إن معرفة أقدار الرجال حق مكتوب على رقاب العباد ، فإذا ما تحدثوا به كان مثار الفخر والإعتزاز والسؤدد .
” نافع علي نافع ” أسم يتراءى للمرء كأنه كنية توائم حياة المسمى وطبعه وخصاله الجمة ..
حقا هو ذاك ، كما كتبنا عنه وسما في العنوان أعلاه ، وما أدري سر تذكري ، الآن بسيرة ” أبو الطيب المتنبي ” الشاعر العربي القديم الذي شغل النقاد مذ عهده ذاك ، وحتى عهد الناس هذا ، إذ عرف أنه ” كان شاعرا مفلقا شديد المعارضة ، راجح العقل عظيم الذكاء ” .. ذو أنفة وشموخ لا ينال منه خصم مهما بلغ من الحيل والدهاء .
وذاك ليس إلا ، لأنني رأيت في ما رأيت الدكتور نافع علي نافع ، السياسي الذي يجسد أنفة وشموخ وكبرياء السوداني أمام رغبة ثقافة الغرب الأروبي الجامحة في الهيمنة على شخصيتنا وطمسها ، وصلف الأمريكان ، ووضاعة حوارييهم وأنصارهم من أبناء بلدنا . ويمارس – نافع – ذاك الفعل الدفاعي في كل محفل ، بل وفي أعلى منصات الكلام وأكبرها في كل مكان . يتكلم عن السودان منافحا عنه ، وإمعانا في ” الرجالة ” لا يقول إلا الكلمة المستسخرة في وجه كل من أراد أن ينال من هوية السودان ، أو شخصيته الثقافية – سودانيا كان ، أو جاء من تلك البلاد التي تموت حيتانها من شدة البرد – معلنا بوضوح أن لا أحدا منهم يملأ عينه .
الدكتور نافع علي نافع ، الرجل القامة والقيمة ، يجري بالحق ولا أحد ، يستطيع أن يجري عليه الباطل ، يملك القدرة الخارقة على الرؤية والإستبصار والنفاذ إلى الأمور . مع الفهم الكامل للثقافة الغربية بحكم دراسته وتعليمه فوق الجامعي كله في الولايات المتحدة الأمريكية وإمساكه الماهر بأدوات المقارنة الذكية بينها وبين الثقافة الإسلامية العربية ..
وهو صاحب موهبة ضخمة في فن الحوار مع الآخر ، ولا نبالغ إذا وصفناها بالعبقرية ، والموهبة عندما تكون في أي إنسان هي عبء ثقيل ، فيه كثير من العنت والشقة إذ هو مجلبة لحسد الحاسدين وحقد الحاقدين ، وغيرة الأقران والصحاب من أبناء الجيل خاصة .
وإذ حمل الدكتور نافع علي نافع هذا العب بجلد ومصابرة في مواقع المسؤولية التي تولها في سنوات حكومة الإنقاذ . وفي أكثر الأحايين كان نافع علي نافع يبدو ، وكأنه ينوء بهذا العبء ، وكأنه لو إستطاع أن يلقيه عن كاهله ، نجح كثيرا في مهامه التنظيمية في إدارة حزب المؤتمر الوطني وكذلك مثله في إدارة الدولة نجاحا باذخ النفع ، فكان له من أسمه نصيب . ولكن دفع ثمن ذلك لا مناص منه آخر الأمر .
يجمع الدكتور نافع علي نافع بين علو النفس وبساطتها . وأضف إلى ذينيك ، سماحته وصراحته ، يقول لك كلمته المغايرة مهما قسى في ذلك ، لكنه لن يضمر لك سوءا في دخيلة نفسه مطلقا ، فهو يقول كلمته ويذهب ، ويتمتع بخلق نير ووجه طلق ، مجسدا قول الرسول صل الله عليه وسلم تسليما كثيرا ” أقربكم مني مجالس يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا ، الموطؤن أكنافا الذين يألفون ويؤلفون ” ..
وهو في ذلك مثله مثل أغلب أبناء نهر النيل – الأرض – الذي يبدأ من ” قري ” شمال الخرطوم إلى شندي ودامر المجذوب متجاوزا منحناه الجميل إلى خط حدود بلادنا مع بلاد المصب .
تلك الأرض أو الديار التي قال عنها الطيب صالح ، حيث يقف المرء في خط التماس بين الحياة والموت . ينظر وراءه فيرى الموت والفناء ، فينظر أمامه فيرى الحياة والبقاء في نيل كوثر . ربما أودع هذا التباين الحاد سرا في النفوس وأشعل فتيلا من الإبداع ، وربما إنعكس على العواطف والأمزجة فأصبحت تتأرجح بين قمة حادة وسهل منبسط .
ودكتور نافع علي نافع نافع هو نبت هؤلاء الناس – رعاة وترابلة – تشم من عراريقهم المتشربة بإحمرار الأرض مزيحا من رائحة العرق والطين واللوبيا .
في قرية ” النافعاب ” حذا النهر ناحية شندي ، درة دار جعل ، ولد نافع علي نافع ، وعاش أخذ جمال أشياء النيل ، دفقه بالنفع ، صخبه هدوءه حلمه ، طفقه الهدار العارم ورائقا مثله .
أنصهرت أنفاسه ، وأنفاس أهله الذين جاؤا إلى الدنيا معطونين بماء النيل ومزاج النيل وطمي النيل ، أولئك الفارهين بسماحة ، سجاياهم ، وأفعالهم الساحرة بذلا وكرما وعطاءا .
ذلك قوام بناء شخصية الدكتور نافع علي نافع ، أخذ من حكايات أهل نهر النيل التي تأخذ الناس إلى معارج عجيبة ، ونهل من منابع المتصوفة وأصغى صبيا إلى همهمات أصواتهم وهم ينشدون : ” طلبات المدينة مناي
قوافل درجن بي جاي “
وبهذا دخل حياة أهل السودان قائدا إسلاميا عميق النظر لا يفوته شيء من أحدوثات وأحاديث وحواديث السياسية والساسة في السودان وما يدور حوله من مكائد العدا ومؤامراتهم . وهو بينهم لا يعرف الحالة الوسط ولا لون الرماد .
ظل في سنوات الإنقاذ هو الآسر داخل أروقة الحزب وفي مجرى شرايين دماء إدارة الدولة ، وهو الأكثر ودا لحضر السودان وقراه وبواديه ، وهو الأنقى حضورا في الفيافي البعيدة ، يحدث الناس عازفا أوتار وجدانهم الجماعي ، بمودة مهيبة وتواضع وذاكرة وملاحة وعزة وكرامة ….
وكم تختلج وراء هذا السمت الهادئ ثورة البراكين إنتصارا للإسلام والمسلمين .
كما تنطوي وراء هذه البساطة عوالم وحيوات محتدمة بأنبل العواطف والمودة والسماحة ، والتواضع ، فهو نهر النيل كرما وبذلا إن أردت الرواء ، كما هو الصخر الذي يتأبى عن النحت إن أردت الإستهانة بما يؤمن به من مبادئ وقيم وأخلاق .
نعم إن أشقى الناس في الحياة ، هو من ليس له أصل يعتز به ، ولا جذور تشده إلى الأرض والناس .
وما أنبل أصل دكتور نافع علي نافع وما أقوى جذوره المشدودة في تراب السودان كله ، السودان الذي له ألف لون وألف عبق …
ولكم السلام
الدكتور فضل الله أحمد عبدالله
أم درمان يوم الأثنين 31 أكتوبر 2022م