وكالات : كواليس
عمان – يروي الفيلم الوثائقي الدرامي “سيدي نجيب.. من سجل البطولة” حكاية البطل الأردني نجيب سعد العلي البطاينة، الذي هجر وطنه ليقاتل رفقة رجال الثورة الليبية ضد الاستعمار الإيطالي، قبل أكثر من قرن، ونال الشهادة هناك ولقبه رفقاء السلاح وأحرار ليبيا باسم “سيدي نجيب” وأقاموا له ضريحا في منطقة “المسوس” القريبة من بنغازي.
وعرض الفيلم ضمن سلسلة فعاليات إربد “عاصمة للثقافة العربية” -كما أعلنتها منظمة الأمم المتحدة للثقافة والعلوم (اليونسكو) للعام 2022- وكتبت النص والحوار والسيناريو الفنانة عايدة الأميركاني، وأنتجه وأشرف عليه وصفي الطويل، وأخرجه ناجي سلامة. وجاءت فكرة العمل من عايد علقم.
وقصته تدور حول واحد من الشهداء المنسيين في تاريخنا البطولي الذين لم تسلط عليهم الأضواء، وهو “البطاينة” الذي نال الشهادة التي تمنّاها عام 1914 مقاتلا صلبا لا يلين ولا يهادن رغم بطش جنود الجيش الإيطالي.
ويتناول الفيلم الوثائقي قضية التربية المجتمعية والعائلية، وحسب تفاصيله فإن الشهيد البطاينة عاش في بيئة مناضلة، فوالده له صولات وجولات ضد الاستعمار الفرنسي والبريطاني في سوريا وفلسطين، وقدم خدمات للمناضلين عبر تسليحهم وإيوائهم.
التربية تصنع أبطالا
وحسب ما قالت كاتبة النص والحوار والسيناريو (الأميركاني) للجزيرة نت، فإن الأصل في انضمام الشهيد البطاينة للمقاومة الليبية يعود إلى جذور تربيته على يد والده، وهي تربية وطنية عروبية قومية، إذ عرف عن البطاينة الأب توجهه القومي ووقوفه الدائم مع إخوانه العرب ضد الاستعمار الأوروبي، ممّا جعل من الابن رجلا وبطلا قوميا و”التربية الجيدة تصنع الرجال” كما تقول الكاتبة.
وحسب مضمون الفيلم فقد شارك البطاينة من خلال الجيش العثماني في مقاومة الغزاة الإيطاليين، وعندما انسحب العثمانيون وتركوا ليبيا رفض الانسحاب وبقي مع إخوانه الثوار الليبيين يقاوم حتى نال الشهادة.
وتشير بعض المصادر -كما تقول الأميركاني- إلى مشاركة البطاينة في بعض المعارك التي قادها المناضل عمر المختار، كما شارك الزعيم الليبي أحمد شريف السنوسي في معاركه.
توثيق الأحداث
وحول موضوعية التناول الوثائقي، قالت الأميركاني إنها استندت إلى مصادر موثوقة ومؤكدة، تتركز على البعد القومي والعروبي، وكانت التفاصيل محاولات جادة وجهودا كبيرة ومكثفة للوصول للمعلومة الدقيقة للمعارك التي شارك فيها أو تفاصيل حياته.
وبما أن “سيدي نجيب.. من سجل البطولة” وثائقي درامي وليس وثائقيا مجردا، فقد تم إدخال الخيال الإخراجي في بعض التفاصيل، فمثلا لا نعرف كيف ودّع الوالد البطاينة ابنه، ولا نعرف بدقة تفاصيل مشهد الوداع، لذا تم تسجيله بناء على تصور الكاتب والمخرج وحوارات الفيلم محض تأليف لا تستند إلى تفاصيل وثائقية لأن قصة بطلنا منسية، ولا توجد مراجع كثيرة تذكر تفاصيل حياته ومسيرته.
مرحلة تراجع قومي
والمؤكد أن البطاينة درس في الكلية العسكرية بإسطنبول وأصيب في المعارك واستشهد في معركة “المسوس” قرب بنغازي برصاص الإيطاليين، وحزن الليبيون على فراقه فجعلوا له ضريحا في موقع استشهاده ولقبوه بسيدي نجيب.
وأي درب نضال لا يخلو من جانب إنساني، ولهذا لم يستطع الفيلم تجاوز وجود المرأة في حياة البطاينة، فقد تزوج أولا من الفتاة الأردنية “عشبة” وفي ليبيا تزوج من “فايزة” من منطقة “المسوس” وحسب ما أوضحته الأميركاني، كان للمرأة حضور، ولكن لأن “البطاينة” كان يعرف أن روحه على كفه أعاد زوجته الثانية إلى الأردن، وعاد إلى صفوف الثوار في ليبيا ليفارق الحبيبة دون أن ينجب ويستشهد بعيدا عنها وعن أهله.
وقالت الأميركاني “طالما ارتبط الماضي بالحاضر، والآن نعايش مرحلة التراجع القومي والعروبي والتمزق الذي يقودنا إلى الهاوية، فمن الضروري التركيز على بطولات كهذه اتسمت بالبعد الوحدوي والقومي والعروبي، علّها تكون حافزا أو عبرة وقدوة للأجيال القادمة” بحسب تعبيرها.
مصداقية وخيال
قال مخرج الفيلم الوثائقي إنه لجأ لفلسفة التقاطع بين الواقع والخيال، ممّا يعزز القيام بإيصال الفكرة أو الشعور أو الحالة المطلوبة عن طريق تعزيز المشهد الأرشيفي بمشهد درامي ليس واقعيا، ولكنه ينسجم مع الواقع” وأضاف سلامة “هذا الدمج يوصل الرسالة بقوة أكثر من مجرد السرد والاعتماد على الأرشيف ويقتل الملل لدى المشاهد”.
واعتبر المخرج أن الخيار الأول هو سرد وذكر فقط لما هو موثق فعليا وله دليل قطعي، بينما الخيار الثاني إعمال الخيال والافتراض بناء على طبيعة وفكر وشخصية وعقل الشخصية التي تتحدث عنها، وفي “سيدي نجيب” تم اللجوء للخيار الثاني وهو لا يبتعد عن المصداقية ولكنه يسترسل في الخيال.
المخرجون ليسوا قضاة
وحول ما يقال إن بعض المخرجين ينصبون أنفسهم قضاة على محطات تاريخية معينة، قال سلامة “لا أعتقد أن من حق أحد أن ينصّب نفسه قاضيا أو يفرض رأيه الشخصي تجاه الشخصية أو الأحداث التي يتناولها العمل الفني، ومن وجهة نظري فعلى المخرج الوثائقي أن يكون بالقدر الممكن حياديا سواء أحب الشخصية أو كرهها أو راضيا عن الحقائق أو لم يكن، الموضوعية والمصداقية هما الأساس في الأفلام الوثائقية، وهذا ما عملنا عليه”.
وبسؤال المخرج عن مستقبل الأفلام الوثائقي، أجاب “المستقبل لما هو جديد وتجديد، وليس فقط الوثائقي الدرامي أو الوثائقي أو الدرامي، فالعالم يصغر ويضيق والتنافس يشتد، والمستقبل للأقوى إبداعيا”.
أما بطل الفيلم زيد السيوف فأعرب عن اعتزازه بأداء دور بطل من أبطال الأردن هجر مباهج الدنيا ورحل عن وطنه وزوجته ليقاتل في صفوف الثوار الليبيين ضد الاستعمار الإيطالي، وينال الشهادة هناك “كيف لا.. إنه واحد من بلدي” يقول السيوف.
الشخصية بطل استثنائي
وقال السيوف إنه بحث طويلا عن شخصية البطاينة ليجسدها بما يليق ببطل استثنائي وقامة قومية ونضالية، بمساعدة من الكاتبة والمخرج، مشيرا أنه تحدى نفسه لدرجة أنه تخيل نفسه وكأنه في معركة حقيقية “ثورجي يطلق رصاصاته لصدر المحتل.. حتى عيوني كانت تشع غضبا ورغبة في الثار”.
وقال إنه حاول -من خلال شخصية البطل الشهيد- التعبير عن المشاعر التي تسكن في أعماق مناضل مطارد يعيش في كهف ورفقاء السلاح يتشاركون الهم الوطني والهدف ولقمة العيش، يرصد العدو تحركاته وينتظر الشهادة كل لحظة “إنها تجربة صعبة لكنها جميلة”.
يذكر أن “سيدي نجيب.. من سجل البطولة” هو الثاني الذي تقوم بكتابته الفنانة الأميركاني، وسبقه الوثائقي “القدس ليست بعيدة” الذي فاز بجائزة أفضل سيناريو في مهرجان الرباط السينمائي مؤخرا.
ومن جهة أخرى تستعد الأميركاني لإحياء اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني يوم 29 من الشهر الحالي، بالمركز الثقافي الملكي وسط عمّان، بقصائد لكبار الشعراء الراحلين سميح القاسم ومحمود درويش وشهلة الكيالي، ومشاركة الشعراء يوسف عبد العزيز وعلي البتيري وضحوك الداوود، مع أوركسترا بقيادة الموسيقار عبد الحليم الخطيب وإخراج محمد دراج.