من مصاريف القدر أن يجعل أشخاص مجهولون ليس لديهم أى مساهمات في التاريخ الإنساني لشعوبهم سواء حِياكة الدَسائس والمؤامرات للشعوب العربية والإسلامية أن يكونوا في مواضع تجعلهم يتدخلون في قضية الحرب في السودان سواء سراً أو علانية.
سنوضح في هذه المقال أدوار بارزة لشخصيتين إماراتيتين كان لهما القدح المعلىّ في التدخل الإماراتي السافر في السودان فنحن نقف الآن أمام سيدتان لديهما الجنسية الإماراتية القاسم المشترك بينهما أنهما معنيان بالتدخل في الشأن السوداني ولكن الفرق بينهما أن الأولى لانا نسيبة تعمل في الخفاء وبعيداً عن الأضواء والأخرى إبتسام الكتبي تعترف صراحة أمام العالم بتدخل بلادها في السودان بحجة حماية مصالحها المشبوهة.
الشخصية الأولي لانا زكي نسيبة من الشخصيات الإماراتية ذات الأصول الفلسطينية عملت مندوبة دائمة للإمارات لدى الأمم المتحدة منذ سبتمبر ٢٠١٣م حتى أبريل ٢٠٢٤م ، وتشغل الآن منصب مساعدة وزير الخارجية الإماراتي للشؤون السياسية ؛ تم إرسالها لسويسرا لتمثل دولة الإمارات في محادثات جنيف الأخيرة، وبحسب خلفيتها الأممية التي حاولت من خلالها تغيير دور الإمارات في المجتمع الدولي من متهم في دعم الحرب في السودان عبر شكوى رسمية لدى مجلس الأمن إلى مراقب وضامن لإتفاق وقف العدائيات الذي كان من المفترض التوصل إليه في حالة حضور الوفد السوداني.
دعونا نتسأل هنا عن من هى لانا نسيبة لتلعب هذا الدور ؟ مايميز هذه الشخصية هى أنها كانت من الشخصيات المهمة التى لعبت دور محوري في تطبيع العلاقات الإماراتية والإسرائيلية في أغسطس ٢٠٢٠م تحت مسمي الإتفاقات الإبراهيمية وذلك بحكم قربها من دائرة السفير الإماراتي أنور قرقاش الراعي الأول لهذا الإتفاقات في المنطقة ، بجانب نشأتها ونشأة عائلتها الفلسطينية ذات الجذور في مدينة القدس والتى وصفها كثيرين بأنها عائلة مقربة من اللوبي الصهيوني في المملكة المتحدة حيث حصلت لانا على ماجستير في دراسات الشتات الإسرائيلي واليهودي من كلية الدراسات الشرقية والأفريقية في جامعة لندن ، وكشفت صحف يهودية مقرها لندن عن دور “مثير للخجل” للسفيرة لانا نسيبة في عملية التطبيع بين بلادها وتل أبيب خاصة أنها ذات أصول فلسطينية ، وهنا يتجلى لنا البعد الإسرائيلي وأدواره الخفية في محاولة حماية دويلة الإمارات وتحسين صورتها التى تشوهت بسبب الأدلة المثبتة لدی السودان في دعواه ضدها في مجلس الأمن.
ننتقل الآن إلى السيدة إبتسام الكتبي مؤسسة ورئيس مركز الإمارات للسياسات، تعتبر من أهم الشخصيات المقربة من محمد بن زايد وللذين لا يعرفون هذا المركز وتاريخه في أفريقيا فإن هذا المركز هو واجهة استخباراتية إماراتية تعمل عبره في جمع المعلومات الأمنية والإقتصادية عن ثروات الشعوب بالإضافة لدوره الكبير في التأثير على الحكومات الأفريقية لعقد صفقات إقتصادية كبيرة تستحوذ عبرها الإمارات على ثروات وموارد هذه الشعوب ،فهو ذات المركز الذي تغلغل في مفاصل حكومة الثورة في ٢٠٢٠م بقيادة حمدوك وساهم في إستجلاب العديد من الشركات الإماراتية للعمل في السودان ، ولكن إنتهت كل هذه الشراكات قبل أن ترى النور بإستقالته من منصب رئاسة الوزراء في يناير ٢٠٢٢م .
بالأمس تمت إستضافة إبتسام الكتبي في منصة عرب كاست الإماراتية حيث أطلقت تصريحات مثيرة للجدل وصفها كثير من المراقبين انها إعترافاً واضحاً بحقيقة تدخل الإمارات في حرب السودان الذي ظلت تتنكر له الدبلوماسية الإماراتية طوال الفترة السابقة ، وفي إعتقادى فأن الرسائل التي أرادت الكتبي إيصالها تمركزت في أن دولة الإمارات لديها مصالح وإستثمارات في السودان تحاول حمايتها بالقوة وبالعنترية ولا يهمها استقرار السودان السياسي أو الأمني كما لا يهمها المواطن السوداني ، وبررت أن استعمال هذه القوة والعنترية يأتي في إطار أن الإمارات أصبح لديها عضلات وكلمة “عضلات” إشارة واضحة إلى استخدام السلاح ؛ وهي رسائل سيئة السمعة لكل الدول الأفريقية التي لديها علاقات مع الإمارات بأنكم موعودون بتدخل عنيف وقوى إذا ما تم المساس بالمصالح الإماراتية في بلدانكم ، وهو نهج في إعتقادى أقرب لنهج العصابات أو المافيا التي تستعمل السلاح وتجند المرتزقة في إفريقيا لحماية مصالحها المتعلقة بسرقة الموارد كالمعادن وغيرها .
دعونا نتسأل مرة أخری لماذا لا تحمي الإمارات مصالحها في السودان بالقانون سواء الإقليمي أو الدولي ؟ ببساطة شديدة لأن هذه المصالح في الأساس هي غير قانونية من الدرجة الأولى فسرقة ذهب السودان عن طريق مليشيا الدعم السريع طوال السنين السابقة عبر شركات كانت محمية بالسلطة السياسية والعسكرية لآل دقلو يجعل الإمارات تخرج بخفي حنين بعد تغير هذا الوضع خاصة بعد أن تحولت قوات الدعم السريع من قوات تتمتع بسلطات مطلقة قبل الحرب إلى مليشيا متمردة ومحلولة بالقانون ، وبالتالي تؤول كل ممتلكاتها وشركاتها للحكومة السودانية ويتم التحقيق والتدقيق في هذه الشركات قانونياً وتفكيكها بطرق تصب في مصلحة الإقتصاد السوداني ، وهو ماشكل خطر حقيقي على مصالح الإمارات المشبوهة لذلك بذلت الإمارات الغالي والنفيس في محاولة إعادة إنتاج المليشيا مرة أخرى لتتمكن من النفاذ للسلطة في السودان ، أخيراً نقول للسيدة إبتسام الكتبي والسيدة لانا نسيبة أن الآوان لإعادة إنتاج المليشيا في ثوب جديد قد فات خاصة بعد الجرائم والانتهاكات التى تورطت فيها وأصبحت القضاء عليها نهائياً هو المطلب الرسمي للشعب والجيش السوداني ، لذلك إذا كانت الإمارات تريد إيجاد موطي قدم في السودان عليها أن تدخل من المدخل الشرعي للسودان وهو الحكومة السودانية كما عليها التخلي تماماً عن دعم المليشيا والإعتراف بكافة جرائمها وتسليم قادتها للسودان بالإضافة لتولي الحكومة الإماراتية وشركائها مسألة تعويضات الشعب السوداني.