منى أبوزيد تكتب : الشعوب والظروف..!

“الرجال والشُّعوب يتَصرَّفون بحكمة بعد أن يَستنفِذوا جميع الخيَارات الأُخرى”.. أبا أيبان..!
(1)
مؤسسة الزواج في السودان لا تجيد فنون الاحتفال بالمناسبات السعيدة وتجهل خارطة الطريق إلى الفرح، لأنّها مثقلة دوماً بالأعباء المادية، ومهمومة أبداً بالاستعدادات الشكلانية لاستقبال أي مناسبة، حتى وإن كانت احتفالاً بذكرى زواج ناهيك عن “حاجات رمضان” في بلد تجاوز فيه سعر “طرقة الحلو مر” كل الحدود. المناسبات الاجتماعية السعيدة في مجتمعنا ما هي إلا مواسم للشجارات الاقتصادية التي تندلع دوماً بسبب شرارة اختلاف النوع. فمشكلة الرجال من وجهة نظر زوجاتهم تكمن دوماً في كونهم مصابون بداء التجاهل لأهم الضرورات، بينما يكره الرجال نبرة الخطورة التي تتحدث بها زوجاتهم عن بعض التفاصيل التي يرونها تفاهات تدخل في حكم المحظورات. والنتيجة عجز دائم في الميزانية بسبب انعدام الواقعية التي تشمل – إلى جانب تطلُّب الزوجات تعسُّف الأزواج، فضلاً عن غياب بنود المفاجآت والكوارث عن اتفاقيات السلام الاقتصادي بين قطبي الأسرة. رمضان هو شهر العبادة والروحانيات الذي تكثر فيه صلة الرحم، أي نعم، لكنه أيضاً الشهر العربي الوحيد الذي يشهد أعلى معدلات شجار في مؤسسة الزوجية السودانية، لأنه يمتاز عن غيره من الشهور بكونه يبدأ بحاجاته وينتهي بحاجات عيد الفطر الذي لا يكاد يمضي حتى تبدأ شجارات ما قبل العيد الكبير. ويبقى النكد الاقتصادي طقساً مصاحباً لمواسم الأعياد والمناسبات في معظم الأسر السودانية، حيث يُضحي لسان حال الأزواج مقولة الشاعر الألماني “هاينرش هاينة” الذي أقسم على أن موسيقى حفلات الزواج تذكره دوماً بالأنغام التي تعزف للجنود قبل خوض المعارك..!

(2)
الناس في شوارع السودان تتلبسهم “حالة تَحدِّي” حينما يطلب منهم أن يصفوا لك شارعاً أو حيّاً أو موقعاً، وشبه الجملة “لا أدري” هي عندهم جنحةٌ كبرى، وهي ثامنة الموبقات. وإن فتح الله على أحدهم ببعض الحكمة، فهو لن يُفلتَك من بين يديه، قبل أن يُتحفك بفترة صمتٍ قد تطول أو تقصر – الأمر مرهون بتفاعلاته الداخلية – ثم يعترف. والاعتراف نفسه لا بد أن يأتي مقروناً بيمينٍ غموس، “ما عارف والله”.. أنا ما ساكن هنا والله.. ما عندي فكرة والله …إلخ..”، وغالباً ما ينكِّس رأسه بعدها في خجل، وكأنه قد أطلعك على عيبٍ خطير مفاده أنه “لا يدري”. خلاصة القول، ليس أمامك سوى أن تُعوِّل على دقَّة بعض البرامج الحديثة في هاتفك الذكي، فإن لم تُسعفك فدونك رقم هاتف صاحب المكان الذي تَهُمُّ بزيارته. أما إن كنت أيضاً “تخجل” من قول إنك “لا تدري”، فلتقف على جانب الطريق، ولتسأل أحد المارة، لتبدأ الحكاية من جديد. وأغلب ظني أنك في معظم الأحيان تفعل ذلك..!

(3)
صاحب الكشك الذي يبيعك “الاسكراتشات” في صمت على ناصية الشارع، والذي ظلَّت تتعاقب عليه الفصول السياسية، لكن ولاؤه ظَلَّ للقمة عيشه، سوف يسعده أن يذهب السابقون واللاحقون إلى ذات الجحيم – لا فرق – إن كان ذلك سيجعله يعيش حياة كريمة في بلدٍ آمن. يحدث هذا مع أنه كان ضمن الثوار في ذات البقعة من ساحة القيادة، وكان يصرخ بذات الحماسة في ميدان الثورة، لكنه عاد إلى ذات الكشك على ناصية الشارع، يشكو ضيق الحال ويتذمّر من غلاء الأسعار، وكيف وكم أن الحياة ليست عادلة. لماذا يحدث ذلك؟. لأن الثورة – ببساطة – شيء والتغيير شيء آخر، ولأن الفرق بين الثورة والتغيير هو ذات الفرق بين النجاح في الحصول على الطلاق من شريكٍ سابق والمقدرة على إنجاح الزواج من شريكٍ لاحق..!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *