وكالات : كواليس
الحروب والعنف والاضطهاد والكوارث البيئية لا تؤدي إلى الدمار والموت فحسب، بل تقذف أيضا بموجات من العمال الفقراء واليائسين في زوايا سوق العمل العالمي التي تفرزهم وفق تسلسل هرمي.
لم يكن استقبال اللاجئين بالغرب خاليا من التناقضات، لكن الغزو الروسي لأوكرانيا وهروب حوالي 5 ملايين شخص جعلا هذه التناقضات صارخة، بحيث تظهر سياسات الحكومات الغربية في كل مكان أن نظام اختيار اللاجئين قائم على أساس العرق والدين.
هذا ما لخص به موقع أوريان 21 (Orient XXI) الفرنسي مقالا لعالمة اجتماع إيطالية أكدت فيه أن عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي والبيئي الشديد الذي اجتاح العالم، السنوات الأخيرة، أدى إلى زيادة غير مسبوقة في عدد الأشخاص الذين أجبروا على مغادرة منازلهم أو بلدانهم، وهو ما جعل الحكومات الغربية تستقبل اللاجئين على أساس عرقي وديني، فتستقبل اللاجئين “الجيدين” بسرعة وتضعهم تحت الحماية، في حين تستقبل الآخرين “السيئين” بالرفض والمعسكرات والأسلاك الشائكة، مما ينذر باختفاء هذا الحق.
اللجوء السياسي بالعاصفة العالمية
وأوضح الموقع -في مقال لعالمة الاجتماع إيزيد جيرجي (Iside Gjergji) المهتمة بموضوع الهجرة والعمل والتمييز العرقي- أن تقديرات مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين تظهر نزوح وتشريد 84 مليون شخص في يونيو/حزيران 2021، دون أن تأخذ في الاعتبار 5 ملايين أوكراني فروا بعد الغزو الروسي ولا الأفغان الذين غادروا بلادهم بعد الانسحاب المفاجئ للجيش الأميركي ولا الأكراد، ولا المنشقين الروس الذين يرفضون القتال في أوكرانيا.
ولأن البوصلة التي ينبغي أن توجه تصرفات الدول والمؤسسات، في حماية اللاجئين، هي اتفاقية عام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين، وتنص المادة رقم 1 منها على واجب الدول في توفير الحماية الكافية لأي شخص يفر من بلاده خوفا من الاضطهاد بسبب العرق أو الجنسية أو الدين أو الانتماء إلى فئة اجتماعية معينة أو بسبب آرائه السياسية، فإن مبدأ عدم التمييز هو الأساس الأخلاقي والقانوني للجوء والحماية الممنوحة للاجئين، وعليه فإن ناقوس إفلاس هذه الاتفاقية يتردد الآن من جميع الجهات، لا سيما في الغرب حيث ولدت، كما ترى الكاتبة.
سياسة انتقائية
وفي الولايات المتحدة -كما يوضح المقال الذي ترجمه كريستيان جوريه من الإيطالية- شجبت جماعات حقوق الإنسان مؤخرا عنف الشرطة الوحشي ضد اللاجئين من أميركا الوسطى والجنوبية، إضافة إلى التمييز الذي يمارس حسب أصل اللاجئ، حيث يتعرض القادمون من هاييتي والمكسيك وكوبا وفنزويلا والكاميرون لقيود هائلة، في حين يستفيد الأوكرانيون من معاملة أفضل بكثير من حيث سرعة الدخول وتوفير الحماية.
أما في بريطانيا، حيث قال رئيس الوزراء السابق بوريس جونسون “تعاطفنا قد يكون غير محدود، لكن قدرتنا على مساعدة الناس ليست كذلك” مبررا بذلك اتفاقية ترحيل اللاجئين إلى روندا مقابل حوالي 135 مليون يورو (نجحت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في إيقافها) في حين وعدت حكومة المحافظين بتقديم حوالي 400 يورو معفاة من الضرائب، لمدة عام واحد، لكل عائلة بريطانية مستعدة لاستقبال اللاجئين الأوكرانيين الذين يُنظر إليهم بوضوح على أنهم يستحقون الإيواء.
ومع أن إيطاليا أكدت أن قدرتها الاستيعابية للاجئين بلغت حدها الأقصى أثناء مفاوضاتها مع تركيا، فإنها استقبلت 145 ألف لاجئ من أوكرانيا منذ بداية الغزو الروسي، مما يعني أن الحد الأقصى لا يتعلق باستقبال اللاجئين الأوكرانيين، كما توضح عالمة الاجتماع.
ومن ناحيتها، لا تفعل الحكومة الإسبانية شيئا لإخفاء المعلومات حول الوفيات العنيفة للاجئين، بل تجعل منها تحذيرا لكل من يرغبون مستقبلا في المطالبة بحق طلب اللجوء لإسبانيا، وعندما حاول مئات اللاجئين اقتحام حدود مليلية، رد الحرس المدني الإسباني والدرك المغربي بقوة، مما أسفر عن مقتل 37 شخصا وإصابة المئات. وفي الوقت نفسه، كانت حكومة مدريد تضيف 134 ألف لاجئ أوكراني.
وحتى سياسة “انعدام اللجوء ووضع الأسلاك الشائكة” التي انتهجتها بولندا والمجر، السنوات الأخيرة، تلاشت وحل مكانها البكاء والدعوات للتضامن والترحيب باللاجئين من أوكرانيا، وقد طبقت الحكومة الألمانية سياسة لجوء شديدة التقييد، طردت بموجبها 6198 لاجئا الأشهر الأولى من 2022- ولكنها استقبلت بسخاء 900 ألف لاجئ أوكراني مع إجراءات إدارية مبسطة، تسمح لهم بالوصول إلى المزايا والعمل والسكن، وعاملت المنشقين الروس بنفس الطريقة.
أما فرنسا، التي تواصل مطاردة اللاجئين الأفارقة والآسيويين ومن الشرق الأدنى الذين يحاولون عبور الحدود، فقد استقبلت آلاف اللاجئين الأوكرانيين دون أي مشاكل، كما ورد بالمقال.
الطبيعة العنصرية لسياسات الهجرة
وعلقت الكاتبة بأن الفصام الواضح الآن في سياسات اللجوء بالدول الأوروبية ليس غريبا على مؤسسات الاتحاد الأوروبي، موضحة أن أكثر ما يلفت الانتباه، بهذا الاتجاه، ليس المعاملة الخيرية للاجئين الأوكرانيين، بل الفشل في فعل الشيء نفسه مع الآخرين، مما يعني أن حق اللجوء الانتقائي -على أساس العرق أو الجنسية أو الدين- يتأكد تدريجيا، مع ظهور سياسة “المعايير المزدوجة” بين اللاجئين، كالمخيمات والقمع والإعادة القسرية لغير البيض وغير المسيحيين، و”استقبال كامل” للاجئين البيض والمسيحيين بما يتوافق مع سيادة القانون واتفاقية جنيف.
وخلصت الكاتبة إلى أن ظهور الفصام الغربي مؤخرا بمسائل اللجوء يكشف عن الطبيعة العنصرية (القديمة) لسياسات الهجرة الهادفة إلى اختلاق تسلسل هرمي بين السكان والأفراد، وخلصت إلى أن الحروب والعنف والاضطهاد والكوارث البيئية لا تؤدي إلى الدمار والموت فحسب، بل تقذف أيضا بموجات من العمال الفقراء واليائسين بزوايا سوق العمل العالمي التي تفرزهم وفق تسلسل هرمي.