قال تعالى : ( هَٰذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ (138) وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (139)) آل عمران.
ينقضي في آجال الأمة السودانية سنة، عانى فيها شعبنا الصابر الصامد الأسوأ في تاريخه الحديث، جراء ما قامت به ميليشيا الدعم السريع من تمرد على الدولة، أساسه الغدر والخيانة، وأسلوبه القتل والنهب والاغتصاب والتهجير والتشريد، هذا وإن بلغت ذروته ابتداءً في الخامس عشر من أبريل، إلا أن مؤشراته وتداعياته قد ابتدأت وبانت من قبل ذلك، فتاريخ الميلشيا في أهلنا بدارفور ثم مجازرها في ثوار ثورة ديسمبر، ثم محاولاتها الحثيثة في زرع الفتنة الاجتماعية والسياسية بين مكونات الدولة وتقويضها لكل محاولات إنجاح الفترة الانتقالية، فوق ذلك غير متناسين لمشروعها السلطوي بسيطرتها على مفاصل الدولة الاقتصادية والأمنية والسياسية، وشراءها لذمم المأجورين وصغار النفوس من سياسيين وإعلاميين ورموز مجتمع، كما أنها كللت غدرها برهن مستقبل الأمة السودانية بعمالة فجة وصارخة للخارج المتربص بخيرات هذه الأمة.
إن هذا التمرد منزوع الإنسانية الذي ابتدر بمحاولات الميلشيا السيطرة على مطارات البلاد ثم تتابع بصبيحة الخامس عشر من أبريل بغدر الميلشيا برفقاء سلاحهم من قواتنا المسلحة والهجوم الغادر على مواقع الدولة الحيوية بنية السيطرة الكلية على الدولة وتحويلها لملك عضود رأسه آل دقلو، ونحمد الله على تصدي الوطنيين من جنود بلادنا لهذا المخطط وإفشاله في مهده.
وتتابع الأحداث على مدار السنة، مارست فيها الميلشيا كل أنواع الجرائم اللاإنسانية من تقتيل وتهجير وافتعال الموبقات التي يندى لها الجبين ولا يستوعبها عاقل أو تُقرها شريعة، ولعل أحداث الجنينة وباقي مدن دارفور وولاية الخرطوم، واخيرا ما يحدث في ولاية الجزيرة وولاية النيل الأبيض، يقف شاهد إدانة على جبروت هؤلاء الطغاة لا يخطئه إلا خائن أو متواطئ أو عميل.
إننا في الحركة الوطنية للبناء والتنمية، قد دققنا ناقوس الخطر لهذه التعديات منذ ظهور قرائنها تنبيهاً وتحذيراً، وعند اندلاع أول شرارتها، كان موقفنا أكثر وضوحاً وإتساقا مع الموقف الوطني، فكانت وقفتنا صلدة مع صف الوطنيين من جنود بلادنا في جيشنا الباسل، فشمرت الحركة عن سواعدها دعماً ومؤازرةً ومساندةً وتأييداً للصف الوطني وسخرت كل مواردها لذلك واستنفرت عضويتها لتكون فاعلة في كل ميادين المعارك، وفي ذلك نحتسب الأجر من الله، ولا نبتغي به غير المصلحة الوطنية.
وفي هذه الذكرى الأليمة نذكر بمطالبنا المرحلية أثناء الحرب والتي تتمثل في الآتي :-
● ضرورة تشكيل حكومة حرب وطوارئ تتصدى للأزمات الاقتصادية والاجتماعية وتقوم بالأعباء الدبلوماسية.
● قطع الطريق أمام كل محاولة لتمرير صفقة سياسية مشبوهة تُعاد بموجبها المليشيا وحلفاءها لتسيد المشهد السياسي.
● السلام العادل الشامل هو الذي ينتج عن استسلام وتفكيك المليشيا ونزع سلاحها ومحاسبة أفرادها وتحقيق العدل للضحايا عن كل ما ارتكب من فظائع وجرائم شهدت عليها تقارير المنظمات المحلية والدولية.
واستشرافا منا لما بعد الحرب نذكر بأن رؤيتنا لمستقبل السودان التي نحسب أنها ستكون أساساً لإعادة بنائه ومعلماً في طريق نمائه تكمن في إعادة تعريف الدولة السودانية، ورتق نسيجها الاجتماعي ليكون أكثر تماسكاً وتناغماً، وهو ما ابتدرنا المسير فيه منذ أمد في مشروعنا الإستراتيجي والآني (الميثاق الاجتماعي) و( مجلس حكماء السودان)، وهو ما نجد تفصيله في أدبيات الحركة تحت عنوان ( مسارات الحل السياسي والاجتماعي)، (ورقة بناء الدولة).
ووفق ذلك، نبعث رسائلنا في بريد :
1- قوات الشعب المسلحة والقوات النظامية المساندة لها.
قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200) )) آل عمران
نسأل الله أن يتقبل جهادكم ورباطكم، أن الشعب السوداني قد عقد آماله فيكم، وفوض أمره- من بعد المولى – عليكم، وبين لكم صدق مسعاكم ونبل مقصدكم فسيروا نحو تحقيق هدفكم، فلا تكترثون للأصوات المثبطة ولا تلتفتون إلا لما هو موكل إليكم من رد مظالم هذا الشعب المظلوم والمنكوب فأنتم جنده وأبناءه.
2- أهلنا الصابر، وأبناءه المستنفرين
قال تعالى : (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ….) الحج.
يقيننا أن الله سينصرنا، ويعلم حجم الظلم الواقع عليكم، فلنكن جميعا عونا لإخوتنا المرابطين في ثغورنا ولا نستعجل النصر، ولا نبرح جبل الرماة، فلتكن مقاومتنا صبراً ودعماً ومساندة ووحدةً، كلٌ حسب قدرته واستطاعته، دون مخاطرة أو إفراطٍ مهلك، فلتكن رايتنا واحدة متوحدة ضد هذا العدوان، نقف بها صفاً وبنياناً
مرصوصاً خلف جيشنا الباسل لاسترداد كرامة كل الشعب، فلترموا خلفكم كل الدعوات والفلسفات التي تحاول تصوير الذئب في صورة غزال.
3- الأحزاب السياسية ورموز المجتمع الحديث والأصيل.
قال تعالى : (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103)) آل عمران.
أنتم تعلمون حجم التآمر وعظم المعركة، فليكن هذا همكم وشاغلكم، دون غيره، فلنتوحد جميعاً من أجل هذا الوطن الجريح، نشد من أزره، ونقوّم قواعده، إنعاشاً لقلبه، وإنقاذاً لروحه، نتناسى فيه مرارات الفرقة، وخلافنا السياسي والأيديولوجي، حتى نصل به لبر الأمان، نقيم فيه عُرسنا الانتخابي، ونبدأ مسير نهضته في وطن جامع متوحد.
4- قيادة الدولة السياسية والعسكرية
قال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ۖ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59)) النساء.
إن هذا الشعب قد وثق بكم، وفوضكم لدحر هذه الميلشيا، متبوعاً بدعواته الصادقة بنصركم، فاعملوا لاسترداد كرامته وإرجاع حقوقه دون التماهي مع سيناريوهات الخيانة التي تعمل لجركم إلى مستنقعها الآسن، فاجعلوا هذا الشعب نصب أعينكم، فلا تكسركم ضغوطات الخارج أو إغراءاته التي تعلمون أغراضها ومآلاتها، فامضوا وفق إرادة الشعب وتوفيق الله معكم.
وآخر رسائلنا..
قال تعالى : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم ۖ مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ ۗ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (214)) البقرة.
تقبل الله شهداءنا وشفى جرحانا وفك أسرانا وأنعم على بلادنا بنعمة الأمن والأمان.