في عمقه الجوهري سفر في كل شيء، في الخيال، في الزمن، في اللغة، في العاطفة، وفي الأمكنة وتاريخها، إنه آلة استكشافية للمجهول أيضا، يسمح بدفع لحدود المعرفة إلى أبعد ما هي عليه، ولذلك، استمر لفترات طويلة مصدرا لتعميق النظر الفلسفي ابتداء من نصوص هزيود الأسطورية إلى هيردرلين المثالي.
السفر هو باب من أبواب المعرفة، وطريق لحصول المعنى، ولذلك، لا تجذبني كثيرا كلمة منفى، لأن فيها ما يحيل على نفي الذات، والنفي لا يقع بالضرورة ونحن في الغربة، بالعكس، أحيانا نهرب من أوطاننا لأننا نُنفى فيها، أو تمارَس علينا فيها عملية نفي الذات.
والسفر هو باب من أبواب المعرفة، وطريق لحصول المعنى، ولذلك، لا تجذبني كثيرا كلمة منفى، لأن فيها ما يحيل على نفي الذات، والنفي لا يقع بالضرورة ونحن في الغربة، بالعكس، أحيانا نهرب من أوطاننا لأننا نُنفى فيها، أو تمارَس علينا فيها عملية نفي الذات.
أفضّل استخدام مفردة منفذ، فهي كلمة تحيل بمدلولها إلى وجوب البحث عن مكان لإنقاذ الذات من نفيها وهي لا تزال في رحم وجودها الأول. إن المعرفة منفذ، والآخر والعالم واكتشاف الذات منفذ أيضا.
أفضّل استخدام مفردة منفذ، فهي كلمة تحيل بمدلولها إلى وجوب البحث عن مكان لإنقاذ الذات من نفيها وهي لا تزال في رحم وجودها الأول. إن المعرفة منفذ، والآخر والعالم واكتشاف الذات منفذ أيضا.
ولننظر في الأمير عبد القادر الجزائري وهو بمنافيه، ألم يتحول إلى شخص آخر؟ بلى، لقد أفضى به “منفاه” إلى التعمق في مناقشة الفتوحات المكية؛ فهذا الحوار العرفاني هو في حدّ ذاته منفذ تجلى له واضحا وهو بدمشق مدرسا في الجامع الأموي.
وعندما وقفت على ضريحه بجبل قاسيون، وإلى جانبه يرقد شيخه الأكبر محيي الدين بن عربي، اكتفيت بما يعطيه النظر، في آخر المطاف، من جواب مفاده أن المنافي ليست في الواقع سوى نداءات تجتمع أمامها الأرواح المتشابهة وتتفق عندها الآمال باللقاء.
وإذا كان، في كثير من الثقافات، من يعتقد أن الأرواح الميتة ترافق الأحياء، فإنه في الثقافة الصوفية والروحية الإسلامية، الأحياء هم من بأرواحهم يرافقون الموتى. ولذلك، وجدتني، في هذا الكتاب، أصطحب معي أرواح هؤلاء، بتفقد آثارهم، والتقصي في أسفارهم، والتمعن فيما تركوا من أفكار وأخبار.
-
مزج كتاب “نزيلا قاسيون” بين أدب الرحلة والنصوص الشعرية، فأين يبدأ أدب الرحلة وأين ينتهي الشعر في هذه الخلطة الأدبية الطريفة؟ وهل تؤمن بتمازج الأجناس الأدبية، كشكل من أشكال التجريب في الكتابات الإبداعية الحديثة؟
إذا كنا نعرف أساسا أن الرحلة قد ارتبطت منذ القديم بالشعر، فإن العجب سيبطل، فأحسن الناس إنشادا هو المترحل، إذ في ذلك، يكتشف حالات جديدة مما قد تعطيه الحياة في الطريق.
انتصار الجميع للرواية، قزّم من حضور الشعر، فلذلك نرى الشعر يتدخل في أجناس أدبية كثيرة دون معايير، ولا سيما بعد أن فقد شكله الأساسي الذي كان يمنعه ذلك، وهو الشكل العمودي.
لم يعد الشعر تقليدا بنائيا وغنائيا منذ خمسينيات القرن الماضي، لكنه قدّم نفسه وريثا أساسيا لشعر الحكمة، وهو يسعى للإقلال من الكلام والإطالة في التأمل، وسمح لنفسه بأن يكون مرتاج الرواية، فكثير من الشعراء تخلوا عن الشعر، لصالح الرواية كمتنفس قادر على تمديد أجل الفكرة في النص.
ولكن المؤسف، أن انتصار الجميع للرواية، قزّم من حضور الشعر، فلذلك نرى الشعر يتدخل في أجناس أدبية كثيرة دون معايير، ولا سيما بعد أن فقد شكله الأساسي الذي كان يمنعه ذلك، وهو الشكل العمودي.
ومع ذلك، فالدعوة إلى تجريب الأجناس الأدبية ضرورية، لأنها تعطينا أملا بأن نصا ذهبيا ما ستتحقق صناعته. في ظل هذا المعطى، فإن الشعرية هي في الأساس امتناع عن تقديم أي اعتراف بالحدود بين الأجناس الأدبية.
الكتابة الشعرية مثلا تسمح عند الانتقال من مكان إلى مكان بأن تجتمع عندك الرحلة الحسية، وهي التي عرفها الإنسان عموما، والرحلة الروحية التي عرفها المتصوفة خصوصا.
-
هل يمكن اعتبار ديوانك الشعري هذا ملحمة المقاومين ونشيد التائهين وأحجية المنفيين وتوق المعاندين وشوق المتصوفين لعالم الجوهر الصعّاد؟
هذا صحيح، فالكتابة الشعرية مثلا تسمح عند الانتقال من مكان إلى مكان بأن تجتمع عندك الرحلة الحسية، وهي التي عرفها الإنسان عموما، والرحلة الروحية التي عرفها المتصوفة خصوصا.
عندما كنت أصعد تلة حديقة الشرق، كنت كأنني أتلمس ستارا من برزخ الذين يفدون إليه، أما القبة الحجرية الموجودة على مدخلها في شكل مسلة عريضة، فكنت أراها كأنها تنزل إليّ من تحت الغيم العابر فوقها في ذلك اليوم الممطر. ولكن ما حديقة الشرق؟ إنها مقبرة تضمّ رفات الذين رافقوا الأمير عبد القادر إلى منفاه، ثم بعد إصابتهم بالطاعون، مات الكثير منهم فدفنوا في ساحة القلعة.
لحديقة الشرق قصة طويلة، تكاد تكون السبب الأول في إنجازي هذا العمل، ذلك أنني وأنا أتفقد الأسماء المنقوشة على نحاس معلق فوق الشواهد، عثرت على اسم سالم. كان هذا الاسم خلاف الأسماء الأخرى وحيدا، دون أن يذكر معه أبوه أو جده، كما هي عادة أسماء المغاربة قديما، فأثار ذلك في قلبي حزنا، إذ يموت سالم وحيدا، في نقيع هذه المأساة، دون خلَف أو سلَف، فآليت ألا يبقى سالم وحيدا، وكان ذلك بتخليده بالشعر.
لا أرى الأندلس مثل محمود درويش مثلا وهو يقول: في قلب كل واحد منا أندلس ضائعة، لأن الأندلس لا نزال نسقط عليها واقعنا الاجتماعي والسياسي الرهيب. فلذلك تأخذ الأندلس دائما بعدا دراميا نعوض به عقدتنا من التاريخ.
-
جاءت قصائد ديوانك الصادر حديثا “كتاب الغبطة المتصلة” تتغنى بالأندلس وجمال غرناطة وقصر الحمراء، وتقطر حنينا وشوقا لزمن مضى، فيما يشبه بكاء الشعراء الأوائل على الأطلال، فكيف ولد هذا الديوان وما سرّ هويته الأندلسية شكلا ومضمونا؟
في الواقع، نظرتي مختلفة كثيرا عن هذا التقليد، فأنا لا أراها كما يراها محمود درويش مثلا وهو يقول: في قلب كل واحد منا أندلس ضائعة، لأن الأندلس لا نزال نسقط عليها واقعنا الاجتماعي والسياسي الرهيب. فلذلك تأخذ الأندلس دائما بعدا دراميا نعوض به عقدتنا من التاريخ.
الأندلس جزء من حضارة غربية استطاعت أن تحافظ على مقوماتها دون أي عقدة تاريخية مع ماضيها العربي والإسلامي، فها هي إسبانيا تسخّر للأندلس ميزانيات ضخمة للحفاظ على آثارها، كما أن الأندلسيين الإسبان يفتخرون بماضيهم العريق منذ قرطاج حتى اليوم، ولا ننسى نضال بلاس إينفانتي في الدفاع عن هذه الهوية الإيبيرية التي جمعت بين روافد عدة
إنني أرى الأندلس مختلفة، إنها جزء من حضارة غربية استطاعت أن تحافظ على مقوماتها دون أي عقدة تاريخية مع ماضيها العربي والإسلامي، فها هي إسبانيا تسخّر للأندلس ميزانيات ضخمة للحفاظ على آثارها، كما أن الأندلسيين الإسبان يفتخرون بماضيهم العريق منذ قرطاج حتى اليوم، ولا ننسى نضال أحمد بلاس إينفانتي (مفكر إسباني) في الدفاع عن هذه الهوية الإيبيرية التي جمعت بين روافد عدة.
الأندلس توجد في مكان آخر غير كونها في إسبانيا فحسب، إنها في المغرب والجزائر وتونس، في حواضر أندلسية أغلبها تعيش التهميش والتردي في غياب الإهمال السياسي والثقافي لها
ولقد ألفت كتاب “الغبطة المتصلة” لهذا الغرض، لفكرة مفادها أن الأندلس مستمرة بظلها الحضاري بينما في دول الأطلس الأفريقي، تحتاج حواضرها الأندلسية إلى رعاية حقيقية لمقوماتها.
هذا يؤكد بالطبع أن الأندلس توجد في مكان آخر غير كونها في إسبانيا فحسب، إنها في المغرب والجزائر وتونس، في حواضر أندلسية أغلبها تعيش التهميش والتردي في غياب الإهمال السياسي والثقافي لها.
-
بعد الحريق الذي أتلف مخطوطات مهمة في بلدة عين صالح بجنوب الجزائر الأيام الماضية، تعالت الدعوات من قبل الباحثين من أجل حماية هذه المخطوطات وهذا التراث الإنساني المهمل في الصحراء الكبرى، فما حجم وأهمية المخطوطات الموجودة في الصحراء الأفريقية الكبرى؟ وكيف السبيل إلى المحافظة عليها حتى لا يدركها التلف وتضيع في ظل الحروب والمخاطر الكبيرة التي تتهددها؟
الأخطار كبيرة تلك التي تحدق بالمخطوطات، فإضافة إلى النزاعات والحروب التي تجعل من المخطوط في قلب المعركة كما حدث لمخطوطات تمبكتو، توجد في الصحراء الكبرى مخطوطات أخرى معرضة لأخطار التحول المناخي والتدهور البيئي.
في شنقيط بموريتانيا مثلا، تتميز المكتبات بدنو الأسقف من المخطوطات المكدسة، وهذا جيد، لأن التركيبة الهندسية للقصور تستدعي دنو السقف لحصول البرودة أيام الحر، ولكن قد يمثل هذا تهديدا بكونها سريعة الاحتراق لو قُدّر عليها ذاك.
ولأتوقف مجددا على مخطوطات تمبكتو، حيث لا بد أن نشير إلى أن المخطوط قد فقد دوره الثقافي بفضاء الصحراء بعد تحول النظام الاجتماعي من نظام قبلي إلى نظام وطني، بحيث فقدت القبيلة دورها السياسي، ولهذا السبب ولغرض حماية المخطوط، لا بد من تمكين القبيلة من استعادة مركزيتها الاجتماعية.
لا يمكن أن نتصور أنّ حماية المخطوطات يمكن أن تكون خارج القبيلة، مستحيل. ولذلك، لا بد للمؤسسات أن تعمل بالتحديد على تكوين خاص لأفراد القبيلة من ذوي المكتبات الخاصة، ينسجم مع عالم الرقمنة وعلم المكتبات الحديث، أي بناء جيل جديد من أمناء مكتبات الصحراء، وذلك، بالتنسيق بينهم جميعهم من طرف الصحراء الشرقي إلى طرفها الغربي.
وفي انتظار ذلك، لا يمكن أن نتصور أن حماية المخطوطات يمكن أن تكون خارج القبيلة، مستحيل. ولذلك، لا بد للمؤسسات أن تعمل بالتحديد على تكوين خاص لأفراد القبيلة من ذوي المكتبات الخاصة ينسجم مع عالم الرقمنة وعلم المكتبات الحديث، أي بناء جيل جديد من أمناء مكتبات الصحراء، وذلك، بالتنسيق بينهم جميعهم من طرف الصحراء الشرقي إلى طرفها الغربي. كما ينبغي للدولة أن تخصص ميزانية لترميم هذه المكتبات مع توفير المعايير الخاصة بذلك.
احتراق مخطوط يعني العودة إلى عصر ما قبل بداية الكتابة، لأن صناعة المعرفة تتم في جزء كبير منها عن طريق التراكم
-
إذا كان عالم الأناسة (الأنثروبولوجيا) كلود ليفى شتراوس يتغنى دوما بأن وفاة شيخ فى قبيلة أفريقية يعادل موت قبيلة كاملة، فهل يعتبر احتراق مخطوط إسلامي قديم بمثابة احتراق كامل لتراث الأمة الإسلامية؟
احتراق مخطوط يعني العودة إلى عصر ما قبل بداية الكتابة، لأن صناعة المعرفة تتم في جزء كبير منها عن طريق التراكم، أي كل معرفة تتطور بناء على معرفة سابقة. والمخطوط، في العالم الإسلامي، ما زال يضم معارف حضارة طويلة زمنا وواسعة مكانا، من الهند إلى إشبيلية، ومن سمرقند إلى تمبكتو وشنقيط، تعمق من علاقة الإنسان بماضيه.
-
من خلال اشتغالك على تحقيق المخطوطات الإسلامية القديمة في أوروبا، هل يوجد ما يشبه الفهرس أو جدول بيانات وإحصاءات لعدد المخطوطات العربية الإسلامية النادرة الموجودة في المكتبات الأوروبية؟
بالطبع، يوجد لكل مكتبة غربية قائمة للمخطوطات العربية التي تتوفر عليها، بعضها مرقمن والبعض الآخر يستلزم حضور الباحث إلى قاعة المكتبة لمعاينتها. نموذج المكتبات الغربية مفيد جدا في طرح نقاش حول مخطوطات الصحراء.
كما أن مكتبات دول الخليج كالسعودية وقطر والإمارات وسلطنة عمان، والتي لا تختلف في بيئتها عن بيئة الصحراء الكبرى، قد تطرح نموذجا موازيا في حمايتها، ولا ينبغي أن ننسى حقا ما يقوم به مركز جمعة الماجد من جهود لتثمين ذلك ولا سيما عن طريق الرقمنة.
-
استطاعت أوروبا ترجمة ونقل العلوم من الأندلس وكافة الحواضر العربية الإسلامية لتصنع نهضتها، فكيف نستفيد من هذه المخطوطات ومن العلوم التي تحتويها في تطوير المجتمعات العربية الإسلامية وصناعة نهضتها اليوم؟
إن مجرد المقدرة على تنظيم المخطوط وتوفير الظروف الملائمة ورقمنته هو استفادة من وجوده قبل الاستفادة منه. لكن الاعتماد عليه لا يوفر بالمطلق تقدما هائلا في ظل ما نراه.
فالمخطوط هو دعامة معرفية فقط، والدعائم المعرفية كثيرة، وليس بالضرورة أن تكون موجودة في مخطوط. إلا أن المهم يبقى في ذلك التعاطي المنهجي العلمي الذي لا بد من التمكن فيه لدخول عالم المخطوطات.
أما بالنسبة لتثمينه ماديا، فكما أشرت قبل قليل، لا بد من سياسة إقليمية واحدة، تصنف المخطوط مفهوما ما فوق الدولة، تماما كالدين واللغة.
ولا بد حقا من تجميع اختصاصات مختلفة بين الهندسة وعلم الاجتماع والتاريخ والأنثروبولوجيا في محاولة لإنجاز طريقة لحماية هذا النظام الاجتماعي العلمي بالصحراء.
وأغتنم الفرصة لتوجيه نداء إلى نواكشوط -باعتبارها تحتضن هذا العام فعاليات عاصمة الثقافة في العالم الإسلامي- للتفكير في جدوى البدء في رسم خطة طريق واسعة لدراسة كيفية إنجاز مؤسسة إقليمية تعمل على إنقاذ المخطوط، فهو التراث الحقيقي والقلب النابض للصحراء الكبرى.