في تاريخ الدبلوماسية الأفريقية الحديثة لم تتوفر صفات ذميمة منكرة علي رأسها التآمر الخبيث ، و التسلق المقيت ، و التملق المُحتقر ، و محاولة الصعود علي أكتاف البسطاء ، والمشي في بحور الدماء ، و إستغلال القضايا الأفريقية ، و خدمة الأسياد في الغرب ، كما توافرت هذه الصفات في شخص مبعوث الإتحاد الافريقي الحالي للسودان محمد الحسن ولد لبات ، الذي ظل منذ أن لفظه اليسار الموريتاني وباع رفاقه علي قارعة الطريق ، لم يعد الا تجسيداً لهذه الصفات والسمات ..
فمنذ أن أُتهم بأنه هو من يبلغ السلطات الموريتاينة المتعاقبة عن رفاقه ، الذين تعرضوا بسبب الخيانة والخذلان ، للتنكيل والإعتقال والإغتيال ، فظل طاؤوساً سياسياً يتبختر في ساحة الأزمات القارية ، مختلاً بريشه الملون، و إصطفاقه الكذوب ، برقصته المُجّنحة الشائنة عند مذبح المطامع و الغنائم السهلة .
بسبب خيانته لرفاقه في اليسار الموريتاني و جرياً وراء مصالحه منذ تأسيس الحزب الشيوعي الموريتاني ما بين عامي 1968- 1972م مذ كان طالباً ، لم ينقطع إتهام الرجل وهو عضو في قيادة الحزب ، بأنه كان وراء المعلومات والتقارير التي أدت إلي إعتقال زعيم الحزب محمد ولد سميدع و أخرين من ( مجموعة توكومادي ) و ( الحركة الوطنية الديمقراطية و حركة الكادحين )عندما تبني الحزب مع القوي السياسية الأخري مناهضة الحركة الداعية لرفض تعليم اللغة العربية في المدارس و للتيار العروبي ضد السياسات الأمريكية و الفرنسية و الإسرائيلية ، وكان للسفارة الفرنسية دور كبير في حركة الرفض و لديها بيادق علي الأرض يقومون بمهمة التخذيل و التحريض علي دعاة التعريب ، و ظلت تنسق و ترعي مجموعة من الطلاب الموريتانيين المبتعثين للدراسات العليا بباريس و منهم ولد لبات ليلعبوا بخبث أدواراً في مساعدة السلطات لقهر رفاقهم اليساريين خدمة للمصالح الإستعمارية و للثقافةالفرنسية التي يدين لها ولد لبات بولاء مطلق ككبغاء هرم .. و لا يزال…
وهنا لابد من الإشارة إلي الدور الذي لعبته شركة ( ميفرما ) التي كانت تعمل في مجال التعدين وتسببت باضطرابات جارفة و نتجت عن أفعالها ثورات بسبب إستغلال العمال و تكريس ظاهرة العبيد و الرق و السخرة، و تقف وراء تمويلها العائلة اليهودية العالمية المعروفة آل روتشيلد ، فهل كان للشركة دور في منح الدراسات العليا لعدد من الطلاب الموريتانيين في الجامعات الفرنسية و منهم ولد لبات ..؟!! (تم تأميم هذه هذه الشركة بعد ذلك في عهد الرئيس اتلاسبق ولد دادا ).
خدم ولد لبات السلطات الإنقلابية في بلاده ، لم يُشهد له بموقف نضالي واحد ضد الإنقلابات العسكرية في موريتاتيا منذ الإنقلاب علي الرئيس المختار ولد دادا 1978م بقيادة الجنرال مصطفي ولد السالك ، ثم إنقلاب العقيد محمد ولد لولي 1979 و إنقلاب محمد ولد هيدالة 1980م حتي مؤامرة فرنسا و خاصة الرئيس فرانسوا ميتران للاطاحة بولد هيدالة ليتولي عبر إنقلاب عسكري العقيد معاوية ولد الطايع السلطة 1984 ، و هو الإنقلاب العسكري المحبب للاكاديميي اليساري الخائن لرفاقه (محمد الحسن ولد لبات ) ليتولي حقيبة وزارة الخارجية خدمة لنظام عسكري ديكتاتوري حكم موريتانيا 20 عاماً ، وقفت فرنسا وراء كل ذلك ، و عبر المخابرات الخارجية الفرنسية ( DGSE ) حافظت علي صلاتها المتينة بربائبها في موريتانيا و في بلدان الافريقية و منهم ولد لبات ، و عملت المخابرات العسكرية الفرنسية ( DRM ) منذ النصف الأول من عقد التسعينات من القرن الماضي علي توجيه بعض القيادات الجديدة في القارة و خاصة في البلدان الفرانكفونية علي للحفاظ علي المنافع الفرنسية في أفريقيا ، فذاك هو السياق الذي صار فيه ولد لبات وزيراً للخارجية مع الرئيس معاوية ولد الطائع الذي جاء للحكم علي ظهر دبابة .
ظهر ولد لبات ، علي المسرح الأفريقي ، كظل بائس مائل للدوائر الفرنسية المهتمة بأفريقيا ، وسرعان ما قفذت به فرنسا إلي المنظمة الفرانكفونية ، فأصبح مستشاراً لرئيس المنظمة الرئيس السنغالي الأسبق عبدو ضيوف ، ثم أبتعث رئيساً لمكتب المنظمة في تشاد ليلتقي ثانية بزميله وزير خارجية تشاد الأسبق ، و رئيس الوزراء بعد ذاك موسي فكي الرئيس الحالي لمفوضية الإتحاد الأفريقي .
وما أن أنتخب موسي فكي رئيساً للمفوضية الأفريقية ابريل 2017م بعد ان لعب الرئيس عمر البشير أنذاك دوراً كبيراً في ترشيح و فوز السيد موسي فكي بالتنسيق مع الرئيس أدريس دبي ، و لولا الحملة الدبلوماسية السودانية التي أشرف عليها البشير بنفسه لما فاز موسي فكي بالمنصب الأفريقي الرفيع ، و لم يلبث فكي اياما بالمفوضية بالاتحاد الافريقي حتي أسهم بدور بارز و دعم صديقه ولد لبات ليكون ممثلاً للإتحاد الافريقي في رواندا و مهمات أخري في القارة ، ثم عينه في العام نفسه 2017م ، مستشاراً خاصاً لرئيس المفوضية للشؤون الإستراتيجية وهو منصب صممته الدول الغربية وصنعته خصيصاً حتي تنفذ منها مخالبها بيسر في لحم العمل الافريقي المشترك .
حاول ود لبات عن طريق فكي التدخل في قضية أفريقيا الوسطي 2018- 2019 ، و ( فتش عن فرنسا هنا ) حين طغي النزاع والصراع الفرنسي – الروسي ، و وجود شركة فاغنر الروسية و قوات تتبع الجيش الروسي هناك لحماية الرئيس توادورا والعمل في التعدين ، إعترض الروس لدي الرئيس توادورا علي أي تدخل لولد لبات في شأن بلاده سواء كان مبعوثاً للاتحاد الافريقي أو جهة أخري ، و هنا يتزلف منكسراً ولد لبات للسودان و أجري إتصالات وحرك وساطات متعددة في نهاية 2018 وبداية 2019 م حتي يسمح له التنسيق مع وزير الخارجية السوداني د. الدرديري محمد أحمد ، ليسهم في مبادرة السودان لحل الأزمة في أفريقيا الوسطي ، لكن العقبة الروسية كانت أمامه فلم تنجح مساعيه و ضاعت توسلاته و ذهبت أدراج الرياح .
صنع الرجل ببراغماتية بارعة ، شبكة علاقات بأديس ابابا داخل الإتحاد الأفريقي و دوائر الدولة المضيفة ، وما أن حدث التغيير في السودان حتي قفز مرة أخري ليتكسب منها سياسياً و مالياً ووراءه عاصمة خليجية، و وجد دعماً من دوائر مقربة لرئيس الوزراء الاثيوبي عندما طرح مبادرته في مايو 2019م لحل الأزمة بين المكونيين العسكري والمدني ، فسرعان ما أوعز ولد لبات لموسي فكي بطرح مبادرة من الإتحاد الافريقي الذي كان قد علق عضوية السودان بغرض الضغط علي العسكريين ، و عندما طرحت المبادرة للتكامل مع مبادرة رئيس الوزراء الأثيوبي ، إستطاع ولد لبات ببراعة مذهلة و خبث لا يجاري فيه إبعاد رئيس مجلس السلم و الأمن الأفريقي و المسؤول عن الشؤون السياسية في الإتحاد الأفريقي الجزائري إسماعيل شرقي و أطاحه بعيداً ، و تولي هو رئاسة وفد وساطة الإتحاد الافريقي للسودان ، وهي البعثة التي أعدت الوثيقة الدستورية بين الطرفين المتنازعين و أتت بصديق ولد لبات و زميله في الإرتباط والإنصياع للدوائر الغربية و رفيقه في اديس ابابا عبد الله حمدوك رئيساً للوزراء .
إستعان ولد لبات باليسار السوداني و مجموعة الليبراليين الجدد و تأثير الدولة الخليجية في إنتاج الوثيقة الدستورية و الضغط علي العسكريين لتمكين قوي إعلان الحرية والتغيير علي السلطة ، و تمهد الطريق للمشروع الغربي المسنود خارجيا وخاصة تلك الدولة الخليجية المتطفلة علي الشأن السوداني وتم إختراق الدولة السودانية و إفتراسها في وضح النهار.