ظل المثقف السوداني على مرّ العصور يمثل ضمير الأمة، وصوتها المدافع عن القيم الوطنية والكرامة الإنسانية. من هنا، تأتي حساسية الدور الذي يلعبه المثقف في مجتمع يعاني من التقلبات السياسية والاجتماعية، حيث يصبح دوره مركزيًا في تشكيل الوعي الجمعي والدفاع عن المبادئ التي تمثل روح الأمة. غير أن هذه الصورة بدأت تتشوه عندما قرر بعض المثقفين الانحياز إلى قوى المال والسلاح، تاركين خلفهم مبادئهم الوطنية ومواقفهم الأخلاقية.
المواقف الوطنية ليست مجرد شعارات يرددها المثقف في المناسبات الوطنية أو منابر الإعلام، بل هي مواقف حقيقية تُختبر في أوقات الأزمات. وفي الحالة السودانية، برزت مليشيا آل دقلو، المعروفة بقوات الدعم السريع، كأحد أبرز التحديات أمام المثقف السوداني. هذه المليشيا المتورطة في انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب باتت تمثل تجسيدًا لأزمة أخلاقية حقيقية عندما يجد المثقف نفسه أمام خيار الانحياز لها مقابل مكاسب مادية أو البقاء وفيًا لقيمه الوطنية.
الشاعر أزهري محمد علي، الذي لطالما اعتبره البعض رمزًا للشعر الوطني السوداني، قدّم نموذجًا صارخًا لهذه الأزمة الأخلاقية. لقد اختار أن يترك خلفه ميراثه الشعري والوطني، منخرطًا في ترويج خطاب مليشيا آل دقلو الإرهابية، مقابل مكاسب مادية. هذا الانحراف عن المسار الوطني لا يمكن تفسيره فقط بمبررات اقتصادية أو شخصية، بل يعكس خللاً عميقًا في الضمير الثقافي للمثقف السوداني.
أزهري محمد علي، الذي كان يُحتفى به كممثل للوجدان الشعبي والشعري السوداني، أصبح اليوم نموذجًا للمثقف الذي باع قيمه بأبخس الأثمان. إن توجيهه للشعر لخدمة مليشيا ارتكبت جرائم بحق الشعب السوداني هو خيانة للأمانة الشعرية والوطنية، وتجسيد لمأساة المثقف الذي فقد بوصلته الأخلاقية.
هذا الانحراف ليس مجرد حالة فردية، بل يعكس أزمة أوسع في الوسط الثقافي السوداني. عندما يختار المثقف الانخراط في خدمة أجندات تتعارض مع مصلحة الشعب وتطلعاته، فإنه يفقد دوره كضمير حي للأمة. هذه الأزمة لا تقتصر على الشعر أو الأدب فقط، بل تشمل كل مجالات الثقافة السودانية، وتطرح تساؤلات حول مستقبل المثقف في مجتمع يعاني من التحديات السياسية والاقتصادية الكبيرة.
إن أزمة المثقف السوداني بين المواقف الوطنية الحقة والانزلاق في بحر مليشيا آل دقلو تعكس مأساة كبيرة، لا تمس فقط هذا المثقف أو ذاك، بل تطرح أسئلة جوهرية حول دور الثقافة والمثقف في زمن الأزمات. على المثقف السوداني أن يختار بين أن يكون صوتًا للشعب وقيمه، أو أن يصبح مجرد أداة في يد قوى المال والسلاح، وعليه أن يدرك أن التاريخ لن يرحم من خانوا ضمائرهم وباعوا قيمهم بثمن بخس.