تقرير: المحرر
مع تسريبات حدوث اجتماع بين عبدالرحيم دقلو وعبدالله حمدوك وبعض قيادات (تقدم) في نيروبي، ينطوي المجتمع الدولي على عدة خلافات رغم اتفاقه على هدف وقف الحرب، و أصبحت بعض أطرافه أكثر قناعة مما مضى بفشل القيادات السياسية للحرية والتغيير في تحقيق أهداف الثورة والتحول المدني الديمقراطي، ولم يعد سرا أنه صار يحملها في اجتماعات الغرف المغلقة مسؤولية انحراف الفترة الانتقالية عن غاياتها بسبب الخلافات وضعف القيادات والانقسامات، وأصبحت أجهزة الاختصاص في الدول الغربية تبحث عن كتل بديلة لتجديد دماء الثورة السودانية والبحث عن وجوه وقيادات جديدة بالتركيز على تشبيك منظمات المجتمع المدني وأنشاء منظومات شبابية جديدة بما في ذلك تغيير اسم ومهام لجان المقاومة الى غرف الطوارئ وتخصيص موارد مادية هائلة للتمويل والتدريب والتشبيك داخل وخارج السودان.
وكشف التقرير الذي أعدته منصة (المحرر) بالتحقق من عدة مصادر أن تحالف تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية “تقدم” أصبحت البديل المصنوع لتجاوز فشل الحرية والتغيير التي انحرفت عن شعاراتها في أول اختبار جدي وانتحرت سياسيا بتوقيع اتفاق مع حميدتي مما عزز من الاتهامات السائدة بانها مجرد جناح سياسي لمليشيا الدعم السريع.
المجتمع الدولي مهندس العملية السياسية في السودان :
وحسب متابعات (المحرر) لم يعد خافيا ان أدوات المجتمع الدولي ما تزال ناشطة في هندسة المشهد السوداني تحت شعار عودة المسار المدني الديمقراطي وتمكين المدنيين من السلطة وعودة العسكر للثكنات.
ورغم حدة الاستقطابات الداخلية في تنسيقية ( تقدم) والحركات المساندة لها مثل عبدالعزيز الحلو وعبدالواحد محمد نور الا انها تعمل داخل سياق منظومة اهداف التغيير التي يقودها المجتمع الدولي، في هذا السياق فقد اجتمع في نيروبي الشهر الماضي ممثلون لتنسيقية “تقدم” بقيادة عمر الدقير ومريم الصادق بعبد العزيز الحلو وعبدالواحد محمد نور تحت رعاية المبعوثين الأوربيين وحضور كل من المبعوث الخاص السويسري للقرن الافريقي ومدير برنامج الغذاء العالمي الأمريكي السابق الأمريكي ديفيد بيزلي ومدير عام افريقيا في وزارة الخارجية النمساوية من اجل تنسيق جهود الكتلة المعارضة للوضع الراهن وترتيب أوضاع ما بعد الحرب.
ورغم ما بذل في هذا الاجتماع من جهود الا ان ما انتهى اليه اقل من توقعات رعاته حيث ساد الخلاف مرة أخرى حول علمانية الدولة حسب مطالب الحلو والتعويضات المجتمعية حسب مطالب عبد الواحد نور دون التوافق على برنامج سياسي لإنهاء الحرب.
وفي ذات السياق تكشف مخرجات اجتماعات جيبوتي التي جمعت بين كل المبعوثين الخاصين اضافة الى المنظمات الإقليمية والدولية في شهر يوليو الماضي عن جملة اطروحات الحل السياسي التي يتبناها المجتمع الدولي والقائمة علي تجاوز منبر جدة وإدخال تعديلات على اتفاق المنامة الذي يعيد انتاج الدعم السريع في الحياة السياسية والعسكرية والاقتصادية وهذا ما دفع مساعد القائد العام للقوات المسلحة الفريق اول ركن ياسر العطا اصدار تصريحات متوالية ينتقد فيها الغرب ورعاة الحرب الاقليمين مثل الامارات وغيرها والأحزاب السياسية السودانية المساندة للتمرد .
وطور المجتمع الدولي من آلياته الدبلوماسية لمزيد من الضغوط كما وضح جليا في لجنة تقصي الحقائق في مجلس حقوق الانسان وقرار مجلس الامن لتجديد حظر السلاح في دارفور لمدة عام إضافي.
لجان مقاومة ام غرف طوارئ :
بعد ان أدت لجان المقاومة دورها في التغيير السياسي وفشل مشروع التغيير الثوري نسبة لخلافات الجهات الفاعلة في الثورة السودانية تم تغيير اسم لجان المقاومة الى غرف الطوارئ بعد اندلاع الحرب تحت مسميات الدعم الإنساني وتخفيف آثار الحرب وتشكيل كتلة شعبية شبابية وسياسية ضاغطة لإنهاء الحرب ولكن ظل السؤال الذي يورق المحللين هو مصادر تمويل شبكة غرف الطوارئ.
حيث كشفت تحقيقات (المحرر) ان مصدر التمويل الأساسي من أجل تكوين شبكة منظمات قاعدية تحتفظ بروح الثورة وأهداف التغيير وحتى تكون البديل للأحزاب السياسية التي فشلت في قيادة التحول الديمقراطي وتحشيد حركة جماهيرية مستمرة ومنظمات دولية على راسها الأمم المتحدة ومعهد الوقف الديمقراطي الأمريكي ومنظمة المجتمع المفتوح الأمريكية وعدد من المنظمات النرويجية والبريطانية والفرنسية.
ويصل هذا التمويل لشبكات غرف الطوارئ عن طريق غطاء المنظمات الوطنية التي تم توجيهها بتخصيص 40% من العون الخارجي لعمل غرف الطوارئ دون مرجعيات محاسبية او مستندات تثبت أوجه الصرف.
وعليه ان الهدف الأساسي لإحياء عمل غرف الطوارئ ومنظمات المجتمع المدني هي توفير القاعدة السياسية والجماهيرية بقيادة مشروع الانتقال المدني وتجاوز الأحزاب السياسية التي تتحمل عبء فشل الفترة الانتقالية ولتعمل كوسيلة ضغط لتحقيق ما يسمى بأهداف الثورة.
ولكن كما تكشف المعلومات فانه رغم تجذر هذه الشبكة في الحركة الجماهيرية السودانية الا ان مسار تمويلها الدولي وتوجيهها لخدمة الأجندة السياسية للممولين خاصة شعار (لا للحرب) يؤكد ان الأزمة السودانية لاتزال تراوح مكانها رغم تجدد الوجوه والأدوات والوسائل.
مراكز خارجية للتدريب والتمويل :
كشفت متابعات (المحرر) ان العاصمة اليوغندية كمبالا تعد مركز الإقامة الأساسي لكوادر الحراك السياسي ومقر لعدد من قيادات الأحزاب السياسية هذا بالإضافة الى اديس ابابا ونيروبي ويوفر برنامج دعم التغيير في السودان الذي خصصت له وزارة الخارجية البريطانية ميزانية ضخمة عبر وكالات العون التنموي البريطاني لتمويل أنشطة الإقامة والسفر والمؤتمرات وورش العمل لقيادات تقدم والمنظمات التابعة لها.
وشهدت كمبالا ونيروبي واديس ابابا مئات الأنشطة التدريبية وورش العمل وتشبيك المنظمات.
وكشف مصدر عليم بهذه الأنشطة ان مركز الوقف الأمريكي NDI ركز نشاطاته على فئة الشباب لخلق قيادات بديلة للأحزاب وتم تدريبهم على قضايا الاعلام الرقمي والتشبيك المجتمعي وبناء منظمات قاعدية وجماهيرية وبرامج شبابية وقواعد تأسيس الأحزاب وتحديات الانتقال الديمقراطي.
وفي المقابل ركزت أنشطة وبرامج الحكومة البريطانية عبر منظماتها ووكالاتها المختلفة على دعم تنسيقية القوى المدنية “تقدم” وتمويل أنشطتها ومؤتمراتها وسفر وفودها ، هذا إضافة لمصادر تمويل أخرى ابرزها من الامارات عبر واجهة مركز الدراسات الافريقية وغيرها.
وحسب متابعات (المحرر) فإن عبدالله حمدوك مازال يحظى بدعم الجانب البريطاني لقيادة وتنسيق وتوحيد القوى التي كانت تشاركه الحكومة الانتقالية بينما اتجه الجانب الأمريكي الى إعادة بناء منظمات شبابية قاعدية تمثل البديل السياسي لقوى الحرية والتغيير في اطار بناء حركة جماهيرية واسعة لتحقيق اهداف الثورة.
معركة المستنفرين بالداخل :
إزاء هذا المشهد الذي تدور انشطته في مراكز خارجية في ظل توفر تمويل دولي لتأسيس منظومات سياسية وشبابية جديدة على النحو الذي استعرضه التقرير في العواصم الإقليمية المختلفة فان هناك مشهدا اخرا يدور داخل السودان وهو توسع قواعد الاستنفار الشعبي الداعم للجيش والمعادي للتحركات الخارجية والتي تنادي باستمرار معركة الكرامة للقضاء التام والمبرم على الدعم السريع والكتل السياسية الداعمة له .
وفي ظل تعدد الاتهامات ضد الإسلاميين بقيادة حركة المقاومة والاستنفار الشعبي فان قيادة الجيش تعتبره مجرد فصيل في تيار الاستنفار والمقاومة الشعبية وليس لديهم أي تأثير سياسي على مجريات الأمور.
في ظل هذه الاتهامات تتجنب قيادة الجيش تنظيم أي حاضنة سياسية ذات طبيعة ايدلوجية او طائفية او سياسية او قبلية وتنفتح على الدعم العام للشعب السوداني بمختلف قبائله وفصائله المختلفة.
وبرز تحول جديد في المشهد السياسي بوصول قيادات من الإدارات الاهلية الى بورتسودان يؤيدون الجيش ويتعاهدون بالتواصل مع أبنائهم في الدعم السريع بالانسلاخ من مشروع المليشيا المتمردة.
فاعلون في معركة الكرامة:
مع اشتداد معركة الفاشر برزت القوات المشتركة كتحالف عسكري لحركات الكفاح المسلح الداعة للجيش كفاعل جديد في المعركة ضد مليشيا الدعم السريع، كما نشطت أيضا الكتل السياسية الجغرافية التي تطالب بتمثيلها سياسيا خاصة شرق السودان ودارفور وتري هذه الكتل أن أي مستقبل سياسي يجب أن يرتبط بمشاركة وموقف هذه المجاميع السياسية والجغرافية.
أي مستقبل سياسي للسودان؟:
تؤكد المؤشرات ان العامل الخارجي هو الأكثر تأثيرا على المشهد السوداني وانه في الوقت الذي تتعدد فيه محاولات لتأسيس منبر تفاوضي بين الجيش والدعم السريع لوقف إطلاق النار على المسار العسكري فان هناك بالتوازي مسارا سياسيا يتخلق تحت دخان الحرب ونيران المعارك تدور انشطته بتمويل خارجي وخبرات دولية لتشكيل مستقبل السودان السياسي هدفه الأساس هو تأسيس قيادة مدنية تتجاوز الأحزاب التي افشلت الفترة الانتقالية وينشط في قيادة هذا التيار بريطانيا وامريكا والنرويج وفرنسا عبر منظماتهم المختلفة.
وينقسم العمل في هذا المحور على بعد محلي داخل السودان بإعادة شبكة وتنظيم غرف الطوارئ وتوفير الدعم اللازم لها وكذلك تقوية وتأسيس الأحزاب والقوى والمنظمات المدنية ذات الارتباط بالدول الغربية في السودان وتتخذ من اديس ابابا ونيروبي وكمبالا مراكز لهذا النشاط إضافة لبعض العواصم الغربية.
في المقابل تزداد حركة الاستنفار والحركة الشعبية توسعا مما يعني ان حركة الاستقطاب السياسي بين الكتلتين سيظل هو عنوان المرحلة السياسية القادمة