مضت بنا تلك العربة الفاره ذات الدفع الرباعي وهي تشق مسيرها نحو الصحراء القاحلة حيث لامياه ولا حياة الا بعض المشاهد الكالحة الأحجار المتراكمة و الحلال المبعثرة والأشجار الباكية التي ترجو الماء من الخريف للخريف.. طفنا عدد من ولايات السودان الغربية.. حيث انطلقت في تلك الاثناء قوافل الدراسات والعمل من الخرطوم الي كل ولايات السودان مستعينة بالارادة الصادقة وتوجيه الادارة العليا.. لأجل إنسان السودان الذي وضعت الخطة على أن تتواجد مصادر المياه في 500 متر على الاقل من اي مجموعة سكانية.. متخذين من قاعدة معلومات الأطلس المائي التي تم اعدادها بعد جهودا مضنية ساهم خلالها الخبراء والمختصون بعلمهم الوافر عبر الإجتماعات والورش والسمنارات وعقدت المؤتمرات للوصول لهذا النموذج العلمي الممتاز الذي يعد مرجع لتنفيذ مشروعات المياه في كل البلاد فخرج أطلس المياه.. و هو مسح معلوماتي جغرافي لكل البلاد رصداً لمصادر مياه الشرب (محطات نهرية، سدود، حفائر، وآبار) تم من خلاله التعرف على مناطق الفقر المائي والمصادر المتاحة وخواص مياه الشرب بالولايات وتحديد مدى كفايتها لاستهلاك الإنسان والحيوان وحيث تم التخطيط لها وفق معايير سليمة لاستخدام أمثل.. ومستدام..يعين الناس في اوقات الجفاف والجفاف الممتد..
مضت رحلتنا المحفوفة بالمخاطر بعزم لايلين ورغبة صادقة في الإنجاز.. فنحن الوحيدون في تلك الفترة الذين كنا نعلم أهمية المياه للإنسان وَالحيوان بعد أن وقفنا على مشاهد اختلطت فيها مشاعر الفرح بالحزن.. وحدنا الذين كنا ندرك حين تتفجر الماء من بين الصخور ويأتي أهل المكان يعانقوك فرحا وبشرى.. اناس لاتعرفهم الا انهم سودانيون ولكنك تعرف أهمية الماء بالنسبة لهم.. حين تاتيك ام الأيتام وتقسم عليك أن تحمل الشاة الواحدة لديها هدية لأهل الخرطوم.. حين ياتيك من يسوق مراح من الأنعام ويعمل فيها ذبحا ولا يتوقف لأجل مكافأتكم بهذا الإنجاز العظيم.. حين يستظل الجميع بالماء المتدفق من جوف الأرض بكامل هندامهم ويتصايحون فرحا.. كل هذه المشاهد وغيرها جعلتنا ندرك أهمية سقيا الماء.. وقد كان الجميع بقدر التحدي..والمسؤولية..
على بعد (20) كيلو متر تقريبا او يزيد شرق مدينة نيالا حاضرة ولاية جنوب دارفور كان العمل قد أنجز في سد بليل الأرضي الذي انجزته عبقرية الإنسان حين كانت الخبرة الهندسية و الإخلاص في العمل حاضرات بحضور عبقرية التصميم وجدارة التنفيذ، والذي كان كفيلاً بطي صفحة العطش إلى غير رجعة في المنطقة بأكملها .
في مايو من العام 2014م جددت وحدة تنفيذ السدود العزم على إعلان صفرية العطش بكل ولايات السودان حيث كانت ولاية جنوب دارفور بداية انطلاق العمل مستهدفة تنفيذ عدد كبير من الآبار والحفائر. ولعل المشروع الأبرز الذي اكتسب أهميته ضمن هذه المشروعات هو سد “بليل الأرضي” الذى أسهم في توفير مصدر دائم لمياه الشرب لمدنية نيالا، والتي تعتبر ثاني أكبر مدينة في السودان من حيث تعداد السكان بعد العاصمة الخرطوم .. حيث تم تنفيذ هذا المشروع داخل “وادي نيالا الذاخر بالمياه في فصل الخريف، في الوقت الذي ظلت تعاني فيه المدينة من انحسار كبير للمياه الجوفية خلال فترة الصيف مما ألقى بتحديات جمّة على حكومة الولاية ممثلة في هيئة مياه الشرب بالولاية في تغطية أحياء المدينة المنتشرة رأسياً وأفقياً على مد البصر .
أسهم “بليل” الذي أجرت دراسته ونفذته الشركات الهندسية و بتمويل من وحدة تنفيذ السدود في العام 2014م أسهم في تغذية الآبار الجوفية حيث يعمل على تخزين (5) ملايين متر مكعب من المياه، مما دفع حكومة ولاية جنوب دارفور إلى إنشاء (10) آبار حول منطقة السد بإنتاجية كلية تقدر ما بين (7 إلى 10 آلاف متر مكعب في اليوم ) حيث لعبت هذه المصادر دوراً مهماً في تخفيف الضغط على مصادر المياه الأخرى بالمدينة .. وجعلت إنسان المنطقة يشعر بالأمن والطمأنينة التي كانت غائبة قبل هذا المشروع الذي قدم من خلاله المهندسين السودانيين افضل ماعندهم في مثل هذه المشروعات.. كانت أولى اشراقات مشروع حصاد المياه الذي استهدف كافة محليات الولاية حيث تم تنفيذ (19) حفيرا تتراوح سعاتها التخزينية ما بين 50 ألف متر مكعب إلى 210 ، فضلاً عن تأهيل سد أم دافوق الذي شكل إضافة كبيرة في محور الأمن الغذائي من خلال الإنتاج الزراعي والاستزراع السمكي وامتد العزم بتنفيذ 14 بئرا في إطار إنفاذ برنامج صفرية العطش كما جا بعد ذلك سد رمالية وسد الكداد بمحلية كتيلة والذي شكل بدوره إضافة كبيرة في توفير مياه الشرب وتحسين معاش الناس.. واحداث الاستقرار المنشود.
بدات بعد ذلك حياة جديدة عبر النشاط الزراعي على ضفتي السد بعد أن هجر أصحاب المزارع مزارعهم بسبب انحسار المياه في وقت من الاوقات فأخرجت الأرض خيراتها من الخضر والفاكهة واجتمع الإنسان حولها.. والتي أسهمت في تغذية كافة أسواق حاضرة الولاية، مما زاد من حجم النشاط الاقتصادي، بفضل استيعاب كثير من الأيدي العاملة، على صعيد المزارع والأسواق..
يظل التحدي قائما في اهمية استمرار مشروعات حصاد المياه التي اثبتت جدواها في محاربة العطش واحدثت قدر من الاستقرار وتعزيز السلام الامن والامان والطمأنينة العامة..فماتزال عبقرية وحدة تنفيذ السدود التابعة لوزارة الري والموارد المائية حاضرة ومازالت الفكرة نضرة يدعمها اهل السودان جميعا لاجل محاربة العطش.. نواصل..،
دمتم بخير