وكالات : كواليس
تتجه شركات النفط العالمية نحو توسعة نشاطها في أعمال البحث والتنقيب في بحر الشمال بالمملكة المتحدة، رغم الانتقادات البيئية الموجهة ضدها منذ سنوات.
وتتوقع وحدة أبحاث ويليغنس إنرجي أنالتكس (Welligence Energy Analytics) ارتفاع حصة إنتاج كبرى شركات الطاقة العالمية إلى أكثر من 40% من إجمالي إنتاج المملكة بحلول عام 2030، وفقًا لموقع إنرجي فويس المتخصص (Energy voice).
وتشمل توقعات الوحدة حصص كل من شركات: النفط البريطانية بي بي، وإكوينور النرويجية، وشل الأنغلوهولندية، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
وتستند هذه التوقعات إلى أعمال التطوير الجارية التي تنفذها كبرى شركات النفط العالمية في حقلي “روز بانك” و”جاك داو” ببحر الشمال اللذين يستحوذان على أكبر احتياطيات غير مستغلة من النفط الغاز بالمملكة المتحدة.
شل تضخ 568 مليون دولار
تعهّدت شركة شل في يوليو/تموز (2022) بضخ استثمارات جديدة في حدود 500 مليون جنيه إسترليني (568.7 مليون دولار أميركي) لدعم أعمال تطوير حقل غاز” جاك داو” حتى تسليمه للتشغيل.
*(الجنيه الإسترليني = 1.14 دولارًا أميركيًا)
وتتوقع شل الوصول بإنتاج هذا الحقل إلى 40 ألف برميل نفط مكافئ يوميًا، ما قد يمثّل 6% من إنتاج غاز بحر الشمال المتوقع في المملكة المتحدة.
ويقع حقل “جاك داو” على بُعد 155 ميلًا شرق أبردين -ثالث أكبر مدينة إسكتلندية- ومن المتوقع بدء إنتاجه عام 2025.
قرار إكوينور في 2023
تقول شركة إكوينور النرويجية -إحدى أكبر شركات النفط العالمية- إنها ستتخذ قرارًا بشأن حقل نفط “روز بانك” خلال العام المقبل (2023)، على الرغم من تقديمها خطة بيئية لمشروع “وست أوف شيتلاند” هذا العام (2022).
وتتوقع إكوينور أن يحتوي هذا الحقل على 300 مليون برميل من النفط القابل للاستخراج، باستثمارات 8.1 مليار جنيه إسترليني، على أن يبدأ إنتاجه عام 2026.
وتتعرّض مشروعات التنقيب في بحر الشمال لانتقادات النشطاء العاملين في مجال البيئة والمناخ، انطلاقًا من تعارض أنشطة التوسع في الوقود الأحفوري مع خطط التحول المناخي والحياد الكربوني لعام 2050.
وتخطّط المملكة المتحدة لتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050، ويقدّر حجم الانبعاثات الناجمة عن أكبر 21 حقلًا للنفط والغاز في بحر الشمال بـ920 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون؛ أي أكثر من ضعف مستوى الانبعاثات السنوية الوطنية في تايلاند، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
وتقول مؤسسة غلوبال إنرجي مونيتور إن احتراق الاحتياطيات في حقول النفط والغاز سيولّد انبعاثات أكثر مما يتوافق مع ميزانيات الكربون المُلزمة قانونًا في المملكة المتحدة لأعوام 2023-2037.
صفقات الباب الخلفي
اضطرت بعض شركات النفط العالمية إلى خفض حصصها في مشروعات بحر الشمال خلال السنوات الماضية بضغط الحملات البيئية، إلا أنها لم تتخارج منها نهائيًا.
وتلجأ بعض الشركات الكبرى إلى صفقات الدمج والاستحواذ مع شركات الطاقة الصغرى التي تنشط في بحر الشمال، مثل هاربور إنرجي، وإيثاكا إنرجي، وأوربيان أوفشور، ما أسهم في تسهيل مبيعات شركات، شيفرون، وكونوكو فيليبس، وإكسون موبيل، التي تخارجت جميعها من المنطقة.
يُشار إلى أن شركة كونوكو فيليبس الأميركية قد باعت معظم أصولها في بحر الشمال إلى شركة كرياسور مقابل 2.68 مليار دولار منذ أبريل/نيسان (2019).
وأعقب ذلك بشهر واحد (مايو/أيار 2019)، إعلان شركة شيفرون الأميركية بيع معظم أصولها في بحر الشمال إلى شركة إيثاكا إنرجي مقابل ملياري دولار.
وأما شركة إكسون موبيل الأميركية فقد تأخرت عن أشقائها عامين، لتعلن في فبراير/شباط (2021) تخارجها من معظم أصولها غير المشغّلة وسط وشمال بحر الشمال لصالح شركة نيو إنرجي البريطانية مقابل مليار دولار تقريبًا، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
وتأتي الاستثمارات الأخيرة المعلنة من شركتي النفط العالميتين (شل، وإكوينور) في إطار توجهات حكومية جديدة بتعزيز أنشطة النفط والغاز، خشية امتداد تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية لسنوات مقبلة، ما يعرّض أمن الطاقة في المملكة للخطر.
بريطانيا تحنث باليمين
أطلقت وزارة الأعمال والطاقة البريطانية في 7 أكتوبر/تشرين الأول (2022) جولة تراخيص جديدة للتنقيب عن النفط والغاز في بحر الشمال، تُعد هي الأولى منذ عام 2019.
وحدّدت الوزارة تراخيص الاستكشاف في 898 كتلة في بحر الشمال وتطويرها، ما قد يؤدي إلى منح أكثر من 100 ترخيص للشركات الفائزة، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
ويمثّل هذا التوسع في تراخيص النفط والغاز نكوصًا عن وعود قطعتها بريطانيا على نفسها خلال قمة المناخ “كوب 26” العام الماضي (2021)، إذ تعهّدت بوقف مشروعات النفط والغاز الجديدة على أراضيها.
وبرر وزير الأعمال والطاقة البريطاني جاكوب ريس موغ موقف بلاده، قائلًا “إن غزو بوتين لأوكرانيا يعني أن نهتم أكثر من أي وقت مضى بتعزيز الاستفادة من موارد الطاقة السيادية بما يضمن أمن الطاقة لشعبنا الآن وفي المستقبل”.
وأضاف جاكوب -في تصريحات رصدتها منصة الطاقة المتخصصة- أن “ضمان استقلال الطاقة يعني استغلال الإمكانات الكاملة لأصول بحر الشمال لتعزيز الإنتاج المحلي، مع الاعتراف بأن إنتاج الغاز في المملكة المتحدة له بصمة كربونية أقل من الاستيراد من الخارج”.
باب التقدم حتى يناير
يأمل الوزير في أن تُسهم التراخيص الجديدة في دعم الوظائف التي تتطلب مهارات عالية عبر صناعة الطاقة في المملكة المتحدة.
ويشار إلى أن المساحات المطروحة على الشركات تقع في غرب شتلاند وشمال ووسط وجنوب بحر الشمال بالإضافة إلى بحر شرق أيرلندا.
ومن المقرر أن يظل باب التقدم مفتوحًا أمام الشركات الراغبة حتى 12 يناير/كانون الثاني (2023)، على أن تعلن نتائج الفائزين أواخر الربيع المقبل.
وتُقدّر احتياطيات النفط في بحر الشمال بنحو 15 إلى 24 مليار برميل، في حين تُقدر احتياطيات الغاز الطبيعي في حدود 198 مليار متر مكعب، وفق معلومات اطلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة.
معضلة استقلال إسكتلندا
تواجه المملكة المتحدة معضلة سياسية واقتصادية كبرى، بسبب سعي إسكتلندا للاستقلال عنها منذ سنوات لوقوع أغلب مناطق النفط والغاز فيها، ما يمثّل أزمة مركبة يصعب حلها بالانفصال.
وتتكون المملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وأيرلندا الشمالية (الاسم الرسمي للمملكة المتحدة) من 4 مقاطعات شبيهة بالدول حاليًا، كانت تتبع التاج البريطاني قديمًا، وهي: (إنجلترا، وويلز، وإسكتلندا، وأيرلندا الجنوبية).
وتتمتع المقاطعات الـ3 الأخيرة بوضع استقلال داخلي فقط يمكنها من التمتع بحكم مركزي داخلي يسيطر على الإقليم، لكنها لا تتمتع بحرية التواصل مع أي حكومة خارجية، إلا بالرجوع لحكومة التاج البريطاني التي تتخذ من لندن مقرًا لها، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
وتعتمد جميع المقاطعات عملة واحدة (الجنيه الإسترليني)، إلا أن لكل واحدة منها، علمًا ونشيدًا خاصًا، كما أن لكل منها دوري كرة قدم خاصًا خلافًا للدوري الإنجليزي، بالإضافة إلى فريق وطني يشارك في تصفيات أمم أوروبا، وكأس العالم، بصورة منفصلة عن منتخب إنجلترا.
وتُعَدّ إسكتلندا ثاني أكبر الأقاليم في المملكة المتحدة بعد إنجلترا من حيث المساحة، وتسعى للاستقلال منذ عقود، لكنها لم تحقق ذلك حتى الآن، في ظل خلافات شديدة حول تقاسم موارد النفط والغاز في بحر الشمال بالإضافة إلى تشابكات اقتصادية ومالية أخرى.
ورغم وقوع أغلب الاحتياطيات في مناطق تابعة لإسكتلندا بنسبة 90% تقريبًا، فإنها لا تحصل على عوائد كبيرة منها، ما يدفعها إلى الرهان على مسألة الاستقلال عن المملكة.
وتقدّمت حكومة إسكتلندا في أكتوبر/تشرين الأول (2022) بطلب إلى المحكمة العليا في المملكة المتحدة بشأن تنظيم استفتاء على مسألة الاستقلال خلال العام المقبل 2023، ولكن لم يُفصل في مدى شرعية الطلب بعد، ما يفتح الباب أمام احتمالات الانفصال -طوعًا أو كرهًا- على مصرعيه خلال السنوات المقبلة.