ليس هناك في الأفق مايشئ بوجود انفراجة في عمق الأزمة السياسية في السودان عقب توقيع التسوية الفولكرية٠٠بالعكس زاد المشهد تعقيداً بدرجة كبيرة وكثيفة ومخيفة٠٠فلأول مرة يجمع أهل اليمين وأهل اليسار علي أمر حين اجتمعوا علي رفض التسوية الذليلة٠٠ فالعقلاء منهم استشعروا أن الأمر سيقود البلاد بسرعة جنونية لحافة الهاوية سيما وأن حميدتي سيكتشف بعد قليل أنه تعرض لمؤامرة من مستشاره الرويبضة عرمان قادت لذوبان قواته في الجيش كأحد أهم شروط التسوية التعيسة حينها سيصبح ضابطاً بالقوات المسلحة وبالتالي بإمكان القوات المسلحة أن تحيله للمعاش في تلك اللحظة إما أن يصمت ويبلع الطعم وتنتهي أحلامه الوردية بحكم السودان أو سيحاول أن ينتفض ثائراً لنفسه فيحدث الاشتباك بين الجيش والدعم السريع وهو ما لايتمناه أحد من الشعب السوداني٠٠مثلما اكتشفت قحط أربعة طويلة الساذجة البليدة أن البرهان ((ضقل بيهم)) وهو يردهم للمربع الأول مربع ((أمشوا اتفقوا وتعالوا٠٠٠ ))٠٠الموقف الوحيد المبدئي هو موقف التيار الوطني العريض حيث رفض التسوية من حيث المبدأ بالرغم من كونها حققت له عدة أهداف: أولها قضت علي الشرعية((الثورية)) لقحط فبتوقيع التسوية الفوكرية أضحت قحط شيئاً من التاريخ أو قل نسياً منسياً ولم تعد أحد أطراف العملية السياسية٠٠ومن ناحية أخري فإن التسوية أقصت التيار المتشدد من اليساريين لصالح بعض الأحزاب الصغيرة والشخصيات الباهتة التي لا حول لها ولا قوة داخل أحزابها ٠٠وبالرغم من ذلك فإن التيار الوطني العريض رفضها لأنها صنيعة دخيل أجنبي فرض نفسه بالقوة حاكماً علي السودان بنزعة اقصائية لئيمة تريد أن تفصل الحكم لجهات لا عمق مجتمعي لها ولا أثر٠٠رفضها كذلك لأنها جزء من خطة تطبيق((النيولبرالية)) التي تؤمن بالانسان كائن لا منتمٍ٠٠ كائن بلا هوية بلا أسرة بلا وطن بلا دين بلا قيم٠٠كائن يدور في فلك المصالح دون أي وازع من أخلاق أو قيم أو تقاليد٠٠هذا هو الواقع المعيش بعد التسوية الفوكرية يفرض علي الجميع أن يحكموا صوت العقل وأن ينحازوا لصالح الوطن مرة واحدة بعيداً عن حظوظ النفس٠ولكي يتم ذلك يجب أن يتفق الجميع علي مواصفات من يقود البلاد في المرحلة القادمة٠٠أعتقد أن أهم شرط يجب أن يتوفر فيه هو الشجاعة التي تجعله يعلن بكل صراحة أنه وبعد مضي أربعة سنوات من التوهان آن الأوان أن تتم مصالحة سياسية كاملة غير مشروطة يتفق فيها الجميع علي حكومة تسيير مهام ووضع دستور وسن قانون انتخابات وقيام مفوضية تديرها٠٠وتأجيل كل الأمور الأخري لحكومة منتخبة تقرر في شأنها٠٠هذا الشرط لا أعتقد أنه ينطبق على البرهان وحميدتي فكلاهما فشلا طوال أربعة الأعوام أن ينطقا بكلمة مصالحة شاملة أو يعلنان عن العفو الشامل خوفاً من لسان القحاطة٠٠البلاد بحاجة لمن يجمع كلمة أهل السودان فقد وصلت الأمور بالمواطنين مرحلة حولت حياتهم لشئ أصعب من الجحيم٠٠حاضرة: باستطاعة القوات المسلحة أن تخرج الشعب من ورطته فكل الظروف مواتية لاختراق حاجز الرهبة لإخراج البلاد من وحل الأزمة٠٠ثانية: حجم الهجمة الشرسة علي التسوية الفوكرية كافٍ للتنصل عنها وإبداء الاعتذار عنها للشعب السوداني٠٠آخيرة: ننطلق دوماً من قناعة راسخة بأن هؤلاء القحاطة لن يهنوا بنصر لأن الله لا يهدي كيد الخائنين٠٠٠