… والساعة تشير الى التاسعة وخمس وخمسون دقيقة من صباح اليوم السادس من ابريل 2019م .. كنت متكئ على (ناصية) البنك السوداني الفرنسي الشمالية الغربية في مواجهة ضريح الشيخ (ابوجنزير)، كنت اترقب المشهد المزمع لانطلاق الموكب المقرر ضمن مناشط تجمع المهنيين لذاك اليوم .. وهذا الموقع كان يمثل نقطة تجمع القوة الخاصة بمكافحة الشغب وهي قوة مشتركة لخليط من الاجهزة الامنية المختلفة ..
كان اليوم السبت عطلة رسمية اسبوعية وشارع القصر يخلو من اكتظاظ السيارات والمارة .. في تلك اللحظة توقفت سيارة فخمة ترجل من عليها الفريق اول صلاح قوش مدير جهاز المخابرات الوطني متفقدا موقع القوة .. (قوش) كان في كامل اناقته ب(الكاجوال) بنطلون اسود و(جاكيت كاروهات زيتي) وقميص داكن من نفس تدرج لون (الجاكيت) .. لم يكن مع (صلاح) سيارات حراسة ترافقه .. من النظرة الاولى عرفته هو بشحمه ولحمه نزل من السيارة راجلا الى داخل سور الميدان واستقبله عدد من كبار ضباط الجهاز المتواجدين داخل نصب الصيوان المنصوب داخل فسحة تقع في الركن الجنوبي الشرقي من الضريح وبعد اقل من نصف ساعة خرج (قوش) منهيا اجتماعا (تنوير) مصغرا عقده مع قادة الموقع مغادرا المكان مشعلا سجارته الشهيرة التي اطفأها من النفس الثاني ..
هكذا يبدو ان التوجيهات التي (صرفها) (قوش) للقوة هي توقف المهام والعمليات واخلاء الموقع من كل مظاهر (التجميع) الذي بات واضحا بمغادرة جميع سيارات (التاتشر) التي كانت ترابط في الميدان وعلى ظهرها جميع افراد القوة (المحورية) بميدان (ابوجنزير) .. فيما غادر جميع (المحجوزين) من المتظاهرين من داخل الحوش وانتشروا ركضا في الشوارع والازقة الفرعية المؤدية الى السوق العربي ومناطق شرق الخرطوم ..
بعد اقل من ربع ساعة من خلو الميدان دخل بعض (الشماسة) للموقع الخالي وحملوا على ظهورهم كميات بسيطة من جوالات السكر والتموينات القليلة كانت عبارة عن (تعيينات) الاعاشة (الميز) الخاص بالقوة التي غادرت الموقع بعد مغادرة (قوش) ..
بعد لحظات غادرت المكان متوجها نحو كوبري المك نمر متوجها الى بحري ولاحظت ان توجيهات مماثلة لاخلاء موقع (ابوجنزير) صاحبها سحب لنقاط الارتكاز الاخرى التي كانت تتواجد في تقاطعات (سان جيمس) والجامعة وهناك جموع من المتظاهرين في طريقهم دون اعتراض الى ساحة ميدان القيادة العامة بصورة منظمة وكانما هناك من يقودهم عبر مسارات امنة الى الميدان من المدن الثلاث .. وزاد يقيني بصناعة 6 ابريل انتشار عدد كبير وبصورة منظمة لسيارات (الثلاجات) وهي توزع المياه المثلجة والعصائر على المتظاهرين في مداخل الشوارع المؤدية للقيادة العامة ..
يبدو لي ان تلك هي اللحظة التي تم فيها اتخاذ القرار (الاستراتيجي) بفتح ابواب ومداخل القيادة العامة للتمهيد لاعتصام المتظاهرين حول محيط القيادة وتاكد لي بما لايدع مجال للشك ان 6 ابريل واعتصام القيادة العامة صنعت صناعة وتمت رعايتها لتحقيق اهدافها لاسقاط (البشير) من داخل مفاصل حكومته واجهزتها الامنية .. اذن يبقى السؤال: هل ينجح اي حراك جماهيري في اسقاط الحكومات دون تقديم سند (سياسي – حكومي) ؟؟..