مبارك علينا..مسيحيين – ومسلمين – أعياد الميلاد..وجارنا عادل – القبطي – ما زلت أذكر كيف كان يبارك لنا أعيادنا؛ ونبارك لهم أعيادهم..هو وزوجته فكتوريا؛ وأبناؤه الثلاثة..وفي رمضان كان يخرج بصينية طعامه يشارك أبناء الحي – من المسلمين – إفطارهم..وعلى حائط غرفة أبنائه صورة عجيبة..وأبناؤه هؤلاء – ذوو التثليث – هم مجدي… وممدوح… وماجدة..كنت أقف مذهولاً أنظر إلى ذاك الوسيم المصلوب – على خشبة – ورأسه نحو الأسفل..وكنت أسألهم بفضول شديد: من هذا؟..فتجيب ماجدة: هذا هو الله؛ فتخيلت الله – وأنا في ذلكم العمر الصغير – على هذه الهيئة..وعلمت – بعد ذلك – إنه المسيح..فهم يُؤمنون بالثالوث: الآب… الابن… والروح القدس؛ وكل أولئك – عندهم – يمثلون الله..وفي قاعة الفلسفة كانت معنا قبطية اسمها سوزي..وربما كان اسمها الحقيقي سوزان؛ وتم تحريفه إلى سوزي على سبيل التدليل… والدلع..وذات نهار حدثت مخاشنة بينها وأستاذ الفلسفة حنفي..فحسن حنفي هذا كان صارماً إزاء ضرورة تجرد طالب الفلسفة من قيود القناعات المسبقة..كان يطالبنا بتعليق عباءة أي قناعة على مشجب باب القاعة..ومن ثم ندخل إلى المحاضرة بقلوب بيضاء؛ لتسطر عليها الفلسفة أحرفاً من نور المنطق..ولكن سوزي جلست على مقعدها بعباءتيها؛ الدينية والقطنية..فلما فنَّد حنفي التثليث – منطقياً – ثارت ثورة لم أر مثلها إلا عند إخلاف وعدي بزيارتها..فكلما تعطيني ورقة بوصف بيتها تضيع الورقة..وفي المرة الثالثة ثارت… وغضبت… ورفضت إعطائي وصفاً مكتوباً آخر ليغدو تثليثاً..والآن لم يبق في ذاكرتي من الوصف هذا سوى مفردة (سركيس)..ولم يبق من ملامحها غير الذي يشابه باقي الوشم في ظاهر اليد؛ إن كان ثمة وشمٌ أبيض..ولم يبق من ذكراها إلا يوم ثورتها في وجه حنفي..ثم ذكرى زميلنا مبارك الذي كان يهيم بها حباً؛ وتتوه هي عشقاً في ملكوت التثليث..ثم تتوه عنه؛ وعن ولهه هذا بها..وبلغ غرامه بها هذا حداً أن فكر معه – ذات جنون – أن يعتنق ديانتها ؛ ويُؤمن بالتثليث..ولولا أن أثنته عن جنونه هذا لفعل ؛ ربما..ولكن ذكرى صديقي القبطي – صدقي فهمي نوس – ستبقى في ذهني ما بقينا أحياء..فهي صداقة (زمن ماشي… وزمن جاي… وزمن لسه)..من لدن أيام الصبا وإلى يوم الناس – وأيامنا – هذي التي تصادف الاحتفال بمولد رسولهم..ورسولنا نحن كذلك؛ فنحن نؤمن بالرسل أجمعين..ثم الاحتفال بمولد عامهم جديد… وعامنا نحن أيضاً… أو بالأحرى مضيِّ عامٍ من أعمارنا..وكانت صداقة مثلثة – ذات تثليث – وثالثنا الفاتح شمت..وفي أعيادنا – أعياد المسلمين – يُرسل لكلينا رسالة لا يتبدَّل نصُها (كل طيب وأنت سنة)..فنصها (مقلوب)؛ إلا أنه قد يكون معبراً… وصحيحاً..فكم من (طيب) لم ندركه جراء بؤس واقعٍ لا نجني منه سوى أن أعمارنا قد نقصت (سنة)..والآن تنقص سنة مع تناقص آمالنا في ثورة تنقص ولا تزيد..تنقص – مع كل يومٍ يمر من عمرها – قوة دفعٍ نحو غاياتها المثلى التي اندلعت من أجلها..ولن تبلغها ما لم نُكمل نحن نواقص وطنيتنا..أو ما لم نتجرد – كما كنا نفعل لدى باب قاعة الفلسفة – من عباءاتٍ نُسجت بخيوط الأنانية..والمجد لله في الأعالي… وعلى الأرض السلام… وبالناس المسرة..بأناس أمثال صدقي… وعادل… وماجدة..ومبارك!.