” إذا كان لهذا العصر من سلطان غير القوة فهو سلطان الإعلام .
إنه الفجور التقني بلا مواربة ” .
وتلك من تعبيرات الأديب اللبناني ” محمد زينو شومان ” في كتابه ” خنزير الحداثة ” متحدثا عن
” الإعلام : بين الاستنساخ والمرحلة الديناصورية ” قائلا :
هذا الإعصار الإعلامي المدمر هو ما ضاعفت وسائل التكنولوجيا الحديثة من قوته ، حتى بات قادرا على تغيير الأفكار والعادات والتقاليد ، والتبشير بقيم وأنماط إن هي إلا من منتجات مركز الاستقطاب العالمي .
ومن استدراكاته ايضا :
فلا يمكن لمن يراقب سياق التحول التكنولوجي إلا أن يكتشف تلك الروح الكولونيالية التي تحرك التاريخ ، بينما هي تنتقل بالتقمص إلى الإعلام كأداة من أدوات السيطرة على الشعوب ، واسقاطها من الداخل .
ولن يصمد في وجه طوفان تكنولوجيا الإعلام ، إلا من ثاب إلى وطنه ، وأمته ، واعتصم ( بفلك ) عقيدته .
العورات كلها يمكنك استعراضها عبر الشاشة الصغيرة ، فالصورة هي الآن ظاهرة العصر ، ولذلك فالعين أداة الثقافة .
استنادا على ذلك ، يمكن القول أن صورة ” الناطقة بالشكولاته ” بلسان أنصار الجنجويد ، وأعني بها ، تلك الصورة الدرامية التي انتشرت عبر مختلف وسائط التواصل الإجتماعي – خلال الثلاثة أيام الماضية – وهي تنطق بلسان صناعها وتقول :
” ناس الدعم السريع ديل لا بغتصبو ولا بنهبو ، الكلام البنسمعو في الميديا ، ده ، كلو كذب ، لاقوها وادوها شكولاته ، وغسلو ليها عربيتا ، واستضافوها في غرفة مكيفة “
الشاهد أنه لم يحزنني ما نطقت به من قول ، لأن كلامها كذب بواح ، فهو كلام أفرغ من الفراغ ، وأخذت نفسي دون أن أعبأ بصغائر الأشياء ، بيد أنني – في ذات الوقت – أعترف واقر بإشفاقي الكبير على ذات هذه البنت الضائعة ، أو بالمعنى الأصح الذات الشائهة بفعل الإستنساخ الكونيالي القبيح .
وعدم هذا الإعتبار لقولها ، هو قناعتي الخاصة ، أن الناطقة بالشكولاته وأمثالها من الرجال والنساء الذين يجتهدون في تجيير صورة الجنجويد .
هم في الأساس ، ليسوا صورا لشخصيتنا السودانية الأصيلة ، وإنما صورا مناقضة لشخصيتنا الثقافية السودانية .
فثمة أياد أخرى ، امتدت من خارجنا ، جمعت أجزاء تلك الصور وصبغتها بشيء من ألوان ملامحنا ، حتى تقوم بدور ” خلط الأوراق ” وتصنع هذا الإلتباس بين الأصالة والزيف .
وللإشارة بهذا المعنى ، وتوضيحه فقط هو ما دفعني لهذا المقال الذي ، لن نخوض في بحور ما قالته والتفنيد بالكلام المعاكس ، لبنت تم إغراءها بقطعة شكولاته .
فموضع كلامي الجواهري هو أنه ، في شبهة الإعلام تختلط ملامح الشعوب – حسب زينو شومان – إلا من استعصم بهويته .
وما أرى الناطقة بالشكولاته إلا صورة درامية واحدة من الصور المصنوعة ، وأمست كصناعة في متناول ( الصانع ) المستثمر ، أيا كان ثقافته المضادة للكيان الوطني .
وأمعن الصانع في تجميل الصورة وأنسنتها ، ومن ثم تحويلها ، إلى سلعة قابلة للبيع وفقا لشروط العرض والطلب .
فهي وأخريات من أمثالها ، اللواتي اخترقن منابر الإعلام ومنصات الكلام في السودان ، ليسوا إلا مجموع صور للغواية البصرية ، تعمل لإسقاط مجتمعاتنا من الداخل .
نساء تم تجهيزهن مذ عهد أن صمّموا لهن الفساتين – عبر نجمات السينما العالمية – ووسّعوا الفتحات على الصدر والظهر .
وحزقوا البنطلونات ، وضيقوا البلوزات وقالوا لها ، ما أجمل صدرك – حسب الدكتور مصطفى محمود –
ما أجمل كتفيك ،
ما أروع ساقك ، ما أكثر جاذبيتك ، حينما يكون كل هذا عارياً ، ووقعت ( المرأة ) في الفخ ، وخلعت ثوب حيائها ، وعرضت جسمها سلعة تنهشها العيون .
إذا فمن أين لامرأة خلعت ثياب الحياء أن تكترث لمعنى مفهوم ” الإغتصاب ” وخطورته ، أو تقف في موضع الضد له .
وما معنى ” الإغتصاب ” في قاموس إمرأة ارتضت ، بطيب نفس وسماحة خاطر ، أن تستضاف داخل غرف الجنجويد المكيفة ، وتقبل واجب الضيافة ، وإكرام وفادتها وفقا لمفهوم عرب الشتات .
تلك الناطقة بالشكولاته ليست إلا نموذج لكائنة من السودان ، تم صياغتها لتؤدي طقوس العبادة في محراب مركز استقطاب الديانة العالمية الجديدة ، المحمولة إلينا على مطايا أولاد جنيد ، وأئمتهم من آل دقلو .