قال فولكر بالنص موجهاً كلامه للكتلة الديمقراطية: «إن الاتفاق قد اكتمل بالتوقيع عليه ولا يمكن أن يُفتح لأي قوى أخرى».. الكتلة الديمقراطية يقودها السيد جعفر الميرغني، وكان حضوراً في اجتماعه بفولكر السيد مناوي والسيد تِرِك.
وعملياً رُفض انضمام مبارك الفاضل، ويروى رفض انضمام أردول، والتوم هجو، للتوقيع على الاتفاق!!!
وقال البرهان في المعاقيل:
«الاتفاق ده ما فيه إقصاء لأي واحد، ما فيه زول درجة أولى وزول درجة تانية … ليس هناك تسوية بالمعنى الذي فهمه البعض… وينبغي ألّا تحاول أي جهة اختطاف هذا الاتفاق لمصلحتها الذاتية دون الآخرين أو أن تسعى لاختطاف السلطة من جديد».
يريد البرهان أن يقنعنا ويقنع العسكر، أنه قلب ظهر المِجَن لقحت المركزي شريكه الأهم في الاتفاق الإطاري!! وهذا من الـمُضحِكات الـمُبكِيات.
وحديث البرهان هذا يخالف ما ذكره في حطاب وفي المرخيات.. وعهدنا البرهان أنه يقول الشيء ونقيضه.. وعهدناه يفعل الشيء ونقيضه. وعهدناه يبتلع لسانه.. وعهدناه يتنازل اليوم عن قرار اتخذه بالأمس.. وشهدناه يخضع لضغوط قحت الأولى ولضغوط السفراء.. ولم يخجل أن يقول لمن التقاه من سياسيين: إنه مضغوط، يؤثر السلامة.. سلامة «رقبتو الحلوة دي».
وبمناسبة السلامة هذه تحضرني هنا مقالة الرئيس بنيامين فرانكلين:
«إن الذين يتخلّون عن الحريات الأساسية من أجل سلامة مؤقّتة، لا يستحقون الحرية ولا يستحقون السلامة»
«Those who give up essential liberties for temporary safety deserve neither liberty nor safety».
وقبل التوقيع على الاتفاق الإطاري ببضعة أيام قال البرهان لوفد الكتلة الديمقراطية: ليس أمامكم سوى التوقيع على الاتفاق!!
هذا ما قاله البرهان أخيراً في المعاقيل، وهذا ما قاله فولكر.. كلام منو البمشي يا ربي؟؟؟
وقبل أن أمضِيَ قُدُماً في هذا التحليل أفيد بثلاث حقائق:
الأولى: أن البعثة الدائمة للصين في الأمم المتحدة أجرت تعديلاً على مشروع القرار الذي قُدم لمجلس الأمن عن الاتفاق الإطاري، ونصت في تعديلها على عدم جواز إقصاء أي طرف سياسي سوداني من الاتفاق.
مفاجأة الوفد الصيني جاءت حين جاءها مندوب السودان بالأمم المتحدة (بالأحرى مندوب قحت- المركزي بالأمم المتحدة) الحارث إدريس، وطلب من الصينيين حذف ذلك التعديل، أي أن لا يُنَص على عدم الإقصاء!!
قال دبلوماسي صيني كبير: إن الصين لا تريد أن تكون أكثر كاثوليكيةً من البابا «More Catholic than the Pope»، ولكن حذف التعديل ليس في مصلحة استقرار السودان الذي نعرفه!! ورفض الوفد الصيني التنازل عن تعديلهم لقرار مجلس الأمن كما طلب الحارث إدريس!!
معروف أن الحارث إدريس حزب أمة جناح مريم.. والسؤال هو: هل يتلقى الحارث إدريس تعليماته من الحبيبة مريم المنصورة أم من وزارة الخارجية؟؟ علماً بأن (دَرَقْ سِتّو) اللواء برمة أصدر تصريحاً ضد انضمام مبارك الفاضل للاتفاق، وكذلك فعلت قحت – المركزي.. والبرهان يحدثنا عن أنه لن يكون هناك إقصاء!!!
الحقيقة الثانية: ما ينبغي لنا أن ننخدع بعدم توقيع بعث السنهوري؛ لأن البرهان شخصياً هو من يُمثّل البعث، فقد اعترف ببعثيته لقناة الجزيرة، ورغم ذلك يتحدث عن ضرورة خلو الجيش من الأحزاب!!
ثالثاً: تَمَلُّكْ الجيوش والقوات النظامية الأخرى للشركات، معمول به في كل دول العالم، بما في ذلك بلاد الحاكم العام السفير الأمريكي والمندوب السامي فولكر.. وسبق أن كتبت عن ذلك مقالاً مفصلاً حول تملُّك جيوش العالم لشركات واستثمارات.. كل المطلوب أن تسدد شركات الجيوش الضرائب والجمارك والرسوم، وأن تخضع لسلطة المراجع العام.
لكن البرهان قرر تصفية شركات الجيش والأمن.. لمصلحة من يا سيدي الفريق؟؟ كل السودانيين يعرفون.. لكن اعترف أنت.
وثمة سؤال يفرض نفسه: هل تتضمن الثوابت الوطنية التي أشرت إليها في المعاقيل يا برهان فرض العلمانية وإقصاء دين الأكثرية، بكل ما تجره العلمانية من إباحية وتفتيت للأسرة وانحلال وتسامح مع قوم لوط، كما تشاهدون في الغرب خاصةً؟؟ هل هذه هي الثوابت الوطنية؟؟
البرهان ماشى قحت في رفضها حوار المائدة المستديرة، ورفض معها كل المبادرات الأخرى، وفاوضها سراً بعد أن كذب أنه خارج العملية السياسية، ثم أعلن معها وثيقة سياسية جديدة واتفاقاً إطارياً قام على دستور صنعه أجانب، واكتشفنا أنه مغلق على قحت المركزي المعدّلة، بلافتاتها المزيفة العديدة.
اتفاق البرهان وشركاه الخواجات، جُيّر لصالح قحت، وهي تملكه تماماً وهو يراعي مصالحها منفردةً، هذا رغم ادعاءات البرهان الجوفاء وغير الأمينة.
هذا الرجل يفتقر للنزاهة..
ويحدثنا القائد العسكري – رئيس أميركا (1953 – 1961) أيزنهاور: أن «النزاهة التي لا يتطرّق إليها شك هي الصّفَة التي لا يُعلى عليها، المؤهلة للقيادة»..
«The supreme quality for leadership is unquestionably integrity».
وليس أهلاً للقيادة من يخدع شعبه وجيشه.
أخطر ما أبرمه البرهان مع شركائه، بل مستخدميه وآمِرِيه، بعد التفريط في هوية الأمة ودينها وثقافتها، هو قبوله بتفكيك الجيش الذي ظل يمثل تجسيد نُبلِنا وشرفنا.. وسيبدأ هذا التفكيك (اسم الدلع الإصلاح) بالتخلص من مئات من كوادره المؤهلة قريباً، فقد أعد كشوفات الفصل والحجة جاهزة:
الاتهام بأنهم «كيزان» معارضين للثورة!!
وهذه معلومات لا تخمينات وترجيحات!!!
سيفصلهم البرهان، ليبدأ التفكيك وبديله جاهز.. بديله هو الدعم السريع الذي يُسَلّح ويُمَكّن منذ أمد، ويروج له عرمان «كنواة» صالحة للجيش الجديد، الذي سيضم قوات الحلو وعبد الواحد.
سيفصلهم؛ لأن الغربيين يريدون جيشاً جديداً بعقيدةٍ عسكرية جديدة..
والغربيون تخلصوا من كل أحلام القوميين العرب والبعثيين في العراق بحلِّ جيشه.
وبنص الوثيقة السياسية والاتفاق الإطاري، سيكون حبيبنا البرهان أرسى سابقة في التاريخ.. سيكون البرهان أول قائد جيش يفكك جيشه، وبطلب أجنبي في التاريخ..
هنيئاً لك هذه السابقة سيدي!!
أمّا سادتنا الحقيقيون ضباط وجنود جيشنا، الذين استشهدوا بالأمس، ومستعدون تماماً لأن يجودوا بأرواحهم من أجل وطننا غداً، فاسمحوا لي بكل التقدير والاحترام أن أقول لكم:
إنكم تستحقون قائداً بقامتكم. ولنتعظ بما قاله الإسكندر الأكبر:
«إنني لا أخاف من جيش من الأسود يقوده خروف، لكنني أخاف من جيش من الخراف يقوده أسد»
«I am not afraid of an Army of lions lead by a sheep; I am afraid of an Army of sheep lead by a lion».
ولَنِعْمَ الأسود كنتم أنتم دائماً.