تتلمذنا في الأهلية الثانوية على ثلاثة علماء في
اللغة، وكانوا يجانب علمهم شعراء فحول أولهم كان اللغوي الشاعر محمد عبد القادر كرف أحد تلاميذ شيخ الطيب السراج، وقد كان الرجل حجةً في النحو والصرف والبلاغة وشوارد الأشعار، وثانيهم كان الدكتور بابكر دشين تلميذ الدكتور عبد الله الطيب وصديقه، وكان عمدة في أصول اللغة وشاعراً لا يشقُ له غبار ،وثالثهم الشاعر محي الدين فارس الذي حبب لنا شعر التفعيلة بإلقائه المفاض وأخيلته المسافرة.كان لكل واحد منهم ما يميزه عن الآخرين وما يضيفه لنا.
واذكر أن كرف كان يصر أن نحفظ في كل حصة خمسة أبيات من جيد الشعر، وكان له لطيفة في آخر الدرس اسمها تسويق التراث للناس. فقد كان يختار أو يكلف أحدنا أن يلتقط حكاية من التراث العربي والإسلامي ويطالبنا باستخراج المغازي والمعاني فيها بما يطابق الواقع وأن نختار للقصة إسماً وعنوانا.
ومما وجدته في دفترٍ قديم حكاية تلك الإعرابية مع صغير الذئب الذي وجدته هائماً في
الصحراء فضمته إلى خيمتها بحنان وإشفاق
فقال الشاهد:
وجدت أعرابية جرو ذئب فأشفقت عليه وكان لهذه الأعرابية شاة وحيدة، فأخذت الجرو وقالت لنفسها نربيه بين شاتنا و يعيش معها, وكانت تحلب له من الشاة وتسقيه من لبنها, فلام الناصحون الأعرابية على تربيتها للذئب، لكنها لم تصغي.
ومرت الأيام وصار الجرو ذئباً فبقر بطن الشاة وأكلها تلك التي كان يشرب من لبنها,فلما رأت الأعرابية ذلك قالت شعراً باكياً:
بقرت شُويهتي وفجعت قلبـي
وأنتَ لشاتِنا ولدٌ ربيبُ
غُذّيتَ بدرِّها ورُبيت فينا
فمن أنباك أن أباك ذيبُ
إذا كان الطباعُ طباعَ سوءٍ
فلا أدبٌ يفيدُ ولا أديبُ
عزيزي القارئ ولأن الحكومة والحوكمة والحاكمية والحكام العرب لا يجدون وقتا لكثرة الصوارف غير المفيدة بالتدبر في مرجعية القران، فإننا نهديهم هذه الحكاية العابرة حتى يعيدوا قراءة طبائع الأشخاص والحضارات والأعداء، فقد أكل الذئب الذي ربوه على الشياه والمياه والنفط والكرامة والكبرياء والدماء مخزونهم.
هذه عزيزي القارئ بعض المعاني فما العنوان الذي تختاره لهذه الحكاية. وإن أعيتكم عناوين الحكام فرادى فارسلوها لجامعة الدول العربية.