المتابع للمشهد السياسي السوداني يلحظ ان الأمور وصلت لمرحلة يصعب فيها التكهن بمآلات مستقبل البلاد ويصعب التنبوء بما يحدث في الساحة السياسية.حتى الخبراء والمحللين السياسيين أصبحت إستضافاتهم بالقنوات الفضائية تحصيل حاصل لا تضيف للمشاهد والمستمع شيئاً بل تصيبه بالدوار في كثير من الأحيان، ويرجع ذلك للغموض الذي يكتنف الساحة السياسية.
(الدوشة) السياسية التي دخلت فيها البلاد سببها الرئيسى صراع المحاور الذي قضى على الإرادة الوطنية وجعل البلاد مستعمرة تتنازع عليها المحاور، لذا فالتخبط الذي يقع فيه قادة الدولة يرجع لسبب أساسي هو أنهم يفتقدون للإرادة وإستقلال القرار وأصبحوا رقع شطرنج في أيدي المحاور المتناحرة التي إنقضت على البلاد في غفلة من الزمان.رئيس مجلس السيادة- عبد الفتاح البرهان تؤثر فيه مصر بصورة كبيرة فما أن يذهب للقاهرة حتى يعود للبلاد بقرارات تربك المشهد السياسي.
مشروع مصر كما هو معروف هو معاداة الإخوان وصناعة حكومة (مروضة) تدين لها بالولاء وجيش (قوي) في آن واحد لأن أي (زكام) في الخرطوم سيجعل القاهرة (تعطس)- أضف لذلك فمصر تريد من حكومة السودان الصمت عن قضية حلايب وشلاتين بالإضافة للإستفادة من موارد السودان وتهريب منتجاته ومواده الخام وتصديرها إنابة عنه.. وهنالك قضية محورية لمصر هي جيش واحد وقوي بالسودان، وليس سراً أن مصر ترفض وجود الدعم السريع كقوة موازية للجيش وتسعى لتفكيكه بكل السبل. وسبق أن سرت أحاديث عن إستعداد مصر لضرب الدعم السريع حال إشتباكه مع الجيش!!.
الرجل الثاني في الدولة محمد حمدان دقلو (حميدتي) قائد قوات الدعم السريع- تعول عليه الإمارات كثيراً في تنفيذ مشروعها في السودان وتعتبره رجلها الأول وتعمل على دعمه ليصبح رئيساً للبلاد.ومعلوم أن إمبراطورية الرجل المالية مركزها دبي التي أصبحت المتحكم الأول في الشأن السوداني ط، ومشروع الإمارات الرئيسي هو تفكيك الجيش السوداني وتقوية المليشيات والحركات المسلحة ووجود حكومة هشة تدين لها بالولاء وتمكينها من الظفر بموانيء البلاد- بعد أن نهبت كل ذهب السودان.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن مشروع الإمارات ومصر لا يلتقيان البتة.
أمريكا ودول الإتحاد الأوربي التي تدعم (قحت) والأحزاب اليسارية تحت ستار الديموقراطية وتسعى ليل نهار لتفتيت البلاد وتمزيق وحدتها وتغيير هويتها تحت ستار الحرية والديموقراطية لذلك بذلت مليارات الدولارات لإسقاط نظام الإنقاذ وحينما ذهبت الإنقاذ أتت بعملائها الذين كانوا يعملون (مخبرين) وسائقي تاكسي وحراس بنايات وعمال في حانات باريس ولندن وموظفين أممين اتت بهم حكاماً ووزراء خلال فترة (قحت) الأولى فأحرقوا الحرث والنسل وقضوا على أخضر الإقتصاد ويابسه وسعوا لتغيير هوية ودين البلاد.وتسعى دول الإتحاد الأوروبي الآن عبر الثلاثية والرباعية لإعادتهم بتسوية سياسية لتكملة مابدأوه من هدم لتنفيذ مشروعها المتمثل في تقسيم السودان لدويلات ولا يتم تنفيذ هذا المخطط إلا بتمكين العملاء من مفاصل الدولة!!.
المملكة العربية السعودية التي أصبح سفيرها المتحكم الأساسي في تفاصيل العملية السياسية وضيف على البرامج الإجتماعية بطول البلاد وعرضها مستقلاً دناءة وشره القادة السياسيين للمال .. مشروع السعودية هو محاربة التيار الإسلامي وعدم عودة الإخوان للسلطة – وبالمقابل الحفاظ على مشاركة القوات السودانية في تحالف عاصفة الحزم – لذا نجده السعودية تقف على مسافة واحدة بين البرهان وحميدتي وتسعى لعدم حدوث صدام بين الرجلين..
وبالمقابل تدعم أحزاب اليسار بشدة حتى لا يقترب الإسلاميين من السلطة.فولكر والثلاثية والسفير الأمريكي هم رأس الحية في تنفيذ مخطط تفتيت السودان وتغيير هويته- يستغلون إمكاناتهم وسلطاتهم لتركيع الساسة بإستخدام عصا التخويف للعسكر وجزرة المال والوعود للأحزاب السياسية وفي غياب الإرادة الوطنية أصبحوا المتحكم الأساسي في شأن البلاد.
أما قادة الحركات المسلحة فكل همهم هو المشاركة في السلطة ولو على جماجم الشباب وأنقاض الأحزاب- يسايرون جميع المحاور وينفذون كل الأجندة مادام ان مقاعدهم في السلطة ونسبتهم من الثروة موجودة ومحفوظة ولا يستطيعون رفض أي موجهات خارجية لأنهم يسددون فاتورة دعم المحاور لهم إبان فترة التمرد ومن يدفع فاتورة الحفل من حقه ان يختار اللحن!!.
بقية الأحزاب السياسية المشاركة في الحوار والتي تسعى للمشاركة في السلطة باي ثمن فقد أشارت السفارات قادتها منذ وقت بعيد وجعلتهم لا يستطيعون أن يرفعوا رؤوسهم أمام مموليهم ويبصمون بالعشرة على كل توجيه ولو فيه تفتيت وذهاب الوطن!!.
هنالك دول كانت فاعلة في المشهد السياسي خلال فترة حكم الإنقاذ مثل: تركيا، الصين، روسيا، قطر ودول الخليج الآن إنتهى دورها تماماً وأصبحت في مقاعد المتفرجين على مايحدث في السودان.. تحكمهم العلاقات الدبلوماسية والمصالح المشتركة ولكن ليس لهم تاثير في المشهد السياسي.
أما الأفارقة الذين تفيض العاصمة بسفاراتهم فهؤلاء كما يقول المثل (لا في العير ولا في النفير).من خلال هذه المعطيات وفي ظل غياب الإرادة الوطنية وخنوع قادة البلاد وساستها والفوضى التي تضرب بأطنابها البلاد والسفراء الذين يسرحون ويمرحون في تفاصيل الشأن السوداني دون حسيب أو رقيب.. جميع هذه المعطيات أدت لضياع هيبة الدولة وستجعل مستقبل السودان في خطر محدق وستفتح الباب لأسوأ الاحتمالات.
رئيس تحرير صحيفة كواليس