الزول وقف كتابة في الفيسبوك لا انشغال لا قنع لا إحباط ولكن مجرد اليقين بإنو فعليا كمل الكلام البقدر أقولو فيما يتعلق بالشأن العام السوداني. لكن في زيارة اجتماعية خاطفة للسودان لفتني إنو في عدد ما بسيط من الناس مأملين في الاتفاق الإطاري. فقلت خلي بالك في فرقة كتابة في الفيسبوك؛ ومن جديد جيت تاني أكسر صمتي بالنغمة الحزينة!
طيب شنو المشكلة في الاتفاق الإطاري؟ ولي الاتفاق الإطاري دا بي هيئته الحالية دي لا يصب في مصلحة القوى المدنية الديمقراطية؟ الاتفاق دا فيهو مشكلتين: واحدة متعلقة بي محتواه وواحدة متعلقة بأطرافه!
لكن قبل ما أفصل في الموضوع خلينا نتفق إنو في كلام ساي: يقول ليك الاتفاق دا على الورق اتفاق ممتاز وأحسن من الوثيقة الدستورية وحرفيا حقق أغلب مطالب الثورة. الكلام دا لي كلام ساي؟ كلام ساي لأنو في السودان دا أصلا لا يمكن تقييم اتفاق على الورق. إعلان الحرية والتغيير دا على الورق ما سمح، أليس القوى الموقعة عليه هي أول من نقضه وتنكر له ابتداء من بنده الثاني؟ الوثيقة الدستورية دي على الورق أشنى من الاتفاق الإطاري، طيب بي شناتها دي شنو منها على الأرض اتحقق. وعليه، في السودان دا ما ممكن تقيم محتوى وثيقة سياسية بمعزل من ضمانات تحققها والاقتصاد السياسي الحكم العملية السياسية الأنتجها وأوزان الفاعلين الموقعين عليها وبناء على ده شنو قابلية تحقق بنودها السمحة.
إشكالية الاتفاق الإطاري من حيث المحتوى:
طبعا لمن تناقش زول مفيد دايما تبدا من مسلماته. بمعنى إنك تحدد مجال الحجاج عشان يبقى مفيد قدر الإمكان. فهنا أنا بحاول أناقش في منو؟ بحاول أناقش في زول بيفتكر إنو:
١/ شعار لا تفاوض شعار ما سليم (في وجه من الوجوه ومعنى من المعاني) والتفاوض أداة من الأدوات السياسية المفروض نستخدمها لإنهاء الانقلاب (حيث إنهاء الانقلاب عبارة تعني استعادة المسار المدني الديمقراطي في وجود قيادة الجيش الحالية على خلاف إسقاط الانقلاب الذي يعني استعادته عبر تنحية القيادة الحالية للجيش غبر انقلاب عسكري عليها).
٢/ إنو الثورة السلمية لازم تنتهي بي تسوية مدنية عسكرية تشمل تنازلات من كل الأطراف.
٣/ إنو التحول المدني الديمقراطي تحول تدريجي لازم يحصل عبر مراحل وتربح بالنقاط وليس بالضربة القاضية.
خلينا نسلم بالمسلمات التلاتة دي جدلا في سياق الحجاج. ادعائي الرئيسي إنو استنادا على ذات المسلمات دي الاتفاق الإطاري يأتي خصما على التحول المدني الديمقراطي وفرصة عسكرة الحياة السياسية من خلاله أكبر من فرص تمدينها.
الإشكال الأساسي في عملية التفاوض الحالية مع المؤسسة العسكرية إنها ما قائمة على مبدأ تفاوضي من شأنه إنجاح الانتقال المدني الديمقراطي. عشان أوضح النقطة بيكون مفيد لو اتذكرنا موقف عبد العزيز الحلو في مفاوضات السلام. الحلو أعلن العلمانية أو تقرير المصير كمبدأ تفاوضي. بمعنى قال دا الشي اللي لو ما قبلتوا لي بيهو أنا ما حأقعد معاكم أصلا في طربيزة تفاوض.
الفاعل السياسي باستمرار بيشوف الخسارة الاستراتيجية الأعلى ليهو وبيتفاداها قبل ما يفكر في إنو يححق مكاسبه الاستراتيجية الأعلى وبيصيغ الاتفاقات بي طريقة ما تقفل ليهو مجال المناورة بما يسمح ليهو يحقق مكاسبه الأعلى. دي الحاجة العملها البرهان بامتياز وفشلت في فعلها الحرية والتغيير بامتياز في الاتفاق الإطاري.
لو جينا نشوف البرهان كممثل للمصالح السلطوية للمؤسسة العسكرية بنلقى دا مجال كسبه وخسراته الاستراتيجية:
1/ الكسب الأعلى: النزول والفوز في الانتخابات القادمة
2/ الكسب الأدنى: البقاء في قيادة الجيش دون محاسبة على فض الاعتصام وشهداء ما بعد 25 أكتوبر
3/ الخسارة الأدنى: عزله من الجيش بطريقه تسمح له بالهروب دون محاسبة أو سجن أو قتل.
4/ الخسارة الأعلى: عزله من الجيش بطريقة لا تسمح له بالهروب دون محاسبة أو السجن أو القتل.
لاحظ هنا الكسب الأعلى للبرهان المتمثل في نزوله الانتخابات يعني حرفيا فشل الانتقال المدني الديمقراطي ودا المفروض إنو بيمثل الخسارة الأعلى للحرية والتغيير اللي ممكن نحلل مجال كسبها وخسارتها الاستراتيجية كالتالي:
1/ الكسب الأعلى: إنجاح الانتقال المدني الديمقراطي وتحقيق جزء مقدر من مطالب جماهير الثورة والاستئثار بالقيادة السياسية للثورة والفوز بالانتخابات القادمة.
2/ الكسب الأدنى: تعثر الانتقال المدني الديمقرايطي واستمرار المقاومة المدنية بطريقة لا تفقد الحرية والتغيير فرصة أن تكون جزء من القيادة السياسية للثورة في مرحلة قادمة.
3/ الخسارة الأدنى: تعثر الانتقال المدني الديمقرايطي واستمرار المقاومة المدنية بطريقة تفقد الحرية والتغيير إمكانية أن تكون قيادة سياسية للثورة في مرحلة قادمة.
4/ الخسارة الأعلى: إجهاض الانتقال المدني الديمقراطي ونزول قيادة الجيش للانتخابات والفوز بها.
يلا هنا لمن تقول أنا عاوز اتفاوض وأعمل تسوية سياسية معناها ضمنيا أنت بتكون قبلت إنو لا أنت لا خصمك تصلو المكاسب الأعلى ولا الخسائر الأعلى. هنا أنت بتصيغ التوافقات بما لا يحقق خساراتك الأعلى ولا يمنعك ولو مستقبلا من تحقيق كسبك الأعلى. دا الشي النجح فيهو البرهان بامتياز وفشلت فيهو الحرية والتغيير. لأنو للأسف الاتفاق الأطاري دا ما اتصمم بما يمنع قيادة الجيش من الحصول على كسبها الأعلى اللي هو الخسارة الأعلى للحرية والتغيير.
الحرية والتغيير كان مفروض تمركز العملية السياسية للاتفاق دا كلو حول مبدأ تفاوض مركزي وهو: عدم نزول منسوبي القوات النظامية للانتخابات إلا بعد 8 سنين من النزول للمعاش. النص دا هو عماد وملاك التسوية المدنية العسكرية تجاه تمدين الحياة السياسية.
النص دا كان مفروض يكون هو المبدأ التفاوضي للحرية والتغيير. مكسب إنو كل هياكل السلطة تكون مدنية في الانتقال دا مكسب هش من ناحية استراتيجية ما مكسب صلب زي عدم نزول العسكريين للانتخابات. بمعنى لو خيروك بين نصين واحد بيضمن مدنية هياكل السلطة في الانتقال والتاني بيضمن عدم نزول العسكريين في الخدمة للانتخابات بعد الانتقال باختار التاني لأنو استراتيجي أكتر. ولأنو سناريو إفشال الثورة المصرية هو السيناريو الأقرب لإفشال الثورة السودانية.
نص عدم نزول العسكريين للانتخابات دا للأسف لا اتمركز كمبدأ تفاوضي ولا نص عليهو في الاتفاق الإطاري. وفي عدم وجود النص دا، الاتفاق الإطاري فعليا ما أنهى الانقلاب لكن أنتج وضعية جديدة للبرهان نقلته من وضعية المنقلب على شرعية دستورية إلى وضعية دستورية شرعية توافقية واسعة جعلته القائد الأعلى للجيش، بمعنى، عبر الاتفاق دا البرهان ضمن تفادى الخسارة الأعلى والأدنى، وفتحت ليهو الباب واسعا نحو مكسبه الاستراتيجي الأعلى المتمثل في النزول للانتخابات القادمة واللي فعليا هو خسارتك الاستراتيجية الأعلى.
فأنا ما معني بي كل نصوص الاتفاق الإطاري مهمها كانت لأنه جمالها العلى الورق دا في الواقع هو عبارة عن كبش فداء بموضع البرهان في موقف استراتيجي أفضل من موقفه الحالي عشان يختو في موقع أفصل للحصول على المكسب الاستراتيجي الأعلى. تمهيد الطريق معبدا لنزول قيادة الجيش للانتخابات القادمة هو أكبر ضربة للتحول المدني الديمقراطي. البرهان فعليا بيكسب في الزمن والفترة الفاتت دي كلها هو داير يشوف منو الجهة البتديهو شرعية توافقية ينزل بيها الانتخابات؟ فولكر والحرية والتغيير ولا ناس مبادرة نداء أهل السودان. حسع الحرية والتغيير قاعد تسهل ليهو في دا من غير اي تكلفة سياسية تذكر!
قلت الكلام دا لي واحد من ناس الحرية والتغيير قال لي هو لو كتبنا النص بتاع الانتخابات دا شنو ضمان إنو البرهان يلتزم بيهو؟! قلت ليهو أمرك عجيب ياخ! وأنت ما قاعد تروج الاتفاق الإطاري دا من باب جمال المكتوب فيهو من نصوص والناس مشكلتها معاه عدم الضمانات! لو دا منطقك فتاني ما تقعد تتجدع للناس بي بنود الاتفاق. دا أولا، تانيا، أنت لو مركزت نص عدم نزول الانتخابات كمبدأ تفاوضي، دا ميزته مبدأ البرهان ولا غيرو ما عندو خطاب مبدئي ضده لمنسوبي الجيش، على عكس تمدين هياكل السلطة وتسليمها لأحزاب غير منتخبة في انتقال. تالتا، تكلفة نقد مبدأ مركزي زي دا عالية جدا لأنه الخطاب شي مركزي في تحليل القوة في السياسة، فصعب تحصل عملية سياسية كبيرة ومحضورة زي دي دا كان مبدئها التفاوضي ويحصل عليها انقلاب، الحيعمل عليها انقلاب دا خطابه شنو؟ على الأقل دا شي لو حصل من الجيش مؤكد ما بيعملوا البرهان إلا يعملو عسكري جديد. وهو كارثة نضال ما بعد ٢٥ اكتوبر إنو ما عندو خطاب يعزل مبادئ الجيش من مصالحه.
المشكلة التانية في الاتفاق الإطاري هي مشكلة متعلقة بأطرافه.
أنا لي ما معني كتير بي بنود الاتفاق الأطاري؟
لأنو المشكلة في السودان دا أصلا هي ما الوثيقة السياسية البتتفق عليها أطراف معينه. المشكلة في التحالفات السياسية كانت ولا زالت من لدن الاستقلال وحتى الانتقال الفات دا، هي غياب الوثائق التنظيمية للتحالفات السياسية وإدارتها عبر أدوات الإنداية والكرتلة والبنابر يا قول القدال.
خطيئة الحرية والتغيير الكبرى في الانتقال الفات كانت عدم مؤسسية تحالفها والذين أردوا الحرية والتغيير آنذاك المهالك هم الناس الوقفوا ضد مأسستها. دا الشي الخسرها الموقع الحصري للقيادة السياسية وشقاها وفشل الانتقال الفات لأنه فاعليتها السياسية كانت بتعبر عن فاعلية أفراد في أحزابها ما عن أحزابها كمؤسسات. أنت محتاج تضمن إنو التحالف البيدير الانتقال دا يكون تحالف منظم ومهيكل وطريقة اتخاذه للقرار واضحة وعلاقته الداخلية مع أعضائه والخارجية مع هياكل السلطة واضحة ومحددة. ما منع تنفيذ بنود الوثيقة الدستورية على علاتها هو عدم مؤسسية الحرية والتغيير وما سينمع تحقيق بنود الاتفاق الإطاري هو عدم مؤسسية تحالف القوى الموقعة عليه. دا يعني إنو معرض للانشقاق أولا، وبالتالي تقويض الشرعية التوافقية القايم عليها الانتقال السياسي. وبعداك ظهور ديوك العدة بين التحالف وهياكل السلطة. أنت محتاج حركة واحدة من ديك عدة واحد عشان الشغلة دي تجوط تماما وما أكتر ديوك العدة في السودان. قواعد الانتقال الفات اتحولت في لحظة من قواعد تأسيسية لي قواعد سلطوية بمجرد ما إن التقى بعض قيادات أحزاب التحالف تجاوزا للآخرين برؤساء دول أخرى وبمجرد ما وُصِّف مقر التفاوض الخطأ للحزب الشيوعي وبمجرد ما تشكل وفد التفاوض الأول دون أدنى عملية مؤسسية. دي كلها سلوكيات غير مؤسسية بتحول قواعد اللعبة لقواعد هدامة. فتحالفات بهذا النوع من عدم المؤسسية لن نحصد معها إلا خبالا.
فباختصار، رغم إنو بنيويا في مشاكل في القوى الموقعة على الاتفاق الإطاري، من حيث إنها فعلا ما عندها شرعية تمثيل للقوى الثورية اللي عرفت المشهد السياسي كمشهد ثوري في الأساس، لكن الإشكال الأكبر إنو لا أطراف الاتفاق لا القائمين عليو من قوى خارجية عندهم رغبة في مأسسة التحالف دا، لأنه مؤسسيته تعني فعليا قفل باب الفرص أمام ديوك العدة ووكلاؤهم. ولذلك حرفيا ديوك العدة هؤلاء هم كرت الجيش وكرت القوى اللإقليمية التي تعادي التحول المدني الديمقراطي الرابح في السودان. هم من سيهدون البرهان الفرصة لتقويض الشرعية التوافقية الحتأسس الانتقال القائم على الاتفاق الإطاري، ففي غياب المؤسسية والأنظمة الأساسية الحاكمة سيأتي كل مسؤول حكومي من رئيس الوزراء إلى روؤساء المفوضيات “بمزرعته”، وستصبح المساحة بين التحالف وهياكل السلطة سوق أعمال سياسي. دا حيخلق عشرات الأزمات السياسية زي ما شفنا في الانتقال الفات ومؤكد سيحول توازن ضعف التحالف لتوازن قوة لصالح أحد أطرافه ثم يقود لانشقاق الأطراف الأخرى وتلك هي اللحظة التي سينقض فيها الجيش على الانتقال ويعلن الانتخابات المبكرة لأنو الانتقال لحظتها كانتقال قائم على الشرعية التوافقية ما على الشرعية القاعدية للجماهير الثائرة حيكون فقد شرعيته السياسية.
فالخلاصة إنو الاتفاق الإطاري، على هذه الشاكلة، ومعطى مسلمة ضرورة التفاوض والتسوية المدنية العسكرية وأن التغيير تدريجي، لن يقود إلا لمزيد من تعقيد المشهد السياسي والبرهان كواجهة لسلطوية المؤسسة العسكرية هو أكبر المستفيدين منه؛ والحرية والتغيير،كأحزاب وليس كأفراد، هي، علمت أم لم تعلم، أكبر خاسر منه، لأنه فشل الانتقال السياسي القادم وتعثره يعني عدم قدرة الحرية والتغيير على أن تكون جزء من أي قيادة سياسية للحراك المقاوم. الانتقال السابق كلف الحرية والتغيير الكثير، ولذلك على أحزاب الحرية والتغيير إلجام جموح أفرادها وديوك عدتها، لحساب مصالحها كمؤسسات. لا شيئ يفسر ذهاب الحرية والتغيير كأحزاب على خلاف مصالحها في الانتقال الفات والجاي أكثر من أن فاعليه الأفراد في الأحزاب المكونة لها تتفوق على فاعلية أحزابها كمؤسسات.
علة هذه الثورة لا مؤسسية قواها المدنية، الحزبية وغير الحزبية، وسيولتها التنظيمية. فالسودانيين، الراغبين في التحول الديمقرايطي والتنموي، بعد أربعة أعوام من ثورتهم ثبت أنهم يريدون بلوغ الحداثة السياسية والاقتصادية بتنظيمات شبه تقليدية، لا هي قبائل ولا هي تنظيمات حديثة، ولكنها قبائل بعشرات النظار بلا وثائق تنظيمية حاكمة، تلك تنظيمات شاءت أم أبت مجبولة على عداوة نفسها.