تابعت بدقة ما كتب طوال الليالي الثلاث الماضية عن التسوية السياسية القادمة والتكهنات حولها فإذا إعتمدنا تحليل مقالات الكتاب والنشطاء والمتابعين التي مضت إلى أبعد من التوقعات بل ادرجت أسماء أمام وظائف وحقائب دستورية ستتوه من الحقيقة وراء متاهات لن تستطيع العودة من بداياتها.
أمر التسوية السياسية وفق معطيات الواقع السياسي الذي أعقب قرارات البرهان وحالتي الشد والجذب بين معسكري الشق غير المدني وتبادل التصريحات والمواقف ستجد نفسك أمام عدة خيارات ليس من بينها تقاسم السلطة مع فئة محددة فالبرهان الذي يبدو منتشياً بخمسة أمور حققها في سبتمبر الماضي أولها تعيين ووصول وإعتماد السفير جون قودفري سفير الولايات المتحدة الأمريكية ثم مشاركته في تشييع الملكة أليزابيث الثانية ثم زيارته مصر ولقاؤ السيسي المشابه له حتى في الإسم الاول ثم حوار البرهان بتلفزيون البي بي سي فالأمور اآنفة الذكر تقطع الطريق أمام مزاعم بأن الرجل معزول ومقاطع وغير مرغوب فيه من مايسمى بالمجتمع الدولي، جميع هذه المواقف لا تقرا منفصلة عن أسباب قراراته التصحيحية أو الإنقلاب الذي لا ينقصه إلا أسبوعا ً واحداً لبلوغ العام كل هذه الإجراءات والمواقف هي دعم لصالح الجنرال.. يبدو أن الرجل أحسن توظيفها بالإضافة للإنفتاح الكبير نحو مبادرات رأب الصدع السياسي من أم ضواً بان إلى كدباس والرجل يلوح في كل لقاءته بأنه لا توجد تسوية ثنائية أو إستثنائية إلا للموتمر الوطني عبارة التخدير الإستثنائي المحببة حتى لحلفاء وغرماء الحزب.
البرهان يبدو للجميع كشخص متردد غير مضمون المواقف مما يزيد من مخاوف الكثيرين لحظة الإلتقاء والمعاهدة إلا أن الرجل يحاول أن يفرض واقعاً آخر وفق نشوته بما تحقق حتى الآن.
من زاويةٍ أخرى فالتسوية المزعومة لن يخوض فيها إلا مبتديء فتدوير أي منتج مجرب في نفس مصنع التدوير بنفس الخام وتوقع جودة أفضل من ذي قبل .. كما يقول علماء الطبيعة إجراء تجربة بنفس الطريقة وتوقع نتائج غير ، عليه فاي حديث عن تسوية سياسية بمشاركة محدودة من الطيف السياسي سيعقد المشهد ولايؤدي إلى حلول مرضية ولن يحقق الإلتفاف السياسي الذي يفك حالة إنسداد الأفق السياسي ويخفف حدة التوتر والإحتقان السياسي الماثل مما يعيد تفاصيل المشهد إلى ماقبل قرارات البرهان الاخيرة.
أي رهان على نجاح تسوية ثنائية تستثني غير المستثني المعروف لن تكون بالتاكيد العلاج والبلسم الشافي لجسد الحياة السياسية المنهك بأمراض التشرزم والحرب والمناطقية والتخندق الجغرافي والإستعداد للحرب حتى لدى العناصر الموقعة على سلام جوبا ،عليه فإن أي خطوة للتسوية ستكون كارثية النتائج وستولد مصابة بمتلازمة التكرار وفقدان المناعة السياسية التي تبقيها حية لنهاية الفترة الإنتقالية وإجراء عرس الصناديق الإنتخابي الذي تتهرب منه أحزاب التسوية مستحيلاً وبعيد المنال.
مما أسلفنا نخلص إلى أن الحالة السودانية لن تحل بإتفاق نقيضين أو مجموعة غرماء سياسيين وإنما الحل موجود ومجرب وبلا آثار جانبية فالشجاعة تقتضي النداء به وهو المصالحة الشاملة فهي الطريق الوحيد الذي يفتح سرداباً آمنا ً للخروج من هذا المأزق التاريخي بحل شامل بعد حوار كامل لكل الناس بلا إستثناء وقتها سيكون طي صفحات التاريخ بمراراتها أسهل بكثير من تسوية ظالمة تبنى على شعار التسوية الذي يتبناه السماسرة في السوق (المال تلتو ولاكتلتو) فإن جرت تسوية وهو أمر مستبعد من واقع الأحداث فهي لا تمتلك أسباب الإستمرار ولا القبول الذي يجعلها تقف أمام تحديات الواقع.