وكالات : كواليس
على مدار الأسابيع الماضية تصدر اسم جماعة “عرين الأسود” المقاومة في مدينة نابلس بالضفة الغربية عناوين الأخبار في وسائل الإعلام العربية والعالمية بعد أن أقضت بهجماتها مضاجع دوائر صنع القرار الإسرائيلي أمنيا وسياسيا.
وذهبت صحيفة إسرائيل اليوم إلى تأكيد حقيقة لا يمكن تجاهلها هي أن إسرائيل تواجه موجة من الهجمات، ولا يبدو أن نهايتها تلوح في الأفق.
ظهرت مجموعة عرين الأسود عام 2022 في البلدة القديمة بمدينة نابلس، وتكوّنت من مسلحين يتبعون عدة فصائل فلسطينية، وجمعت بين كتائب شهداء الأقصى التابعة لحركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح)، وسرايا القدس الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي، وكتائب القسام الذراع العسكرية لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، كما أنها تضم أعضاء سابقين في الأجهزة الأمنية الفلسطينية، لكنهم يرفضون نسبة أنفسهم إلى فصيل بعينه.
بدأت بوادر عمليات هذه المجموعة منذ فبراير/شباط عام 2022، عندما لاحظ جهاز أمن الاحتلال ارتفاعا ملحوظا في عمليات إطلاق النار على أهداف عسكرية إسرائيلية في محيط نابلس. وعزت إسرائيل هذا الارتفاع إلى مجموعة مسلحة صغيرة تشكلت في المدينة على غرار “كتيبة جنين” وتطلق على نفسها “كتيبة نابلس”.
وأفادت صحيفة هآرتس الإسرائيلية بأنه استنادا إلى معلومات استخبارية، قرر جهاز الأمن الداخلي الإٍسرائيلي (الشاباك) العمل ضدهم في ذلك الوقت. وأضافت أنه في فبراير/شباط 2022، أشار “الشاباك” إلى نية 4 من أفراد الكتيبة المسلحة استهداف جنود إسرائيليين، وتقرر استهدافهم.
ودخلت فرقة اليمام الإسرائيلية ظهر الثلاثاء 8 فبراير/شباط الماضي مدينة نابلس، وكانت تستقل مركبة عمومية ومركبة أخرى خاصة -وكلتا المركبتين تحمل لوحات تسجيل فلسطينية- اعترضت مركبة في حي المخفية كان بداخلها 3 شبان فلسطينيين وأطلقت النار عليهم بشكل مباشر، ما أدى إلى استشهادهم على الفور.
وآنذاك، نعت كتائب شهداء الأقصى (الجناح العسكري لحركة فتح) من قالت إنهم 3 من شهدائها، وهم: أدهم مبروكة، ومحمد الدخيل، وأشرف مبسلط. بعد عملية الاغتيال التي نفذتها القوة الإسرائيلية الخاصة في نابلس.
وأوردت هآرتس أن الشهداء الثلاثة كانوا معروفين لدى أجهزة الأمن الإسرائيلية كأعضاء في “كتيبة نابلس”، لكن الرابع لم يكن بينهم، إنه إبراهيم النابلسي، الذي يترأسها.
“لا تتركوا البارودة”
وصباح الأحد 24 يوليو/تموز أعلن الجيش الإسرائيلي عن اغتيال المقاومين عبود صبح (29 عاما) ومحمد العزيزي (22 عاما) خلال اشتباك مسلح وقع في البلدة القديمة بنابلس.
وظهر النابلسي في جنازة الشهيدين باكيا وحاملا البندقية وقال إنه على درب من سبقوه “ولن يسقط البندقية استسلاما للاحتلال”.
وصباح الثلاثاء 9 أغسطس/آب الماضي، اغتيل النابلسي المكنى بـ”أبو فتحي”، إلى جانب اثنين من رفاقه وهما إسلام صبوح، والفتى حسين جمال طه، وذلك بعد ساعات من الاشتباك المسلح مع القوة الإسرائيلية الخاصة من وحدة اليمام في البلدة القديمة بمدينة نابلس.
وقبيل استشهاد النابلسي بدقائق، سجل وصية سريعة بأنفاس لاهثة وسط اشتباكه مع جنود الاحتلال قائلا “بحياة عرضكم ما حدا يترك البارودة (البندقية)، بشرف عرضكم لا تتركوا البارودة”.
وبعد شهر من استشهاد النابلسي، تم إطلاق النار على إسرائيلي قرب قرية حوارة جنوب نابلس، وأعلنت مجموعة “عرين الأسود” غير المعروفة قبل ذلك الوقت مسؤوليتها عن الحادثة. ومنذ ذلك الوقت بدأت هذه المجموعة تتبنى المسؤولية عن عدد كبير من عمليات إطلاق النار ضد إسرائيل ردا على تصعيدها في الضفة والقدس.
عرين الأسود
وفي 3 سبتمبر/أيلول الماضي، ظهرت “عرين الأسود” على شكل مجموعة منظمة من عشرات المسلحين، وذلك في تأبين من قالت إنه مؤسسها، الشهيد محمد العزيزي، ومن وصفته بـ”أسد الاشتباكات المسلحة عبد الرحمن صبح”، بعد 40 يوما على استهدافهما، وفق بيان للمجموعة في حينه.
وقرأ ملثم يتقدم عشرات المسلحين بيانا للمجموعة، وقال “بنادقنا لن تُصدِر رصاصة في الهواء عبثا، وجهتها الوحيدة هي الاحتلال”. وأضاف أن “إطلاق النار في الهواء خروج واضح عن الصف الوطني”.
أما عن العلاقة مع السلطة الفلسطينية فجاء في البيان: “نتوجه إلى إخوتنا في الأجهزة الأمنية، نؤكد لهم أن هذا السلاح وجهته الوحيدة هي الاحتلال فقط”.
وختم الملثم بيانه: “نسأل الله أن يحقق غايتنا في تحرير أراضينا المحتلة”.
ما الذي يميّز عرين الأسود؟
ومنذ هروب 6 أسرى فلسطينيين من سجن جلبوع الإسرائيلي عبر نفق في 6 سبتمبر/أيلول 2021، كان أحدهم ينتمي لحركة “فتح” والبقية لـ”الجهاد الإسلامي”. ظهرت مجموعة مسلحة تطلق على نفسها “كتيبة جنين” وينتمي أعضاؤها إلى مختلف الفصائل الفلسطينية.
وأكدت “كتيبة جنين” في عدة مناسبات -خاصة بعد تبنيها عمليات إطلاق نار على الحواجز الإسرائيلية المحيطة بمدينة جنين واستشهاد أحد عناصرها- على “عدم ترك البندقية تحت أي ظرف” وتوجيهها نحو الاحتلال ومستوطنيه ومن يساندهم من العملاء فقط، وأن بنادقهم لن تطلق رصاصة بالهواء.
وكان الشهيد جميل العموري الذي ينتمي لسرايا القدس (الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي) والذي اغتاله جيش الاحتلال في 10 يونيو/حزيران 2021 أبرز قادتها. وهو صاحب لقب “مجدد الاشتباك” وقد أعلن فيما بعد أنه المؤسس لهذه الكتيبة.
وخلال معركة “سيف القدس” عام 2021، ألقى العموري كلمة مصورة وقال “شبابنا الذين تحملون السلاح في الضفة، لا تطلقوا رصاصكم في الهواء، إن هذا السلاح أمانة في أعناقكم، وواجب ديني وشرعي أن يتوجه إلى الاحتلال”.
واستشهد العموري إلى جانب اثنين من عناصر السلطة الفلسطينية وهما أدهم ياسر عليوي من نابلس، وتيسير محمود عيسة من جنين، خلال اشتباك مع قوة إسرائيلية خاصة.
وتوحيد البنادق في الاشتباك مع الاحتلال، حفز الشارع الفلسطيني على التفاعل مع الشهداء ومشاركة صورهم وإنتاج أغنيات تحمل أسماءهم.
وفي صفحات التواصل الاجتماعي الفلسطينية يحظى فتحي خازم (أبو الرعد) العقيد الخمسيني المتقاعد من السلطة الفلسطينية ووالد الشهيدين رعد وعبد الرحمن بألقاب مثل “الأب” و”نبع البطولة” و”رئيس أركان جنين”.
ويظهر الفلسطيني فتحي خازم في جنازات الشهداء محاطا بعشرات المسلحين ويخاطب الجموع بكلمات مليئة بالآيات الدينية والمفاهيم المرتبطة بالشهادة والموت والصراع مع الاحتلال.
وكانت إسرائيل تخشى من استنساخ تجربة جنين في المدن الفلسطينية، إلى أن ظهرت “عرين الأسود” التي كانت لها جذور بمسميات أخرى مثل “كتيبة نابلس”.
والأعضاء في المجموعة هم في معظمهم شباب فلسطينيون، بعضهم كانوا في السابق منتمين لـ”فتح” أو “حماس” أو “الجهاد الإسلامي”. ومن بينهم أيضًا أبناء لآباء يخدمون في الأجهزة الأمنية الفلسطينية لكنهم يرفضون نسبة أنفسهم إلى فصيل بعينه.
وتزامنا مع هجمات المستوطنين في الضفة الغربية والاعتداءات في القدس، ارتفعت حصيلة عمليات إطلاق النار على الإسرائيليين، ففي سبتمبر/أيلول الماضي سجل 34 عملية إطلاق نار في نابلس وحدها بحسب إعلام إسرائيلي.
“بيانٌ مقتضب”
وتعد قناة المجموعة على تطبيق تليغرام، والتي يتابعها أكثر من 200 ألف مشترك، المصدر الأول لأخبار عملياتها منذ أغسطس/آب الماضي.
وقبل الإعلان عن بياناتها الرسمية بنحو ساعة، عودت “عرين الأسود” متابعيها على جملة “بعد قليل بيانٌ مقتضب”.
وتشارك صفحات الفصائل الفلسطينية الأخرى بيانات المجموعة المسلحة التي تشكلت في مدينة نابلس عدا عن تفاعل آلاف المتابعين مع مضمون البيان.
واستجاب الفلسطينيون بمختلف مدن الضفة لنداء مجموعة “عرين الأسود”، التي دعت للنفير والخروج الساعة 12:30 قبل أسابيع، والتكبير من فوق أسطح المنازل.
وكان أشهر بيانات “الأسود” العسكرية، بيان ليلة اقتحام الاحتلال لمدينة نابلس، قبل يومين، فقالت العرين وسط الاشتباكات التي تدور في المدينة والأنباء التي تتوارد عن حصار وحدة إسرائيلية خاصة داخل البلدة القديمة “من أراد العز، فالعز هنا شامخ، ما بين حدّ وزناد.. حان وقت خروج الأسود من عرينها.. حي على الجهاد”.
وتذكر “الأسود” في بياناتها أيضا جملة “من سيحاصر من؟” في إشارة إلى الحصار الذي فرضه الاحتلال على مدينة نابلس منذ 17 يوما على التوالي.
في نظر إسرائيل
وفي 13 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، قال وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس، إن نابلس وجنين تشكلان “تحديا كبيرا” لجيشه. وتوعد بالقضاء على “عرين الأسود”، واعتبر أن “نابلس وجنين هما السبب في تعزيز القوات الإسرائيلية والجهود الاستخبارية في الضفة”.
والثلاثاء، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لبيد، إن هدفهم كان “وما زال ضرب الإرهاب ومُرسِليه ضربة قاسية ومتواصلة في جنين ونابلس وفي كل مكان آخر تنشأ فيه أوكار الإرهاب”.
وأضاف عن عملية الجيش الإسرائيلي الأخيرة في نابلس “في إطار هذا النشاط تم إلحاق ضرر كبير بمختبر الإرهاب التابع لعرين الأسود”.
وفي السياق، قال رئيس هيئة الأركان الإسرائيلي أفيف كوخافي إن الجيش الإسرائيلي اعتقل في الضفة الغربية خلال الأشهر السبعة الأخيرة 1500 فلسطيني.
وتطرق في تصريحاته إلى مجموعة عرين الأسود مؤكدا أنه “لا مخبأ لهم”.
حصارٌ بعد الحصار
أصدرت مجموعة “عرين الأسود”، مساء الأربعاء 26 أكتوبر/تشرين الأول، بيانا صحفيا، سردت فيه تفاصيل ليلة اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي لمدينة نابلس، ما أدى لاستشهاد قائدها وديع الحوح.
وأوضحت المجموعة في بيانها: “أنه وفي ليلة الاقتحام اجتمعت قيادة مجموعة عرين الأسود ووفقا لمعلومات أمنية وتقديرات وصلتها بقرب عملية للاحتلال تستهدف العرين ليحقق فيها رئيس الوزراء يائير لبيد ووزير جيشه بيني غانتس إنجازات انتخابية”. وأشارت إلى أن قيادة العرين قررت “المُناورة” بالمُقاتلين واستدراج العدو للداخل وتفريق المُقاتلين بأحياء البلدة القديمة وضرب الاحتلال من كل مكان.
وبينت أن الفاصل الزمني بينها وبين قوات الاحتلال كان 10 دقائق لانسحاب القائد وديع الحوح ومن معه، ولكن بعض التجهيزات النهائية لتفخيخ المكان هي من حالت دون انسحابه.
وأكدت العرين أن القوة الإسرائيلية الخاصة “قضي عليها بمعنى الكلمة”، وأضافت “أطلقنا دفعات نارية كثيفة ومتتالية وتفجير عبوات كانت مزروعة سابقًا”.
ولفتت المجموعة المسلحة إلى أن عملية قوات الاحتلال تركزت فقط على “إنقاذ القوة الخاصة” دون الوصول إلى المقاتلين بالداخل فقاموا بقصف المنزل.
وتحدت العرين إسرائيل “ببث الفيديو التوثيقي للعملية كاملة”، متهمة الاحتلال “بالكذب على شعبه”.
تأهب أمني إسرائيلي
ونقلت صحف إسرائيلية عن “القناة 13” أن الجيش الإسرائيلي رفع من حالة “التأهب الأمني” بعد عشرات التحذيرات من إمكانية تنفيذ مجموعة “عرين الأسود” لعملية انتقامية عقب اغتيال أحد قادة المجموعة في نابلس. وأضافت الصحف أن “الجهاز الأمني الإسرائيلي يستعد لمزيد من العمليات المشابهة”.
من جهة أخرى، أشار خبراء أمنيون إسرائيليون إلى أن ما يسمى عملية “حارس الأسوار الثانية” باتت قريبة على ضوء التطورات الأمنية في الضفة الغربية، بحسب ما نقله موقع “آي 24” (i24 news) الإسرائيلي.
مجموعات مسلحة
ومنذ مطلع العام الجاري أخذت ظاهرة المسلحين الرافضين للاحتلال الإسرائيلي تتسع في البلدة القديمة من مدينة نابلس، أسوة بمخيم جنين، وكلاهما شمالي الضفة الغربية.
ولم تكن “عرين الأسود” أول مجموعة مسلحة تقاوم الاحتلال وتتخذ من البلدة القديمة في نابلس مقرا لها، فسبقها العديد من المجموعات المسلحة أشهرها “فرسان الليل”، التي أسست عقب اجتياح المدينة عام 2002 على أيدي مقاتلي كتائب شهداء الأقصى في نابلس، بقيادة الشهيدين نايف أبو شرخ وباسم أبو سرية (القذافي) اللذين وضعتهما إسرائيل على رأس المطلوبين واعتبرتهما من أخطر المطاردين.
وعملت “الفرسان” في التصدي للاجتياحات الإسرائيلية المتكررة لنابلس، وتعرضت في عام 2007 لضربات قوية بفقدانها أهم قياداتها، وعددا من مقاتليها في الاشتباكات مع جيش الاحتلال، كما تعرضت للتضييق من قبل السلطة الفلسطينية التي دفعت في مطلع عام 2008 جزءا مهما من أعضائها إلى إلقاء السلاح وتسليم أنفسهم مقابل العفو ووقف ملاحقتهم.
وخلال سنوات “الانتفاضة الثانية” عرفت المدينة ثقافة “الاشتباك مع المحتل حتى آخر طلقة”. وفي عام 2004 وأثناء اقتحام إسرائيلي، اشتبك مقاتلون من كتائب الشهيد أبو علي مصطفى التابعة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين مع جيش الاحتلال مما أسفر عن مقتل ضابط إسرائيلي وجرح 3 آخرين وصفت حالة أحدهم بأنها خطيرة. وأدى الاشتباك الذي استمر 3 ساعات إلى استشهاد القائد العام لكتائب أبو علي مصطفى في نابلس يامن فرج ورفيقه أمجد حنيني.
وفي عام 2006، أسفر اشتباك مسلح مع جنود الاحتلال في البلدة القديمة عن استشهاد قيادي بارز في كتائب شهداء الأقصى وهو فادي قفيشة، وشوهدت في ذلك الوقت بقايا لملابس جنود الاحتلال ملطخة بالدم، ما يشير إلى وقوع إصابات في صفوف القوة الإسرائيلية المهاجمة.
وفي عام 2007، وقع اشتباك مع قوات الاحتلال في مدينة نابلس أسفر عن استشهاد أمين لبادة وفضل نور وكلاهما من قادة كتائب شهداء الأقصى.
وفجر الثلاثاء الماضي، قتل الجيش الإسرائيلي 6 فلسطينيين بينهم 5 في البلدة القديمة من نابلس، أحدهم وديع الحوح (31 عاما) الذي وصفه بأنه قائد مجموعة “عرين الأسود”.
ومنذ 12 أكتوبر/تشرين الأول، تعيش نابلس ومخيماتها تحت حصار مشدد فرضه الجيش الإسرائيلي إثر مقتل أحد جنوده في اليوم السابق برصاص المجموعة.