عندما قابلتُها أول مرة تجلّلتني الهيبة فأنا لا أكاد أعلم عن امرأة في عصرنا بذلت نفسها للدعوة والتربية وتعليم النساء والدفاع عن قيم الدين مثلها حتى أغضبت مواقفها الكثير من مناوئي الحركة الإسلامية المتطرفين الذين اعتبروها عدوّاً شديداً عليهم وعلى أفكارهم الليبرالية.• كانت قيادية إسلامية كبيرة، ورمزاً تاريخياً مشهوراً، ومضرب المثال في التجرد والصدق والمبادرة رغم كبر سنها، وكانت متوقدة الحماسة شديدة الغيرة على دين الله، أسمعها تهتف بقوة تهز القاعات والميادين: فلسنا بطير مَهِيضِ الجناح***ولن نُستذلّ ولن نستباح• كنت أزورها في مكتبها في مقر الإتحاد النسائي الإسلامي العالمي الذي تأسس عام 1996 وترأست هيئته القيادية لأكثر من دورة، وما أتيتها في أمر يتعلق بفلسطين إلا قامت له دون تردد وكذلك كان كل فريقها من الأخوات اللواتي كنّ يتعاملن معها بوصفها الأمّ المرشدة الملهمة (ماما سعاد – حبّوبة سعاد)، وكنّا نلقبها بأمّ فلسطين في السودان، ولم تكن تترك زيارة قائد فلسطيني من ذوي التوجه الإسلامي إلا أتت إليه مسلّمة ناذرة نفسها للقدس، ولم تكن في حشدٍ خيريّ إلا حثت النساء على التنازل عمّا في أيديهنّ من حليّ لأجل القدس، فكان نفيرها عجيباً. وكان كبار أهل السودان يحدثوننا عن دورها في تشييع الزعيم إسماعيل الأزهري رئيس مجلس السيادة الذي كاد يُحرَم من جنازة تليق به حتى شيّعته مع جماهير غفيرة إلى مقابر البكري التي دفنت هي فيها اليوم الجمعة 23 ديسمبر 2022 .• كانت سياسية مبدئية وهي معروفة بمواقفها الحاسمة وشخصيتها القوية، واشتهر عنها دورها في حل الحزب الشيوعي حيث قادت الجماهير الغاضبة الثائرة حول البرلمان السوداني الذي قضى بحلّ الحزب الشيوعي عام 1965 بعد إهانته لمقام النبوة وجرأته على قيم الإسلام، ولم تكسر الجماهير حصارها للبرلمان حتى أقر قانون حل الحزب.• قد أعطاها الله عمراً مديداً فهي من مواليد يناير عام 1932م في مدينة الأبيّض بشمال كردفان بوسط السودان في بيت والدها المفوّض الإداري رغم أنها تعود لعائلة أم درمانية شهيرة إذ هي سلالة قاضي المهدية شيخ الإسلام محمد ود البدوي بن نُقُد بن حرنان.• منذ صغرها وهي تنشط في مجال الدفاع عن المرأة فقد انضمت للحركة الإسلامية منذ بداية الخمسينات ثم شاركت في مؤتمر المرأة العربية عام 1956 ثم مؤتمر المرأة في الاتحاد السوفييتي عام 1957وانضمت باكراً للاتحاد النسائي السوداني الذي شاركت في تأسيسه ثم غادرته بسبب أيديلوجيته الشيوعية وأنشأت الجبهة النسائية الوطنية. وكانت واحدة من عشر نساء كوّنّ الاتحاد النسائي السوداني عام 1952م وكانت عضواً في أول لجنة تنفيذية للاتحاد.• وعملت في الصحافة والإذاعة والتلفزية منذ الخمسينات وكانت رئيس تحرير مجلة المنار الصادرة عن مكتب المرأة في جماعة الإخوان المسلمين ، وظلت مقالاتها حتى منتصف الستينات من المقالات المؤثرة في نهضة المرأة المسلمة والعمل الإسلامي.• درست في كلية الآداب بجامعة الخرطوم وتخرجت فيها عام 1956، وتابعت دراستها في مدرسة الدراسات الشرقية والإفريقية في جامعة لندن وتخرجت بالماجستير في فلسفة اللغة العربية عام 1961 • وعملت مستشارة لليونسكو لتعليم البنات في السعودية عام 1969 وشاركت في تأسيس كلية التربية التابعة لجامعة الملك سعود بالعاصمة الرياض وعملت عميداً فيها، واعتبرت من رواد تعليم المرأة السعودية حينها.• عادت بعد سنوات إلى السودان ونالت الدكتوراه من جامعة الخرطوم عام 1974 ثم عملت أستاذة للغة العربية في جامعة أم درمان الإسلامية عام 1980م ، وعملت لمدة قصيرة بعد سنوات في الإمارات.• وهي أول امرأة تحصل على درجة بروفيسور في السودان حيث حصلت في عام 1990 على فرصة (سباتيكال) للدراسة في مرحلة ما فوق الدكتوراه في جامعة إدنبرة في اسكتلندا. • شغلت عضوية في البرلمان السوداني منذ أوائل الثمانينات وظلت تمارس العمل البرلماني بعد ذلك 1996-2005 وانتخبت عام 2004 في برلمان عموم إفريقيا عند تأسيسه، وعملت مستشارة للرئيس السوداني لشؤون المرأة في بداية عهد الإنقاذ الوطني.رحم الله البروفيسور سعاد الفاتح البدوي وجزاها عن فلسطين والسودان والنساء خيراً