إنه البشير الرجل الصالح الصوام القوام خرج اليوم في كامل زينته ليقدم مرافعته لله وللتاريخ وللوطن أمام محكمة ((سياسية))٠٠رفض أن يستجيب لوهن المرض٠٠ دعس علي آلامه فبدأ كما عهدناه أسداً هصوراً وهو يقف مخاطباً قاضي المحكمة تلك المحكمة السياسية التي أعدتها المخابرات الأجنبية لتحاكمه كما حاكمت صدام حسين انتقاماً واذلالاً لكل شعب حر يرفض التركيع والخنوع والعسف والطغيان الأجنبي ويقاوم الاستعمار٠٠هما إذن الشعبان السوداني والعراقي أرادوا إذلالهما في شخص رمزيهما الكبيرين٠٠ولأن البشير صاحب نفس أبية ترفض الانكسار هيأ نفسه معنوياً وروحياً لهذه اللحظة العصيبة٠٠ اللحظة الأولي التي يظهر أمام شعبه لأول مرة منذ الانقلاب علي حكومته الشرعية٠٠ بعد أن حكمهم ثلاثين عاماً كان فيها نموذجاً للاناقة والهيبة والجلال٠٠ولأجل ذلك حشد طاقته رافضاً أن ينكأ جراحاً التأمت أو يجدد ثارات وئدت ٠٠وهنا تكمن براعته كرمز عصي علي الخضوع والاذلال٠٠نعم شاهدناه بكل حضوره الطاغي وسمته الوضئ٠٠ نازعاً عن نفسه عباءة الحسرة رافضاً أي مظهر من مظاهر السأم والظلمة٠٠نعم ظهر البشير في كامل لياقته الذهنية والنفسية والجسدية بنظرة متفائلة للحياة ترفض العدم والاستسلام وتثق في نصر الله وعزته وتؤمن بالمشيئة الإلهية التي تجعل النقص اكتمالا٠٠مرافعته جاءت قوية وافاداته بدت متماسكة فقد احتفظ بذاكرة ارشيفية لتاريخ وحضارة وطن٠٠معين لاينضب من الحكم والأمثال والشذرات والمغازي البليغة والآسرة٠٠ إلي جانب المتعة التي جناها كل من شاهده أو استمع إليه وهو يسرد تلك الوقائع المفعمة بخفة الدم والدعابة والمفارقة مع قدرته العالية في الاحتفاظ بحيز وافر للفائدة السياسية والفكرية والتاريخية٠٠فبحق عرف الرجل كيف يختار مرافعته وكيف يقدمها وكيف يخرجها محولاً ذلك للوحة بديعة بعد أن أطلق لنفسه العنان لكي تمارس حريتها كما تشتهي وتعيش حضورها كما تريد ٠٠٠ليشكل ظهوره اليوم قيمة في حد ذاته ٠٠يكفي تلك المقارنة التي عقدها رجل الشارع البسيط بينه وبين هؤلاء السفلة الحمقي الأوغاد والحسرة تملأ عليه جوانحه كيف فرط في رجل عظيم مثله هذا هو سؤال كل مواطن سوداني شاهد البشير اليوم وهذه هي حسرة كل رب أسرة يعيش عدم الأمان والجوع والحرمان مذ ذهاب الإنقاذ٠٠إنها عناية السماء وعدل الله العادل أرادوا أن يذلوه فحول ذله إلي عز ومكرهم إلي نصر٠٠ بعد أن سالت أنهار من الاساءات في مواقع التواصل الإجتماعي تلعنهم لعنا كبيراً وتنكل بهم بسبب الخديعة الاستعمارية التي انطلت علي الشعب السوداني يوم صوروا له أنه بمجرد ذهاب البشير ستتحول الخرطوم جنة عرضها السموات والأرض تجري من تحتها الأنهار فيها نعيم مقيم فإذا بهم ينتهون إلي حياة الشقاء والتعاسة والخوف والذل والخذلان والندم الكبير٠٠تجلي البشير وهو ينزع عن بقية المتهمين لباس الإتهام باعترافه للمحكمة ببراءة كل المتهمين من تهمة الاشتراك في الانقلاب فقد أفاد بأنهم لم يشاركوا في الانقلاب لا تخطيطاً ولا تنفيذاً وانما تم اختيارهم بعد ذلك كضباط صالحين لبعض المهام لاحقاً٠٠أعظم ما قاله الرجل أن يفتخر بأنه صانع التغيير في ١٩٨٩م٠وقد كان بحق بارعاً وهو يثبت أن التغيير ارتكز علي مذكرة الجيش التي رفض تأجيل تسليمها للامام الصادق صباح الغد وأصر علي تسليمها له ليلاً وفعلاً تم تسليمها له الساعة ١٢ ليلاً٠٠أدان البشير كل قيادات الفترة الإنتقامية بمعاملتهم السيئة مع خصومهم وهو يوضح الكيفية التي تم بها اعتقال السياسيين حيث رفض أي اذلال لأي واحد منهم٠مرافعة البشير مرافعة هي الأعظم في تاريخ السودان مذ الاستقلال٠٠حاضرة: الظروف التي قادت القوات المسلحة لإنقاذ البلاد في ٨٩ هي ذات الظروف التي نعيشها الآن وهذا بمثابة دعوة صريحة لأن تتدخل القوات المسلحة لإنقاذ البلاد من مخطط اذلال الجيش وتفكيكه وتقسيم البلاد٠٠ثانية: ظهور البشير اليوم جعل الشعب يعض أصابع الندم عن التفريط فيه٠٠أخيرة: أرادوا أن يحاكمون سنوات حكمه فحاكمهم وجعل الشعب يفكر في أمر الانتفاضة٠٠ انتفاضة تخارجه من ورطة اليساريين وخاذوق الفترة الانتقامية٠٠