▪️ دفعت جامعة الخرطوم ثمنا باهظاُ للتغيير الذي حدث في أبريل ٢٠١٩ ، فقد كانت الجامعة امتداداً لمسرح اعتصام القيادة العامة ، وتمت استباحتها تماماً من قبل أولئك المعتصمين ، بل جعلوها (كولومبيا) أخرى..!!
▪️ ولم ينته التخريب بانتهاء ذاك العبث ، وتلك الفوضى الضاربة ، بل استمر التخريب أكثر بعد أن تم تعيين المديرة السابقة التي حولت هذا الصرح التعليمي المجيد إلى ناد سياسي بجتمع فيه هواة السياسة الجدد ، وكل الراغبين في صناعة الخراب، بعد أن كان يجتمع فيه الراغبون في صناعة المجد والنهضة العلمية في هذه البلاد..!!
▪️ تحولت الجامعة إلى منسقية من منسقيات لجان المقاومة ، تصدر البيانات عن أي موكب ؛ وتحشر أنفها في أي قضية سياسية صغيرة كانت أو كبيرة ؛ وبذلك أختفى ذلك الملمح الوريف وأصبحت الجميلة ومستحيلة بقعة عادية لا يلتفت إليها المارة ليتأملوا هيبتها وليستمتعوا بجمالها واطلالتها البهية وظلال أشجارها الوريفة..!!
▪️ ففي ذلك العهد لم يتبق لها إلا عبق التاريخ وجميل الذكريات ، وظل العارفون مجدها وحدهم من يعلمون أنها منبع الثقافة والفكر، وأصل الحضارة والرقي، ورائد المعرفة والعلوم ، وحدهم من يعلمون أنها مخزن لكل ما ينعش ذاكرة هذه الأمة السودانية، فستظل جامعة الخرطوم هي كتاب يجعلنا نعيش في قرون لم نعشها..!!
▪️ فقد وجدتها الإدارة الحالية (جدولاً لا ماء فيه) ، وجدتها (حلوة)، لكنها (من غير طعم)، وجدتها كرماد بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً ، ومن هنا بدأت معاناة بروف عماد الدين عرديب مدير الجامعة الحالي وطاقمه الإداري المساعد، نعم إنهم الآن يعانون لأنهم بدؤوا من (السالب) ، وليس (الصفر) ..!!
▪️ولا بد من الإشارة إلى أن الدولة كانت تدفع رسوم الطلاب الجامعية، وكانت تسكنهم مجاناً في الداخليات، وتدفع لهم كفالة مالية يأخذونها شهرياً، وتفتح لهم نوافذ الدعم في أكثر من مؤسسة، بل كانت ترعاهم صحياً ونفسياً وروحياً عبر البرامج الترفيهية والرحلات وغيرها..!!
▪️ أما الآن فلا تملك الدولة إلا أن تتفرج وتترك المؤسسات التعليمية لوحدها تكابد ، تتركها لتبحث عن مصادر تمويلها وكيفية تسيير نفقاتها ، فتلجأ المؤسسات للطريق الأقرب وهو فرض رسوم على الطلاب حفاظاً على استمرارية العملية التعليمية في بلاد مزقها الجهل والتخلف ..!!
▪️ جامعة الخرطوم تتعرض الآن إلى عملية تخريب ممنهج ، تخريب سياسي برع فيه ناشطون لا يعرفون سوى التشليع وانتاج القبح وصناعة الأزمات ؛ فبعد أن فشلوا في انتاج أزمة تعيق استمرار الدراسة في جامعة الخرطوم تعلقوا الآن بقشة فرض الرسوم الدراسية واتخذوها مطية لتحقيق هدفهم السامي وهو ايقاف الدراسة واغلاق هذا الصرح وارسال رسالة تعبر عن الأزمة التي يريدونها أن تكون واقعاً معيشاً في كل مكان، فهم يعشقون تجهيل هذا الجيل، هم يحبون أن يرون هؤلاء الشباب متسكعين في الشوارع يغذون المواكب (مخروشين)؛ ولا يريدون أن يروا استقراراً في هذه البلاد في أي بقعة من بقاعها..!!
صفوة القول
▪️ في رأيي أن إدارة جامعة الخرطوم حاولت المستحيل من أجل أن تزلل عقبة الرسوم ، وبحسب متابعتي طرحت الجامعة كل الحلول الممكنة ابتداءً من إعفاء الطالب المعسر، ومروراً بتخفيض من له ظرف يستحق، وانتهاء بالتقسيط المريح لمن يرغب، فهذا منتهى المرونة والتجاوب الإيجابي في التعاطي مع الأزمة، الأزمة المصنوعة من قبل الأقليات السياسية – والمؤسف أن أولياء أمور هؤلاء الطلاب لا يعلمون عنها شيئاً ؛ فرسالتي من هنا لهم بأن يتعاملوا مع هذه الازمة بشيئ من العقلانية فسيجدون أنهم تركوا ابنائهم يتعرضون لقهر سياسي بواسطة شرذمة لا تريد لبلانا الاستقرار والنماء، تركوهم لشرذمة تمارس الاتجار بالأزمات، فكن قريباً عزيزي الأب من ابنك وتأكد إنه سجل حتى لا يفقد فرصته في التعليم فترجع خاسئاً حسيراً ، واعلم أن الفجر قريب ، والله المستعان.