وكالات : كواليس
القاهرة – صدقة جارية وباب للذكرى ورافد تثقيف للمجتمع؛ في سبيل ذلك تعرف مكتبات أدباء ومشاهير واراهم الثرى بمصر طريقها إلى مواقع استقبال التبرعات الثقافية بالبلاد، ويقاوم ذلك التقليد رواج المكتبات الإلكترونية وتغوّل الرقمنة على عالم الكتب.
وكانت أعلنت أسرة رئيس اتحاد المحامين العرب ونقيب محامي مصر الراحل رجائي عطية في منتصف أكتوبر/تشرين الأول أن “مكتبة الفقيه القانوني الراحل ستكون صدقة جارية على روحه وستكون في متناول الجميع”.
ووفق رصد قام به مراسل ;كواليس، فقد تنوعت مواقع استقبال التبرع الثقافي في مصر ما بين المؤسسات الرسمية كدار الكتب المصرية ومكتبة الإسكندرية ومجمع اللغة العربية (مجمع الخالدين) والمكتبة المركزية للأزهر الشريف، ومكتبات الجامعات، والمكتبات الخاصة، والمتاحف الثقافية، فضلا عن بيوت الراحلين أنفسهم التي يفضل البعض أن تفتح لاستقبال محبّيهم والاطلاع على كتبهم في مكانها.
دار الكتب المصرية
وتعدّ دار الكتب والوثائق المصرية بالعاصمة القاهرة من أبرز مواقع استقبال التبرعات الثقافية، وتخصص دورين من طوابقها الثمانية للمكتبات الخاصة وبالتحديد في الطابقين السابع والثامن.
وحسب مسؤول سابق بالدار تحدث للجزيرة نت، فإن العديد من المكتبات الخاصة بكبار الأدباء والمشاهير والمؤسسات توجد في الدورين السابع والثامن من الدار، ومنها مكتبة الأديب توفيق الحكيم (1898-1987م)، والكاتب والناقد عباس العقاد (1889-1964م)، والأديب أحمد تيمور باشا (1871-1930م).
وفي عام 2017، تبرعت الناقدة وأستاذة الأدب الشعبي نبيلة إبراهيم قبل رحيلها بمكتبتها ومكتبة زوجها الراحل الناقد والأكاديمي عز الدين إسماعيل التي تضم مجموعات الأعمال الكاملة لكبار الكتاب مثل طه حسين، والعقاد وغيرهم، إلى دار الكتب المصرية، مبررة ذلك وقتئذ في تصريحات صحفية بأنها تريد أن تكون الكتب ملكا لكل المصريين.
مكتبة الإسكندرية
وتضم مكتبة الإسكندرية الشهيرة بمصر، التي تقع شمال البلاد، قسما خاصا يسمى “المكتبات النادرة”؛ من بين محتوياته المكتبات التي تبرعت بها أسر كبار الشخصيات.
ووفق الموقع الرسمي للمكتبة، فإن من بين المكتبات الموجودة في هذا القسم مكتبات الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات (1918-1981م)، والفقيه الدستوري الدكتور عبد الرزّاق السنهوري (1895-1971م)، والأديب والسياسي الكبير الراحل الدكتور محمد حسين هيكل (1888-1956م).
وقد أودعت أسرة الصحفي والكاتب المصري الراحل محمد حسنين هيكل مكتبته الشخصية في مكتبة الإسكندرية، لتكون معرضا دائما تزوره الأجيال، وفق بيان لها.
ووقعت أرملته هدايت تيمور اتفاقا بذلك مع المكتبة في فبراير/شباط 2019.
وفي احتفال خاص بالراحل في فبراير/شباط الماضي، عرضت مكتبة الإسكندرية أكثر من 4 آلاف كتاب من مكتبة هيكل في معرض حمل اسمه.
ووفق مسؤول سابق بمكتبة الإسكندرية تحدث للجزيرة نت، فإن المكتبة تضم أيضا مكتبات الفيلسوف المصري الراحل عبد الرحمن بدوي (1917-2002م)، والعلامة الراحل الجغرافي جمال حمدان (1928-1993م)، وعالم الفيزياء المصري علي مصطفى مشرفة باشا (1898-1950م).
ويثمن المسؤول السابق -طلب عدم ذكر اسمه- ثقافة تبرع الأدباء والمشاهير بمكتباتهم الشخصية، ويعدّها جزءا من دراسة تاريخ هذه الشخصيات وتطوراتها الثقافية والفكرية، موضحا أن هناك بعض المخطوطات في مكتبة الإسكندرية بيد المؤلف تكشف تطور أفكاره وتصويباته على كتبه، بجانب التوقيعات والإهداءات على الكتب بخطوط كبار الأدباء.
الأزهر والمجمعيون
وللأزهر ومجمع اللغة العربية (مجمع الخالدين) حضور بارز في مجال استقبال التبرعات الثقافية من الراحلين، وفق مصادر تحدثت للجزيرة نت.
وتبرعت أسر العديد من علماء الأزهر والمفكرين الإسلاميين بمكتبات تراثية ضخمة إلى المكتبة المركزية للأزهر الشريف، ومن أبرزها مكتبات العلامة الراحل الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية الدكتور عبد الجليل شلبي (1915ـ1995م) وعضو اللجنة العليا للدعوة بالأزهر الشريف الدكتور عبد الفتاح بركة (1932-2021م) ووكيل الأزهر السابق عميد كلية الدعوة الإسلامية الأسبق الدكتور رؤوف شلبي (1930-1994م)، فضلا عن جزء من مكتبة المفكر الإسلامي الراحل المستشار طارق البشري.
وتعدّ مكتبة مجمع اللغة العربية بالقاهرة إحدى وجهات المتبرعين، خاصة من أسر أبنائها الأعلام، ومن بينها مكتبة المحقق اللغوي الكبير الراحل محمد شوقي أمين (1910-1992م) ومكتبة الأمين العام الأسبق للمجمع الراحل إبراهيم الترزي (1927-2001م).
للجامعات نصيب
وللجامعات في مصر نصيب من تبرعات ذوي المشاهير أو الأدباء والعلماء أنفسهم قبل رحيلهم، وفق الرصد.
فقد تبرعت حديثا زوجة الصحفي الكبير الراحل مصطفى أمين بأكثر من 5 آلاف كتاب بلغات متعددة من المكتبة الخاصة بزوجها إلى “مكتبة الكتب النادرة والمجموعات الخاصة” بالجامعة الأميركية بالقاهرة.
ووفق بيان رسمي للجامعة، فإن هذا التبرع شكّل قيمة مهمة للطلاب والدارسين ومناهج الجامعة.
وقال العميد المشارك لمكتبة وأرشيف الكتب النادرة والمجموعات الخاصة بالجامعة، فيليب كروم، في تصريح رسمي، “إن هذه الكتب تمثل إضافة للبرامج الدراسية الحالية والمستقبلية ولمناهج الجامعة، حيث تقوم الجامعة بتدريس الصحافة، لذلك فمن المهم لطلابنا معرفة طريقة عمل ومعيشة صحفيين بارزين مثل الراحل مصطفى أمين”.
وأضاف أن “الباحثين الجادّين لا يرغبون في قراءة تلك المعلومات على الإنترنت بل يريدون رؤية الوثائق الأصلية، ففي أي عمل كتابي يعدّ ملمس الوثيقة على القدر نفسه من أهمية المحتوى”.
وحظيت مكتبة كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر الشريف في محافظة البحيرة شمالي البلاد، التي تضم ما يربو على 25 ألف كتاب في شتى المجالات، بتبرعات علماء الأزهر، ومنها مكتبات العلماء الأزهريين الدكتور عبد العزيز مطر، والدكتور أحمد الحفناوي، والدكتور أحمد المنوفي، والدكتور محمود محمد مزروعة.
وتبرع شيخ المعجميين العرب والمحقق والمترجم المصري الدكتور حسين محمد نصار (1925-2017م) بمكتبته الخاصة قبل وفاته إلى مكتبة كلية الآداب بجامعة أسيوط مسقط رأسه جنوبي البلاد، حيث كانت تعاني نقصا شديدا في الكتب، وفق بيان له وقتئذ.
وكان للتلاميذ نصيب من كتب أساتذتهم، إذ تبرع المؤرخ الإسلامي الراحل الدكتور عبد الحليم عويس (1943-2011م) بجزء من كتبه في حياته إلى تلامذته، وفق أحدهم الذي تحدث للجزيرة نت، بينما أوصى بالتبرع بمكتبته الخاصة إلى الجمعية الشرعية، إحدى أبرز الجمعيات الدينية والاجتماعية بمصر، وذلك بفرعها في مسقط رأسه بمحافظة الغربية.
المتاحف الثقافية
واتجهت تبرعات أسر بعض الأدباء الأكثر شهرة في البلاد إلى الإسهام في بناء متاحف ثقافية لذويهم.
وفي هذا السياق، تبرعت أسرة الأديب العالمي الراحل نجيب محفوظ بنحو ألفي كتاب إلى صندوق التنمية الثقافية بوزارة الثقافة المصرية من أجل ضمها إلى “متحف نجيب محفوظ“.
وفي متحف عميد الأدب العربي طه حسين بمحافظة الجيزة بالقرب من العاصمة القاهرة، توجد مكتبة الراحل التي تضم ما يقرب من 7 آلاف كتاب باللغة العربية واللغات الأجنبية.
المكتبات الخاصة
كما تلجأ أسر الراحلين إلى المكتبات الخاصة لوضع كتب ذويها صدقة جارية على أرواحهم، ويمكن للطلاب والدارسين الحصول على كتاب واحد أو كتابين حسب الوصية، بالتواصل المباشر بالدار.
ومن بين هذه المكتبات العاملة في هذا المجال “دار المعادي للكتب المستعملة” في قلب العاصمة القاهرة، التي يمكن من خلالها تصفح سجل بأسماء الأدباء والأكاديميين الراحلين الذين تبرعوا بالكتب.
الأحياء كذلك يبادرون
ظاهرة التبرع الثقافي شملت أيضا من هم على قيد الحياة، في محاولة لدعم التثقيف وطلاب العلم في البلاد.
وفي هذا السياق، تبرع الرئيس الأسبق للهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية الناقد سمير غريب بمكتبته الخاصة للدار، وتضم مئات من العناوين في التاريخ والأدب والآثار، وهو على قيد الحياة في نهاية عام 2016، لمساعدة المكتبة في تقديم رسالتها.
كما تقدم بعض المكتبات الخاصة بالعاصمة القاهرة عروضا من الكتب حصلت عليها بإهداء من ملاكها “صدقة جارية وعلما ينتفع به”، وفق تعبيرات إعلاناتها، ويمكن للقارئ أخذ هدية من اختياره بحسب الوصية.
وأعلن الناقد والأكاديمي بكلية دار العلوم في جامعة الفيوم محمد حسن عبد الله، في أواخر أكتوبر/تشرين الأول 2022، تبرعه بجزء من مكتبته ضمّ 1200 كتاب لقصر ثقافة مدينته “تمى الأمديد” بمحافظة الدقهلية شمالي البلاد، كما تبرع في وقت سابق بنحو 7500 كتاب من مكتبته لمكتبة كلية دار العلوم بجامعة الفيوم، بغية نفع الطلاب والناس، حسب تصريحات له.