يجب أن نسلم أن التنافس بين الدول في إيجاد مخرج من الأزمة السياسية في السودان مازال مستمرا وأن هذا الواقع المأزوم كان نتاج طبيعي لفشل النخب السياسية و الأحزاب السودانية في الوصول لحلول ناضجة تمكن من سد الطريق امام التدخلات الاقليمية الدولية.. فقدمضي العام الرابع بعد سقوط نظام حكم الإنقاذ دون الوصول الي توافق يرضي جميع الأطراف مما فتح الباب واسعا للتدخل في الشأن السوداني عبر المبادرات والحلول التي تتبناها الدول حرصا علي مصالحها في المقام الاول، يجانبنا الصواب اذا قلنا أن جميعها بريئة وأن جميعها تضع مصلحة السودان في المقدمة..لذلك دعونا وفقا لهذه المعطيات أن نتناول بقليل من التدقيق أهم هذه المبادرات التي طرحت مؤخرا بواسطة الحكومة المصرية..والتي يشكك البعض في أهميتها وصدقها..ويقولون أنها ربما لكسب الوقت لإعطاء فرصة لإنضاج الإتفاق الإطاري الموقع مؤخرا بين العسكريين وبعض الأحزاب التي أعلن الوسيط الدولي فولكر انها لاتمثل الشارع وان التحدي أمامها كبير لإثبات عكس ذلك.. هذا بالنظر الي ما أعلنته هذه القوي السياسية الموقعة علي الاطاري بأنها ماضية في إقامة موتمر الأسبوع القادم لإستكمال نقاش النقاط العالقة التي بموجبها يتحول الإتفاق الإطاري إلى اتفاق نهائي يمكنها من الذهاب الي حكومة أعلن انها لن تتجاوز مطلع الشهر القادم ..إلا أن بعض المراقبين قالوا أن ذلك يعد موقف تفاوضي لممارسة مزيد من الضغط علي العسكريين والقوي الممانعة ذات الثقل الحقيقي والتي انخرط معها العسكريين في مفاوضات جانبية لتلبين مواقفها المعلنة المتمثلة في أهمية توسيع قاعدة المشاركة في الحكم والالتزام بسلام جوبا دون مراجعة. بالرغم من ذلك يري المتابعين للأحداث أن حضور مصر في المشهد السياسي السوداني والذي جا متاخرا له مايبرره وأنه يهدف إلى الحل الحقيقي الذي يستصحب كل المكونات الحزبية في العملية السياسية المرتقبة ذلك من واقع حرص المصريين علي الوفاق الذي يجنب البلاد مزالق الفوضي المتوقعة في حال مضي الإطاري إلى إتفاق ثنائي ربما يجعل القوي السياسية الأكثر تأثيرا والعسكريين خارج المشهد تماما..وذلك يعلي من كعب الدول التي تدعم الإطاري والتي بات تدخلها في الشأن الداخلي السوداني مزعجا لكثير من القوى السياسية بالنظر الي ما أعلنه نائب رئيس المجلس السيادي محمد حمدان دقلو مؤخرا أن السفارت والدول باتت متحكمة في القرار السياسي وأن ذلك برضي العسكريين وإن المخرج من ذلك هو وحدة صف أبناء الوطن..هذا الإعلان جعل المشهد السياسي أقرب إلى أن يوصف انه مشهد فسيفسائي يحتاج إلى الحكمة وتدخل الاصدقاء لإنقاذ البلاد التي باتت تتقاطع فيها مصالح الدول اكثر من مصالح الشعب السوداني الذي يتطلع الي الإستقرار والعبور بالمرحلة الانتقالية الي بر الأمان وصولا الي صناديق الانتخابات.المتابع للدور المصري والمبادرة التي حملها مدير المخابرات عباس كامل الأسبوع الماضي يري أنها مبررة لاسيما أن المصالح المشتركة بين السودان ومصر ظلت تتميز بالتفاهمات التي تقدم مصالح الشعبين على ماسواها بجانب البعد الاستراتيجي الذي يمثله البلدان لبعضهم البعض.. ذلك يوجب التدخل المصري باضافة إلى اعتبارات أخرى كثيرة منها سد النهضة الإثيوبي الذي مازالت مصر تعول علي السودان في موقف واضح بعيدا عن التكتيكات السياسية لضمان اتفاق نهائي حول الملء والتشغيل خلال فترات الجفاف والجفاف الممتد هذا بجانب تعظيم الفوائد من السد فيما يخص المشروعات المشتركة في جانب الزراعة والكهرباء التي ظل السودان ينادي بها دعما لاستكمال التكامل الاقتصادي بين البلدين..كما أن حرص الجانب المصري علي بقاء الجيش السوداني موحدا ودمج الحركات المسلحة فيه بموجب إتفاق سلام جوبا يعد آمر استراتيجي بالنسبة لمصر التي تدرك أهمية وحدة الجيش السوداني ..كما أن انزعاج مصر المكتوم من تمدد النفوذ الإماراتي في السودان والذي توج مؤخر بما آعلن من اتفاق مبدي يمنح السودان بموجبه الامارات ميناء ابو عمامه على البحر الأحمر القريب من الحدود المصرية والذي يقع بالقرب من القاعدة العسكرية الأضخم التي أنشأتها مصر مؤخرا في المنطقة قاعدة (برنيس) المصرية العسكرية، التي تعد أكبر قاعدة عسكرية بمنطقة البحر الأحمر بالقرب من الحدود السودانية.هذا بالإضافة إلى مشروع الهواد الزراعي 3 مليون فدان الذي تجري الإجراءات لتسليمه للإمارات وهي منطقة جغرافيا شمال ووسط السودان أعلنت مصر انها بصدد إقامة مشروع زراعي فيها يقوم علي فكرة التشارك بحسب مانشرت (الانتباهة) حيث ينتظر المراقبون نظر المجلس السيادي السوداني في المبادرة لزراعة 3 ملايين فدان بالتشارك بين مصر والسودان حسب وكالة الأنباء السودانيةالمبادرة أعلنها اتحاد المصدرين العرب والتي تستهدف الشراكة ما بين الأسر السودانية والمصرية،والتي من المتوقع ان ترفع إلى المجلس السيادي خلال جلسات مجلس الوحدة الاقتصادية المنعقد بالخرطوم..وأوضح رئيس الاتحادأن المبادرة تستهدف 100 ألف أسرة مصرية وسودانية، بواقع 50 ألف أسرة لكل دولة، للمشاركة في زراعة الـ3 ملايين فدان..حيث يعتبر هذا المشروع مهما بالنظر الي حرص السودان على الاستثمارات الزراعية التي تتميز مصر في جوانب كثيرة منها امتلاك التكلوجية الحديث والخبرة الزراعية بجانب الحوجة المشتركة للبلدين لتوفير الغذاء..في ظل المتغيرات الإقليمية التي تاثرت بتغيرات المناخ والحرب الروسية الأوكرانية. المتابع للأحداث يعلم أن مصر بثقلها السياسي والاستراتيجي في المنطقة العربية حين تتحرك في الملف السوداني لاتتحرك من فراغ او بمعزل عن التنسيق الدولي علي الأقل مع الفاعلين او مع الدول التي لها أيضا مصالح في السودان تري ضرورة المحافظة عليها في ظل اَي متغيرات متوقعة واعني هنا الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا وربما المملكة العربية السعودية ودولة قطر..،كما ان الاحداث في غرب السودان اعني تشاد وأفريقيا الوسطي لا تنفصل باي حال من صراع النفوذ والمصالح في المنطقة الذي يبرز خلاله الدور الروسي والفرنسي وربما الصيني التي بدات اهتمام متعاظم بافريقيا والعالم العربي خلال القمة العربية التى عقدت مؤخرا بالرياض.هذا يجعلنا نوكد أن السودان بات في موقف بالغ التعقيد يحتاج الي توازن في القرارات وحكمه فيما يخص الحلول الممكنه التي ستاتي بالحكومة القادمة والتي كل ماتأخرت يزداد الوضع تعقيدا واقترابا من سيناريوهات الفوضي.بالعودة الي المبادرة المصرية التي ظهرت خطوطها العريضة بأهمية عدم انسحاب الجيش من العملية السياسية باعتباره الضامن لنجاحها مع ضرورة التوافق السياسي الشامل بين جميع الاحزاب السياسية السودانية عدا الموتمر الوطني واستبعاد الرباعية من ملف التفاوض والعودة الي منبر الاتحاد الافريقي والثلاثية وتعزيز دورها بإلحاق الجامعة العربية واقرار مبدأ ان يكون الحل السياسي سوداني سوداني وأن تستضيف القاهرة هذا التوافق تمهيدا لإعلان مبادي يمهد الطريق نحو الحل الشامل وصولا لانتخابات..هذا المقترح الذي جات به المبادرة والذي تداولته وسائل الإعلام المحلية والاقليمية وجد ارتياحا وسط القوي السياسية السودانية التي لم توقع علي الإتفاق الاطاري ولا أظن ان الاسلاميين يعارضون المبادرة باعتبار حرصهم علي الوصول لحلول ناجعة تمكن البلاد الخروج من الأزمة السياسية وصولا لانتخابات خلال عامين او اقل من ذلك..الا أن الاحزاب التي وقعت على الإتفاق الاطاري متحفظة بعض الشي علي المبادرة المصرية باعتبارها لم تصاغ بنودها حتي الان حتي يتم نقاشها..لذلك يري المراقبين أن جدية المبادرة المصرية يتجلي في أهمية الإسراع في صياغتها بصورة واضحة والدفع ببنودها الي الساحة السياسية حتي تكون قابلة للدراسة والنظر ومن ثم أن يتم قبولها كمخرج للحل والخروج من الأزمة..لذلك بات عامل الوقت مهما لجميع الأطراف في ظل الوضع الاقتصادي المنهار والذي اثر علي حياة السودانيين بلا استثناء حيث بات من الصعوبة تأمين ابسط الاحتياجات للأسرة السودانية في ظل التضخم والإضرابات المتجددة في قطاع التعليم والصحة والضرائب والمرشح لاتسع ليشمل قطاعات أخرى مطالبة بتحسين الأجور لمجابهة متطلبات المعاش بعد البدا في تنفيذ الميزانية الحكومية الجديدة التي تحتاج الي الدعم الدولي عبر المشروعات التي سبق ان أعلن عنها حتي لاتتعرض للانهيار بسبب قلة الموارد والتضخم وانفلات اسعار المنتجات الغذائية وتفشي البطالة والمخدرات الذي بلغ مدي بعيد يصعب معه المحافظة علي بقاء الدولة من الانهيار..لذلك من الأهمية أن يتعقل الجميع وأن يمضوا الي الحل من خلال التقدم في المواقف لإنتاج حلول عاجلة تخرج البلاد الي بر الأمان ..فقد أكد المراقبون علي ضرورة أن تراعي الحلول المرتقبة المصالح الاساسية للشعب السوداني والمصالح القومية العليا للبلاد في توحيد جهودابناء البلد وتوجيه الطاقات نحو العبور الأمن بالبلاد الي بر الأمان فذلك يجعل من اَي حلول مقترحة تكتسب المصداقية وتحقق الديمقراطية في الحياة السياسية لتمكين الشعب السوداني من القرار في جميع القضايا العالقة بجانب ضمان الاستمرارية وصولا الي الانتخابات التشريعية دون تاثير إقليمية او دولية..بذلك ارجو ان تمثل المبادرة المصرية بداية النهاية لازمة الحكم في السودان.دمتم بخير.