تقرير : خاص كواليس
نهاية الاسبوع الماضي أصدر رئيس مجلس السيادة الإنتقالي السوداني عبدالفتاح البرهان، بصورة مفاجئة، قراراً قضى بتجميد نشاط النقابات والإتحادات المهنية والإتحاد العام لأصحاب العمل وفرض السيطرة على أرصدتها المالية، ما يزيح عقبة كبيرة- حسب محللين أمام التسوية السياسية المرتقبة.
كما أصدر البرهان قراراً آخر يقضي بـ”تشكيل لجنة برئاسة مسجل عام تنظيمات العمل بوزارة العدل لتكوين لجان تسيير النقابات والإتحادات المهنية وإتحاد أصحاب العمل.
وأوضح القرار ان اللجان تختص بحصر أرصدة وحسابات النقابات (المالية) داخل وخارج السودان ووضعها تحت السيطرة، وفق بيان لمجلس السيادة ولم يحدد أسباب صدور القرارين.
وتحت ضغط إحتجاجات شعبية منددة بتردي الأوضاع الإقتصادية، عزلت اللجنة الأمنية وقيادة الجيش الرئيس عمر البشير في 11 أبريل 2019.
وفي ديسمبر من العام ذاته قررت لجنة إزالة التمكين وتفكيك نظام 30 يونيو 1989 حل مجالس إدارة النقابات، بإعتبار أنها كانت تحت سيطرة نظام البشير (1989 – 2019).
وتشكلت لجان لتسيير النقابات والإتحادات المهنية خاصة في عهد الحكومة الإنتقالية برئاسة عبدالله حمدوك بين أغسطس 2019 وأكتوبر 2021، ثم أصدر البرهان في السادس والعشرين من ذلك الشهر قراراً يقضي بحل هذه اللجان التسييرية.
لكن بعد صراع قضائي إستمر 3 سنوات قضت المحكمة العليا مؤخرا بإلغاء قرار لجنة إزالة التمكين، وإعادة وضع النقابات إلى ما كان عليه وتمكينها من إختيار مجالسها بصورة ديمقراطية وفقاً لأحكام القوانين المنشئة لها.
ووصف نقابي قرار التجميد بانه “تدخل من جهة تنفيذية في قرار يقضي بعودة النقابات”، بينما إعتبر نقابي آخر ان تجميد النقابات “إجراء طبيعي فالثورة تجاوزتها”، لكنه أعرب عن عدم الثقة بتشكيل لجان تسييرية.
ورجح المحلل السياسي عاصم حمدون- إن التجميد يمثل تنازلاً من البرهان لتحالف قوى إعلان الحرية والتغيير (الائتلاف الحاكم سابقا)- من أجل إنجاح التسوية السياسية المرتقبة بين العسكريين والمدنيين، خاصة وأن التحالف أعلن مراراً رفضه عودة نشاط النقابات السابقة.
وتسعى الآلية الثلاثية في التوصل لاتفاق سياسي بالسودان يتضمن تسوية قد تعيد الأوضاع بالبلاد إلى ماقبل 25 من أكتوبر الماضي
وتعمل الآليتان الثلاثية والرباعية، المكونة من الولايات المتحدة وبريطانيا والسعودية والإمارات، على إعداد تسوية سياسية بين العسكريين والمدنيين، على أساس مشروع دستور انتقالي أعدَّته نقابة المحامين تم الإتفاق على توقيع إتفاق إطاري الإثنين القادم.
وسلمت لجنة تسيير نقابة المحامين في العاشر من سبتمبر الماضي إلى الآلية الثلاثية “مشروع الدستور الإنتقالي للعام 2022”.
والمشروع يتضمن “طبيعة الدولة وسيادة الدستور وحكم القانون ووثيقة الحقوق والحريات الأساسية ومهام الفترة الإنتقالية ونظام الحكم الفيدرالي وهياكل السلطة الإنتقالية وتكوينها”.
وقال الكاتب والمحلل السياسي عبدالحميد عوض ل(كواليس) إن “قرارات البرهان بشأن النقابات والإتحادات المهنية جزء من التفاهمات السياسية بين العسكريين والمدنيين لحل الأزمة في البلاد”.
ورجح عوض ان “قوى الحرية والتغيير التي (قادت الإحتجاجات حتى عزل البشير) إشترطت على العسكريين إتخاذ خطوات إيجابية بخصوص القرارات التي إتخذتها لجنة إزالة التمكين ومحاربة الفساد بشأن النقابات والإتحادات المهنية”.
خطوة البرهان الجديدة تأتي في وقت يشهد فيه السودان بوتيرة أسبوعية منذ 25 أكتوبر 2021 إحتجاجات شعبية تطالب بحكم مدني كامل وترفض الإجراءات الاستثنائية، بالإضافة لمواكب الكرامة التي تنظمها مبادرة أهل السودان ويشارك فيها الآلاف من أنصار التيار الإسلامي رفضاً للتسوية السياسية.
وتابع عبد الحميد عوض “البرهان أراد تقديم تنازلات لقوى الحرية والتغيير تمهيداً لإنجاح التسوية السياسية المرتقبة. وقراراته جاءت مجافية لقرارات القضاء وكان عليه إحترامها وإستئنافها عبر اللجوء إلى القضاء”.
أما الأمين العام للنقابة العامة للنقل (مجمدة)، رئيس المجلس التنفيذي للإتحاد العربي للنقل، يوسف جماع فوصف قرار البرهان بانه “دكتاتورية واضحة وتدخل سافر ومعيب من جهة سياسية وتنفيذية في قرار قضائي”.
وأوضح جماع أن “مهمة الإتحادات تنظيم نشاط منسوبيها ومرجعيتها الأساسية هي قوانين منظمة العمل الدولية وقانون نقابات العمل لعام 2010”.
وتابع تن “النقابات لم تلجأ إلى المظاهرات بل لجأت إلى القانون، وأصدرت المحكمة العليا قرارا يقضي بعودة التنظيمات النقابية، وعلى الدولة عدم التدخل فيها بقرارات سياسية أو تنفيذية”.
وأضاف “عندما يتدخل الجهاز السياسي في قرارات قضائية فعلى الدنيا السلام، والمشكلة لا تكمن في الدولة بل في الدكتاتورية الواضحة”.
وحذر جماع من ان “قرار البرهان سيخلق عداوة بين منظمة العمل الدولية ومنظمة العمل العربية والأفريقية وتنظيماتها، والمنظمة الدولية سترفض أي تنظيمات تنشأ خارج إطارها سواء كانت لجان تسيير أو تنظيمات نقابية”.