وكالات : كواليس
صدر حديثا للكاتب الكويتي عبد الرحمن محمد الإبراهيم كتاب “لا يكتب التاريخ مرة واحدة” عن دار تكوين للنشر (2022)، وكان من الكتب الأكثر مبيعا في معرض الكويت للكتاب.
“لا يكتب التاريخ مرة واحدة” عبارة عن مقالات نقدية كتبت في محاولة للخروج عن النمط السردي السائد في كتابة تاريخ منطقة الخليج عموما، والكويت خصوصا. والنقد هنا لا يعني التقليل من جهود الباحثين والمؤرخين الذين تم تناولهم في الكتاب، “إذ إن جهودهم مشكورة ومقدرة” بحسب المؤلف، لكن الكتاب -كما هو في عنوانه- يحاول قراءة التاريخ وكتاباته من منظور مختلف وتجديدي، وذلك من خلال العملية النقدية المستمرة لما هو منشور.
ويقول المؤلف إن مصادر كتب التاريخ “لم تكن في حوزتنا من قبل، لكنها صارت متاحة اليوم، بفضل سهولة الوصول للمصادر والمعلومات، فقد صارت المخطوطات والوثائق -التي كان الباحثون يسافرون للحصول عليها ويقضون أسابيع وشهورا في المكتبات- بمتناول اليد، وصار لزاما على المؤرخ أن يناقش ما كتبه من سبقوه، محاولا تطوير عملية الكتابة التاريخية للوصول إلى زوايا لم يتم النظر من خلالها من قبل”.
لا يكتب التاريخ مرة واحدة، كما يقول المؤلف، نظرا لأن المنهجيات والنظريات العلمية التاريخية تتجدد وتتطور باستمرار، وعلى الباحثين الخليجيين الذين ينشرون باللغة العربية -على وجه الخصوص- مواكبة هذا التطور العلمي ومسايرته.
لا يكتب التاريخ مرة واحدة أيضا، “لأن الظروف السياسية التي كتب فيها بعض المؤرخين كتبهم تغيرت، والمحظورات التي في زمانهم تبدلت، هذه الحرية البحثية تجعل التاريخ يكتب أكثر من مرة”.
وينقسم الكتاب إلى مجموعة من المقالات تشترك في نقدها للتاريخ الكويتي والخليجي.
النقد والأكاديمية الخليجية
تناقش المقالة الأولى من الكتاب وهي “مفهوم النقد والأكاديمية الخليجية: التاريخ الحديث مثالا” قضايا النشر العلمي في المجلات الخليجية وأزمة النشر في التاريخ الخليجي “بين التطبيل والتقبيح”، كما تسعى للإجابة عن السؤالين التاليين: ما النقد المطلوب من المجلات ودور النشر؟ وهل لهذا النقد معايير محددة يجب أن تتوافر في الكتاب أو المقال؟
أما المقالة الثانية، وهي “تاريخ مشيخة الزبير النجدية بين تهميش المؤرخين وانتقائية المؤلفين”، فتناقش تاريخ مشيخة الزبير النجدية في جنوب العراق، فتاريخ هذه المشيخة لم يوله المؤرخون حقه من البحث والتحليل.
ويقول المؤلف إن ما حدث في نجد إبان قيام الدولة السعودية الأولى ودعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب ساهم بشكل رئيس في نمو مشيخة الزبير وتشكل كيانها السياسي من خلال الهجرات التي توالت إليها من نجد.
شملت هذه الهجرات جميع شرائح المجتمع النجدي، فنجد العلماء والأمراء والصناع والحرفيين على سبيل المثال كانوا من ضمن المهاجرين. ويفحص هذا المقال ما كتب عن تاريخ الزبير ويحاول تبيان مواطن الخلل فيه.
وبأدق من ذلك، فإن هذا المقال يرتكز على نقد مراجع ومصادر التاريخ الزبيري الذي كتبه المهاجرون النجديون أنفسهم، ويبحث كيف همشت هذه المراجع والمصادر بعض الأحداث الرئيسية أو تناولتها دون تحليل عميق يوضح أهمية هذه المشيخة النجدية ودورها في الأحداث.
المصادر المحلية لتاريخ الكويت
المقالة الثالثة وهي “منهجية ومضمون المصادر المحلية لتاريخ الكويت: دراسة نقدية”، قريبة من المقالة السابقة إذ تقوم على نقد المصادر الأساسية لتاريخ الكويت. وتأتي هذه المقالة لتوثيق القصور في مصادر تاريخ الكويت، وللإشارة إلى الخلل في مضمون ومنهجية تلك المصادر، إذ تناقش هذه المقالة 3 جوانب، رئيسية أولها: التعريف بالمؤرخين الخمسة وذكر محتويات المصادر التي كتبوها.
أما الجانب الثاني: فيناقش منهجية هذه المصادر من 3 محاور وهي: أوجه الشبه والاختلاف فيما بينها، ثم النقل الشفوي كأداة لكتابة التاريخ، وأخيرا المصادر الكتابية وكيفية استفادة المؤرخين الخمسة منها.
أما الجانب الثالث فهو نقد مضمون هذه الكتب التاريخية من خلال مناقشة أسباب إغفالها أحداثا مهمة على الصعيد الداخلي، ومنها مجلس 1921 وعدم ذكرها، كما أغفلت أحداثا خارجية كان لها صدى في الكويت كالقضية الفلسطينية، ثم تختتم هذه المقالة بالتوصيات والنتائج.
القوى المرجحة في الكويت
أما المقالة الرابعة المعنونة بـ”أغفلتهم المصادر وأنصفتهم المحاضر: القوى المرجحة في الكويت خلال حراك مجلس 1938″، فتناقش أحداث المجلس التشريعي الكويتي الذي انتخب عام 1938، إذ إن أحداثه لا تزال حاضرة إلى اليوم في أحاديث المجتمع الكويتي، فلا تكاد تقوم أزمة سياسية بين نواب مجلس الأمة والتيارات السياسية من جهة، وبين الحكومة وأنصارها من جهة أخرى، إلا كان لأحداث المجلس التشريعي نصيب من الذكر في خطاباتها الحماسية.
وفي ظل الأحداث السياسية التي عصفت بالكويت عام 2011 والتي زامنت قيام ثورات الربيع العربي، كان في خطابات النواب في “ساحة الإرادة” نصيب كبير من الاستشهاد بأحداث المجلس التشريعي المنتخب في عامي 1938 و1939.
ويتساءل المؤلف، كيف لا تكون تلك الأحداث حاضرة، وذلك المجلس كان قد وضع دستورا مكتوبا صودرت من خلاله سلطات الحاكم في زمن المشيخة وأعطاها لنواب المجلس التشريعي 1938؟ ويتابع “خلال فترة بحثي عند كتابة هذه المقالة، وقعت على محاضر اجتماعات المجلس التشريعي الأصلية، فهذه المحاضر تعتبر إضافة قيمة في توثيق تاريخ الكويت وتحليله، وسوف تمكن الباحثين من إعادة قراءة أحداث المجلس التشريعي مرة أخرى وما تعلق بها في تاريخ الكويت الحديث”.
وكانت فكرة “القوى المرجحة” كإطار تحليلي جديد لتاريخ الكويت من ضمن الأفكار الجديدة التي تناقشها هذه المقالة التي تحاول إعادة قراءة التاريخ السياسي والاجتماعي للكويت.
فاطمة الفضيلية
أما المقالة الخامسة “طموح في زمن الإهمال: فاطمة الفضيلية علم راسخ وتاريخ مشرق”، فتناقش دور المرأة وإسهامها في العلوم الشرعية من خلال تناول سيرة الفقيهة العالمة فاطمة الفضيلية ومسيرة حياتها وطلبها للعلم في مشيخة الزبير ثم انتقالها لمكة المكرمة حتى وفاتها.
المقالة السادسة “الباشا قابع في الهامش: ناصر المبارك الصباح والثقافة في الكويت”، فمشاكلة للمقالة السابقة من حيث إن كلتا الشخصيتين تعرضتا للتهميش، ولم يفصل المؤرخون في سيرتيهما رغم أهمية وثراء حياتهما الشخصية والمعرفية.
يحاول هذا المقال إثبات أن أجزاء وجوانب عديدة من التاريخ الثقافي تدخل تحت المظلة الكبيرة للتاريخ الهامشي، خصوصا في التاريخ المهمل وبعض جوانب التاريخ المهمش للثقافة في الكويت، بحسب المؤلف.
الكتابات التاريخية في الخليج
المقالة السابعة “الكتابات التاريخية في الخليج: بين سردية الحدث ومنهجية العمل” تناقش طريقة تعاطي بعض الأكاديميين والمؤرخين مع الكتابة التاريخية في الخليج وكيف طغت السردية على التأصيل والمنهجية.
أما مقالة “دور علماء الدين في صناعة القرار السياسي في الكويت 1896-1939″، وهي المقالة الثامنة، فتناقش تاريخ صنع القرار السياسي في الكويت من خلال مناقشة دور علماء الشريعة -ويمكن اعتبارهم من القوى المرجحة في التاريخ السياسي والاجتماعي للكويت- في التأثير على صناعة القرار السياسي بين عامي 1896 و1939.
إن دور علماء الشريعة كجزء رئيسي من مكونات المجتمع الكويتي لم يكن محط اهتمام الباحثين في التاريخ السياسي والاجتماعي في الكويت خلال الفترة الزمنية التي يتناولها المؤلف، بحسب المقالة.
معظم المؤرخين العاملين في حقل تاريخ الكويت السياسي تحديدا يركزون على دور الحكام (شيوخ الصباح) والتجار الكويتيين، وهاتان الشريحتان -بلا شك- لهما أهمية كبيرة في تاريخ الكويت الحديث، لكن هذه المقالة تسعى لإثبات تأثير علماء الشريعة في صناعة القرار السياسي والنجاح في تغييره في أحيان كثيرة. تحاول هذه المقالة أيضا إعادة قراءة المصادر التاريخية من كتب ووثائق وغيرها بشكل مختلف عن الدراسات السابقة.
الجهراء
وإذ تعد معركة الجهراء من المعارك الفاصلة في التاريخ السياسي الكويتي الحديث، وقد نوقشت وأرخ لها في العديد من التآليف، ومنها كتاب “الشيعة في معركة الجهراء”، فقد قامت المقالة الثامنة أساسا على نقده، وقد عنونها المؤلف بـ “قراءة في كتاب الشيعة في معركة الجهراء”.
وسوف يتضح لقارئ الكتاب أن النقد الذي يقدمه يرتكز على 3 محاور: الأول: نقد منهجية المؤلف في التحليل للوصول لهدفه ومن ثم تفنيد أفكاره.
أما المحور الثاني فيطرح السؤال التالي: من شارك في معركة الجهراء؟ هل هم الشيعة أم العجم؟ أما المحور الأخير من نقد هذا الكتاب فمتعلق بكيفية تعاطي المؤلف مع الوثائق التي ضمنها كتابه.
وتبدو هذه المقالة مرتبطة بالمقالة التاسعة، وهي “نسبة الأعيان للبلدان في التاريخ الخليجي بين المناهج والأيديولوجيا: العلماء المهاجرون من نجد أنموذجا”، وسبب ذلك الترابط أن المقالتين تناقشان موضوع الهوية والنسبة للأوطان.
نسبة الأعيان للبلدان
تحاول هذه المقالة “نسبة الأعيان للبلدان…” تسليط الضوء على جزء بسيط من إشكالية/مشكلة التاريخ المهمش في الخليج بشكل عام، وتاريخ نجد والكويت والزبير بشكل خاص، وذلك من خلال مناقشة نسبة العلماء للبلدان التي ولدوا فيها أو هاجروا منها أو البلدان التي استقروا فيها، وكيف أن بعض الكتابات التاريخية في العقود الأخيرة صنفت هؤلاء العلماء تصنيفات متناقضة، حتى إن بعضها خالف ما دونه هؤلاء العلماء في مخطوطاتهم وكتبهم عن نسبتهم، دون أن يوضح هؤلاء الباحثون الأسباب التي دعت هؤلاء العلماء لمثل هذا التصنيف.
والمقال الأخير “هل يستطيع المؤرخ الخليجي التفكير؟” يناقش فكرة دارسات تاريخ الخليج والاحتكار الغربي، كما يطرح قضية قصور المؤرخ الخليجي، وأيضا يبحث في مكامن الخلل.