في آخر لحظة، تأجل التوقيع على الاتفاق “الإطاري!” بين قوى الحرية والتغيير والمكوِّن العسكري بالسودان، الذي كان مقررا له اليوم السبت، ربما لترتيبات بروتوكولية أكثر منها موضوعية في صلب الاتفاق، وإذا سارت الرياح بما تشتهي السفن فقد يكتمل التوقيع خلال يومين، فما المتوقع بعد ذلك؟الاتفاق الإطاري يحمل خطوطا عريضة في قضايا تبدو من المُسَلّّمات في المشهد السياسي السوداني، وقد يكون عسيرا أن يختلف عليها أحد، مما يجعله مجرد “عربون” بالتعبير الاقتصادي، أو “خطوبة” بالمصطلحات الاجتماعية للاتفاق النهائي الذي يُعد ورقة الارتباط الحقيقية والمحك في مجمل العملية السياسية. الدبلوماسي الأممي “الطمع وَدَّر ما جَمع”.الاتفاق الإطاري الذي يثير الجدل حاليا ليس فيه ما يُختلف عليه، فهو مجرد إعلان مبادئ ربما قُصد به تهيئة سياسية للجان المقاومة والثوار الذين ظلوا يثابرون على الحراك الجماهيري الميداني منذ صباح 25 أكتوبر 2021 لأكثر من عام كامل ويرفعون “لاءات” ثلاثة ضد التفاوض والشراكة مع المكون العسكري، وأرجئت القضايا التي قد تمس الشعور الثوري لتكون في متن الاتفاق النهائي، وعلى رأسها بند العدالة الانتقالية، الذي قد يحمل في طياته حصانة للمكون العسكري هي محل جدل شعبي كبير. وعلى سهولة اتخاذ قرار بالتوقيع على الاتفاق الإطاري لأي مكون سياسي لكونه اتفاق إعلان مبادئ، فإن التوقيع يمنح ميزة المشاركة في صنع الاتفاق النهائي، وهي المهمة التي تتيح لحملة الرأي المخالف ألا يكونوا خارج العملية السياسية، بل والتأثير في أجندة الاتفاق النهائي وتشكيل الحكومة ومؤسسات الفترة الانتقالية بما فيها المجلس التشريعي.من الحكمة أن تقبل قوى الحرية والتغيير المجلس المركزي الجلوس مع نظيرتها “الكتلة الديموقراطية” لتوسيع القاعدة السياسية قبل التسوية النهائية وتشكيل الحكومة، وفي حال التعنت واستمرار الرفض، فإن صافرة الحكم التي تعلن نهاية المباراة لن تسمح بركلات جزاء ترجيحية لتأكيد وحسم فوز أحد الفريقين.. وسيتحقق قول الدبلوماسي الأممي (الطمع وَدر ما جمع)..