وكالات : كواليس
موسكو- بوتيرة سريعة تتواصل عمليات إخلاء المدنيين من مقاطعة خيرسون والمناطق المحيطة بها، في سياق الاستعدادات التي تجريها القوات الروسية تحسبًا لعملية عسكرية أوكرانية مرتقبة، وأعلنت كييف أنها ستكون لاستعادة السيطرة على المنطقة التي تسيطر عليها القوات الروسية، وشهدت أواخر سبتمبر/أيلول المنصرم عملية استفتاء أفضت إلى انضمامها لروسيا.
وفي ما قد يكون مؤشرًا على حتمية وضراوة المعارك التي قد تشهدها خيرسون، لم تقتصر الإجراءات الروسية على إخلاء المدنيين، بل طالت بعض المعالم الأثرية كتمثال مؤسس البحرية الروسية فيودور أوشاكوف، والنصب التذكاري للقائد العسكري الشهير ألكسندر سوفوروف، لوجود خطر بتعرض المعالم التاريخية في المنطقة لأضرار أثناء القصف والهجمات.
وفي الآونة الأخيرة، دعت سلطات خيرسون السكان إلى مغادرة الجزء الواقع على الضفة اليمنى من المنطقة إلى الضفة اليسرى لنهر دنيبرو، والانتقال من هناك عبر القوارب إلى أليوشيكي وغولي بريستان، وهو ما انطبق أيضًا على جميع إدارات ووزارات الإدارة المدنية.
أوقات عصيبة
ويرى مراقبون روس أن خيرسون والمناطق المحاذية لها باتت على وشك أن تشهد معركة هي الأهم والأبرز والأكثر ضراوة في الحرب الروسية على أوكرانيا، وأن أوقاتا صعبة تنتظرها، نظرًا للأهمية الإستراتيجية والاستثنائية للمنطقة لطرفي الحرب.
وحسب محلل الشؤون العسكرية ألكسي سكوريكوف، فإنه نتيجة للظروف الراهنة فقد أصبح من شبه المستحيل أن تواصل روسيا عملياتها العسكرية في أوكرانيا من دون إحداث تغييرات في تكتيكات وإستراتيجيات الحرب، في ضوء الهجمات التكتيكية الأخيرة للقوات الأوكرانية.
ووفقًا له، فإن إعلان حالتي الحرب والأحكام العرفية مؤخرا سيمنح القوات الروسية فرصة استخدام أي سلاح، باستثناء الأسلحة النووية والكيميائية والبكتريولوجية، بعد أن كانت قبل ذلك “تقاتل بحذر وبإمكانات محدودة لتحقيق أهداف معينة، وباستخدام فقط ما يقرب من ثلث جميع أنواع الأسلحة”، حسب تعبيره.
ضربة مزدوجة
ووضع الخبير الروسي الاتهامات المتبادلة بين واشنطن وكييف بإرسال إيران خبراء إلى منطقة القرم لمساعدة الجيش الروسي في تشغيل طائراتها المسيرة؛ في سياق الحرب الإعلامية، ومحاولة كل من أوكرانيا والولايات المتحدة “استخدام هذه الادعاءات في سياق التوترات القائمة أصلا بين واشنطن وكييف من جهة، وموسكو وطهران من جهة أخرى”.
ورغم ووجود نفي إيراني رسمي لهذه المعلومات، يتساءل سكوركوف عن الأسباب التي تمنح أوكرانيا الحق في الحصول على طائرات مشابهة من تركيا، في الوقت الذي يتم فيه تجريم إيران على ممارسة الشيء نفسه مع روسيا، مؤكدا أنه في حال وجود تعاون عسكري روسي إيراني يرقى إلى مستوى دخول طهران على خط الحرب مع أوكرانيا، فإن إخفاء ذلك لن يدوم فترة طويلة.
مواجهة في الفضاء
وبموازاة ذلك، أتاح التلاسن الأخير بين موسكو وواشنطن تسليط الضوء على ملف الحرب الإلكترونية وحرب الأقمار الصناعية اللتين برزتا مؤخرا، بعد أن تبادل الطرفان الاتهامات بإجراء تجارب تحاكي ضرب أقمار صناعية للخصم.
ويأتي ذلك بعد أن أعلنت وزارة الدفاع الروسية أن قوات الفضاء التابعة لها أجرت مطلع الشهر الماضي تجارب مع أقمار صناعية أجنبية في مدارات حول كوكب الأرض.
وقالت الوزارة إن المتخصصين في المركز الرئيسي لاستخبارات الفضاء “أبدوا اهتمامًا خاصًا برصد حالة الكوكبة المدارية لأنظمة الفضاء الأجنبية، فضلا عن إجراء تجارب في المدارات مع المركبات الفضائية التابعة لدول أجنبية”، وإن نظام الإنذار بالهجوم الصاروخي الروسي ووسائل أخرى للتحكم في الفضاء وأنظمة الدفاع الجوي كشفا عن أكثر من 150 عملية إطلاق للصواريخ الباليستية والفضائية الأجنبية والمحلية.
وفي ردها على ذلك، قالت الولايات المتحدة إن البرامج المضادة للأقمار الصناعية التي تطورها روسيا مقلقة لجهة استخدامها كأهداف، محذرة من أن أي هجوم روسي على الأقمار الصناعية الأميركية سيواجه برد من واشنطن.
حرب الأقمار الصناعية
لكن خبراء روسا يرون أن تجارب وزارة الدفاع الروسية جاءت في واقع الحال كرد على قيام البلدان الغربية بتوريد أنظمة الحروب الإلكترونية إلى كييف، وأن الوقت قد حان لاستخدام سلاح الأقمار الصناعية في النزاع مع أوكرانيا.
ويوضح الخبير العسكري والإستراتيجي فيكتور ليتوفكين أنه من أجل تدمير محطات التشويش المتوقع تسليمها لأوكرانيا، فإنه يجب على القوات الروسية استخدام الأقمار الصناعية، وبما أنه من المرجح أن تنشر أنظمة الحرب الإلكترونية بالقرب من البنية التحتية الحيوية لأوكرانيا، فبالتالي لن يكون من الصعب تعقبها.
علاوة على ذلك، يؤكد ليتوفكين في حديث للجزيرة نت أن ضربات القوات المسلحة الروسية على البنية التحتية للطاقة في أوكرانيا كان لها تأثير حساس للغاية على إمدادات الأسلحة من الدول الغربية، كونها تعتمد بشكل مباشر على تشغيل السكك الحديدية ومحطات الوقود، وأنه في حال انقطاع التيار الكهربائي في أوكرانيا فإن نقل الإمدادات سيصبح شبه مستحيل، حسب تعبيره.
سيف ذو حدين
أما الخبير العسكري ألكسي أنبيلوغوف فيرى أن اتخاذ قرارات تدمير الأقمار الصناعية للخصم يجب أن يؤخذ بأقصى درجات الحذر والوعي بالعواقب، التي ستكون حتمية -حسب رأيه- في حالة وقوع هجوم على مركبة فضائية أميركية.
ويتابع أنه سيكون من الأصح زيادة روسيا عدد أقمارها الصناعية لتزويد قواتها بمعلومات استخبارية عالية الجودة، لأن استهداف الأقمار الصناعية سيف ذو حدين.
نهاية عصر الهيمنة
ويشير أنبيلوغوف إلى أن كوكبة الأقمار الصناعية الأميركية كانت تهيمن على الفضاء، متفوقةً بذلك على روسيا والصين، لكن ميزان القوى في الفضاء في الوقت نفسه بدأ يتغير بسرعة، موضحا أن الأقمار الصناعية التي تحمل نقش “صنع في الولايات المتحدة” لم تعد مهيمنة، فبعد أن أسقطت الصين قمرها الصناعي القديم بصاروخ عام 2017، أصبح من الواضح أن التفوق العددي في المدار لا يعني شيئًا لأنه يمكن إسقاط أي قمر صناعي، حسب قوله.
تجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن موضوع الأقمار الصناعية تنظمه معاهدة الفضاء الخارجي الموقعة من قبل الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي السابق، ولاحقا روسيا، ووفقًا لهذه المعاهدة فإن الهجوم على قمر صناعي حتى لو كان عسكريًا يعني إعلان الحرب.