رغم كل ما يعانيـه وطنا من شبح تفتت ونظرة تشاؤميـة للمستقبل ولأوضاع إقتصادنا ومعاش الناس فإننى طالعت نموذجيـن أحدهما فيـه أمل كتبـــه الزميـــل يوسف عبدالمنان علي صفحته بالفيس بوك تعليقاً على وداعهم لشركاء معسكر الروكب شمال غرب كادقلي من لاجئ دولـــة جنوب السودان بعد حصاد ماتبقى من زراعتــهمبالدموع والحزن قائـلاً : ( افترقنـا غادر الفرقاء من أهلنا النويــر إلى كادقلي وتركونا نحدق في السماء في انتظار دق العيش والعودة للماسكات عداد ايامن ) .. يوسف عبدالمنان نموذج للصحفي المُنتج ومعروف أن الإنتاج واحدة من مقعدات بلادنا التي رُغـم مواردها المهولـة وجغرافيتها متراميـة الأطراف لكن شعبـها وحُكامها أقسموا أن تظل دولـة ناميـة تمد يـدها وتستعطي بدلاً من أن تكون دولـة رائـدة ذات إقتصاد متدقم وجبّار .. جعلوها تعيش حالــة الضعف والكفاف التي سمحت للبسوى وغيـر البسوى يحاول نهشـها ومد أصابعـه فى شؤونـها ، فإن التمعُن في الصورة بأكملها، وصورة الصحفى يوسف عبدالمنان بدقة، يثبت أن هذه الأمة العظيمة حقاً، يمكن أن تظل وتكون عظيمة إذا قام كلٌ منـا بواجبـه الوطني فخصص وقتاً للإنتاج والإستفادة من الموارد وممكن لهذه البلد أن تكون منارة للعلم والحضارة في غابـــر الأيام إذا خصصت الدولـــة نسبـة مقدرة من موارد الدولـة للتعليـــم وغيـرت مكانــة المُعلمين من بائسة إلي أرقي طبقـة فالمعلم هو من يصنع الأمـة وهو الذي ينتج جيلاً متواضعـاً يحب العلم ويحب بلدو والأخلاق .. نحن اليــــوم كدنا أن نكون شعبـاً يبصق ويشتــم بعضه في الشوارع وهنا بالضبط يكمن سر الإنتاج والتعليـــم وهما سر التغيير الحقيقى وليس المظاهرات والخراب بلا هدف .. و( بالإنتاج لن نحتاج ) كلمة عظيمة نرددها ، ولا تزال عظيمة وهى تمد الوطن بعطاءات بنـاء الإنسان من جديد ولابــــد من تغيير نظرة جيلنا الحالي للتغيير وإلي نفسه والحياة من حولـــه وجعله صاحب مهمة وطنيـة ورسالـة فمناهج التعليـم الحالى والقائـــم علي فكرة الحشو المعرفيّ وحده لا يبني إنسانـاً فكثيرون من الذين يعرفون كثيراً هم في سلوكهم دواب في هيئـــة بشرية .. أما التعليـــق الثانى الذى نظرتُ إليـه بمثابـــة تحذيـــر هو للزميــل محمد حامد جمعـة نوار ومحمد حامد واحـد من الذيــن يعيـرون التفاصيل الحياتيـة اليوميــة إهتمام فى كتاباتـــه .. كتب نوار تعليــقاً ساخطاً على كسل ولا مبالاة جزار حلتـهم وصاحب الخضار الذين في وجهة نظره مثلا لِصيّن سرقا وقتـه وهو ينتظرهما حتي يفرغ الجزار من عطلـة الفطور وإحتساء الشاىِّ والخُدُرجِى من إحتساء القهوة وهو جالس بجوار صانعة الشاىِّ ونوار وآخرين ينتظرون في مشهد فيـه ضياع للوقت وإهدار للموارد وإضعاف للانتاج .. إن حديث نوار ذكرني بمقولـة شهيــرة لـ ( ليِ كوان يو) أول رئيس وزراء لجمهورية سنغافورة قال : ( تنظيـف الفساد مثل تنظيف الدرج يبدأ من الأعلى إلي الاسفل وعندما يسيـر اللُّصوص فى الطرقات آمنين فهناك سببان : إما النظام لِص كبير أو الشعب غبِي أكبــــر ) .. النموذجان جعلتهما مدخلاً لأقول للحكومـة والمجتمع أصنعوا الإنسان قبل كل شئ أمِنُوا المرافق والخدمات ثم أجعلوه بالقانون يستخدمها بطريقـة حضارية ونظيفة ولا أعتقد أن طريقـة الديمقراطية التي أصبحت علي لسان كل سياسي سودانى تؤدي إلي التنمية الشاملــة بل أري أن البلد في وضعه الراهن يحتاج إلي نظام حكم وحاكم أكثـر من حاجته إلي الديمقراطيـــة والحريــــة .. السودان يحتاج إلي حاكم ونظام حُكم يهتـم بالإقتصاد أكثر من السياسـة وبالتعليم أكثـر من نظام الحكم .. السؤال : متي يكون لدينـا حاكماً شجاعـاً يتخذ قراراً شجاعـاً يجعل موازنـــة التعليـــم أكبـــر من موازنــــة وزارة الدفاع .. ?