وكالات : كواليس
تونس- مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية في تونس المقررة في 17 ديسمبر/كانون الأول القادم، تتجه جبهة الخلاص المعارضة للرئيس قيس سعيّد إلى التصعيد والتعبئة الشاملة لإفشال ما تعدّه مسارا “انقلابيا”، في وقت يرى فيه البعض أن تأزم الأوضاع يتطلب حوارا وطنيا لإنقاذ البلاد.
وكشف زعيم جبهة الخلاص السياسي المخضرم نجيب الشابي، في اجتماع شعبي الأحد بمحافظة قبلي جنوبي البلاد، عن الشروع في تحركات ضد قيس سعيد، والهدف كما يقول “غلق قوس” ما تعدّه جبهة المعارضة انقلابا على الشرعية الدستورية ومحاولة لإرساء حكم الفرد.
وجبهة الخلاص ائتلاف سياسي تكوّن بعد نحو 7 أشهر من إعلان الرئيس قيس سعيد تدابيره الاستثنائية في 25 يوليو/تموز 2021 التي ألغى بموجبها البرلمان وأقال الحكومة السابقة وحكم البلاد بقبضته إلى الآن بمراسيم رئاسية تدخّل من خلالها في هيئة الانتخابات والقضاء وغيرهما.
وتجمَع جبهة الخلاص شخصيات ومنظمات وأحزاب سياسية صغيرة تشكّلت بعد الثورة، لكن عمودها الفقري وثقلها السياسي يكمن في حركة النهضة الإسلامية صاحبة الأغلبية في البرلمان السابق، والحزب الأكثر قدما وامتدادا شعبيا، والذي حكم البلاد ضمن ائتلافات منذ سنة 2011.
تسارع وتيرة التحركات
وحول أجندة تحركاتها القادمة، يقول القيادي بحركة النهضة وعضو جبهة الخلاص رياض الشعيبي إن الجبهة ستقود في الأسابيع المقبلة اجتماعات للتعبئة في جهات عدة، والمحطة المقبلة ستكون يوم السادس من نوفمبر/تشرين الثاني بمحافظة سيدي بوزيد مهد الثورة التونسية ورمزها.
ويضيف الشعيبي -للجزيرة نت- أن وتيرة التحركات ستتزايد مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية التي تُقاطعها أغلب وأبرز الأحزاب الوازنة كحركة النهضة وخصمها الأيديولوجي الحزب الدستوري الحر سليل حزب النظام السابق، وغيرهما من الأحزاب الاجتماعية والوسطية وحتى اليسارية.
وستعقد قيادات جبهة الخلاص اجتماعات شعبية في محافظة سوسة الساحلية يوم 11 نوفمبر/تشرين الثاني، تتبعها اجتماعات في محافظتي الكاف بالشمال الغربي وبنزرت بالشمال، ثم تتوّج بمسيرة احتجاجية في العاصمة تزامنا مع القمة الفرنكوفونية يومي 19 و20 نوفمبر/تشرين الثاني.
والهدف، حسب الشعبي، هو تبنّي كل مطالب التحركات الاجتماعية ضد الغلاء وفقدان المواد الأساسية، وضد سياسات الرئيس سعيّد التي “قادت البلاد إلى الانهيار”، لافتا إلى أن التحركات الاحتجاجية تعمل على جذب أنظار العالم لما يحدث في تونس من انحراف بالديمقراطية وإرساء للدكتاتورية.
جدوى الاحتجاجات
وحول جدوى هذه التحركات بينما يمضي الرئيس قدما في مشروعه، يؤكد الشعيبي أن ما تقوم به جبهة الخلاص “هو ما يمليه عليها ضميرها المدني للتمسك بالمسار الديمقراطي”، معتبرا أن توسع رقعة الاحتجاجات دليل واضح على أن الرئيس فقد شعبيته وأن الشعب بدأ يسأم خطابه وسياساته.
وقال “أعتقد أن توسع التحركات دليل واضح أن الشعب بدأ يلتف شيئا فشيئا حول المعارضة الديمقراطية، وهذا سيخلق فارقا نوعيا في جدوى الاحتجاجات ونجاعتها”، مؤكدا أن جبهة الخلاص حسمت معركة الشارع مع الرئيس “الذي لم يعد لديه أي أنصار يتظاهرون لدعمه شعبيا”.
وفي ظل تصاعد احتجاجاتها وآخرها المظاهرة الحاشدة وسط العاصمة بذكرى عيد الجلاء الوطني يوم 15 أكتوبر/تشرين الأول، تبوأت جبهة الخلاص صدارة المعارضة، لكن الشعيبي يؤكد أن الاتصالات لم تتوقف مع بقية القوى لبلورة بديل مشترك ضد مشروع الرئيس.
ويشدد على أن المعارضة ليست مشتتة كما يعتقد البعض، وأن جبهة الخلاص ستكثّف اتصالاتها للتعبئة الشاملة ضد مسار الرئيس خاصة أن قوى المعارضة متفقة على أن ما يحدث هدم للديمقراطية وتخريب لمؤسسات الدولة، وهي تقاطع الانتخابات وتدعو لانتخابات برلمانية مبكرة.
انتخابات بلا تنافس
من جهته، يقول القيادي بجبهة الخلاص رضا بالحاج، وهو أحد المستشارين السابقين للرئيس الراحل الباجي قايد السبسي، إن مقاطعة الانتخابات من أغلب الطيف السياسي تعد بحد ذاتها فشلا ذريعا لمشروع الرئيس سعيّد لأنه لا معنى للانتخابات في غياب أي تنافس بين الأحزاب.
ويتساءل: “من أين سيستمد الرئيس أو البرلمان القادم شرعيته لاتخاذ قرارات موجعة فيما يتعلق بإصلاح المالية العمومية وفي غياب أي حزام سياسي يسنده؟”، متوقعا أن يمضي الرئيس قيس سعيد إلى مأزق حقيقي في الأسابيع أو الأشهر القليلة القادمة مع استمرار تدهور الأوضاع.
ويرى بالحاج أن الرئيس فشل في إدارة شؤون الدولة نتيجة أسلوبه الانفرادي الذي تسبّب في تدهور صورة تونس وانعدام ثقة الخارج بمؤسساتها، منتقدا أيضا أداء الحكومة في إدارة الأزمة رغم تكرر الاحتجاجات الاجتماعية لا سيما المرتبطة بضحايا ظاهرة الهجرة غير النظامية.
ويؤكد بالحاج أن جبهة الخلاص المعارضة نجحت في تعبئة الشارع مرات عدة وآخرها في المسيرة الاحتجاجية الأخيرة يوم 15 أكتوبر/تشرين الأول، مضيفا أنها ستواصل تحريك الشارع وإشعاره بمخاطر مشروع الرئيس على وضعه الاجتماعي والاقتصادي ولاستعادة الديمقراطية المغتصبة.
فقدان ثقة الناس
من جهة أخرى، يقول الناشط السياسي أحمد الكحلاوي، أحد الذين دعموا في البداية مسار الرئيس في يوليو/تموز 2021، إن جبهة الخلاص المعارضة ليست سوى غطاء تحتمي به حركة النهضة لإعادة إنتاج نفسها بعدما فشلت في إدارة الحكم طوال العشرية المنقضية.
ويضيف الكحلاوي -للجزيرة نت- أن أبرز الشخصيات التي تتصدر المشهد في جبهة الخلاص، مثل السياسي المخضرم نجيب الشابي، لا تشكّل أي وزن سياسي أو تأثير جماهيري، مستبعدا أن تنجح هذه الجبهة في تعبئة الشارع من خارج أنصار حركة النهضة لفقدان الناس الثقة بالتغيير.
ويؤكد أن منسوب الثقة انخفض لدى داعمي مشروع الرئيس قيس سعيد الذي كانت استجابته ضعيفة لمطالبهم أو بالنسبة لمن حكموا البلاد خلال العُشرية الماضية على حد السواء، متوقعا أن تشهد الانتخابات المقبلة “عزوفا مخجلا” جراء حالة الإحباط التي يشعر بها التونسيون.
ولم يتبقّ لتونس من أجل الخروج من أزمتها المستفحلة، وفق تقديره، سوى تقديم التنازلات من مختلف الأطراف والمضي قدما نحو تنظيم حوار وطني للتباحث والتوافق حول السبل الكفيلة لإخراجها من خطر الانهيار، لا سيما في ظرف عالمي متأزم سمته الأولى غلاء الطاقة والحبوب.