ملامح نظرية جزاء سنمار في دستور 2022 هل ستؤخر عودة العسكر للثكنات
بقلم لواء حقوقي[م] د. عبدالله حامد إدريس
للقوات المسلحة السودانية خلافاً لجيوش الإقليم دوراً مميزاً ظلت تلعبه فكان أن نقلها من مهامها الأساسية المعروفة إلى مهام أوسع في الإطار الوطني ، إذ إنبرت القوات المسلحة لتجمع بين الأدوار السياسية الناجمة عن سلطة الأمر الواقع مما أكسبها بعداً سامياً إضافياً لدورها العظيم في حراسة الوطن ابتدرته بترحاب كامل من الشعب السودان على مر حقبه.
ونحسب أننا لسنا في حاجة للتذكير بدور القوات المسلحة الأساسي في إنقاذ البلاد من براثن الخلافات والترهلات السياسية حين سلمت السلطة لقائدها العام الفريق عبود في 1958 فعصمت البلاد من الفوضى الحزبية وتشرزم البلاد وقذفها في أتون التفرقة ووقف حركة البلاد . ثم كانت هبة القوات المسلحة لنصرة الشعب الذي قال كلمته في حكم الرئيس المرحوم جعفر نميري فتسلموا الأمانة ثم أجبروا المدنيين الذي فازوا في الانتخابات (حزب الأمة والاتحادي الديمقراطي) على إستلام السلطة رغم إدعائهم بعدم الجاهزية ، وبعد رجاءات وأمنيات إمتدت بإمتداد ضيق الحياة فإنعدم كل شئ حتى الصابون ولم يبق إلا الملح وإجتاحت التفلتات الأمنية كل المدن وطرق التمرد أبواب سكر كنانه وهدد خزان الدمازين ، وتحت وطئة إهانة مقولة الهالك قرنق بشرب القهوة في المتمة استجابت القوات المسلحة للمرة الثالثة لرجاءات الجماهير فكانت ثورة الإنقاذ الوطني 1989 التي إستقبلتها مجماميع الشعب السوداني يالتظاهرات المبتهجة والراحة النفسية وبشارات الأمل الوثاب ، فلم تخذلهم القوات المسلحة فإنقلبت مساحات السودان وعداً وثقة وانتصارا في كل الاتجاهات ، فكانوا مع الله فكان الله معهم .
والملاحظ أن القوات المسلحة طوال تلك الفترات كانت الملاذ الآمن للشعب وحصنه الآمين فنالت بذلك تقدير وإستعظام الشعب ، وأذكر في ذلك أنه إبان حرب الجنوب الأخيرة كانت القبائل الجنوبية بمختلف سحناتها تستعصم بالقوات المسلحة من جور وإعتداءات بني جلدتهم من المتمردين الذين كانوا يستبيحون أموالهم وأعراضهم فكانوا لايجدون الأمان المادى والمعنوي إلا بتواجدهم بالقرب من متحركات ومعسكرات القوات المسلحة ، ومن ذلك الاستعظام أصبح الإلتحاق بالكلية الحربية والكليات العسكرية منالاً لايدانيه شرف عند الكثيرين من أرقى الكليات المدنية .
في أبريل 2019 إستعان الشعب بالقوات المسلحة في إذهاب حكم الإنقاذ الذي طال فجلب السأم وكان الخلاص بالتراضي بين القوات المسلحة وفصائل واسعة من الشعب ، فأنتج ذلك التراضي صيغة جديدة في الحكم المشترك غير متعارف الثورثين السابقتين فانغمس الجيش على إثرها فاعلاً أساسياً في الحياة السياسية والتفيذية إذ تقلد القائد العام سلطة قيادة الجهاز السيادي بسلطات تنفيذية مقدرة ما حد من إشتطاط أجندة النشطاء السياسيين الذين سعوا إلى ترجمة ذلك الإشتطاط في عداء سافر للقوات المسلحة ووصمهم (العسكر) بالدكتاتورية والجهل والسعي الدائم لإمتداد سلطاتهم السياسية والاقتصادية لخارج مظلة سيطرة الدوله مما أقحمهم في أدوار أضرت بسياسة الدولة حسب زعمهم .
ونتيجة للمشاحنات والفشل في إدارة مجلس الوزراء وتسببه في الإنهيار الإقتصادي والأمني والإنغلاق والإنقسامات السياسية ، جاء تغيير 25 أكتوبر بتبديل جناح من المكون المدني بجناح آخر منه على مستوى مجلس السيادة وتشكيل حكومة تصريف أعمال ممثلين للجناح المدني للمكون المدني وجانب من كبار موظفي الدوله تقاسمت الجهاز التنفيذي المركزي والولائي للدوله ، فيما ظلت القوات المسلحة ترقب التدهور والتشاكس السياسي بكثير من عدم الرضا الذي ترجم في محاولات للسيطرة على السلطة .
القوات المسلحة في الدستور
في في ديباجة الوثيقة الدستورية 2019 لم يأت ذكر للقوات المسلحة عكساً لماعجت به مسودة دستور 2022 المتبنى من قحت المركزي والأمم المتحدة والإتحاد الأوربي ، ومعلوم أن هذا التحالف هو التحالف المناهض للتوجه الاستقلالي الذي كانت تتبناه حكومة الرئيس السابق عمر البشير بعيداً عن هيمنة الأمريكية والدول الموالية لها ، ثم الإبحار بعيداً عن تلك المحيطات الصفراء والاستعاضة عنها بالصين العدو الاستراتيجي المجهول للولايات المتحدة ، ذلك العدو الذي يتطور بسرعة مذهلة من كل الجنبات والمجالات .
ومن المهم أن نذكر بأن مسودة دستور 2022 قد هبطت في مؤتمر إستمر ليومين إثنين فأسموه بدستور لجنة تسيير المحاميين المحلولة ، وبالرغم مما أعلنه الأستاذ يحي الحسين المحامي العضو البارز بلجنة التسيير وممثل جناحٍ من حزب المؤتمر السوداني الذي إستقال من عضوية لجنة التسيير بسبب ذلك الدستور بقوله بأنهم في اللجنة لم يتعرضوا للمسودة لا بالمناقشة ولا بالصياغة ، مايؤكد أن مسودة الدستور قد أستجلبت من خارج الإرادة الوطنية ، بدعم لافت من السيد فولكر مبعوث الأمم المتحدة للسودان ، لذا فإنه من المهم جداً التدقيق في وضع القوات المسلحة في ذلك الجو المشبوهـ الذي وجدنا فيما ما جاء بالمسودة بما يشبه الهتافيات والشعارات التي تتبناهـ القوى التي ظلت تتبني معاداة القوات المسلحة كركن ركين من أهدافها لأسباب تاريخية تتعلق بقيام القائد العام للقوات المسلحة بتصفيتها وتدميرتنظيماتها اليسارية (الشيوعيين ، الناصريين والبعثيين) من مدنيين وعسكريين إضافة للحزب الجمهوري الذي أعدم ذات القائد العسكري وهو المشير جعفر محمد نميري رحمه الله رئيس الحزب الجمهوري وتاب على يديه ثلة منهم .
ودون كثير نقاش حول مدى إعتبار المبادئ الواردة في الديباجة قواعد ملزمة قادرة على المسائلة بموجبها من عدمه ، فمن الناحية العملية فقد وجدت إن ديباجة مسودة دستور 2022 قد إشتملت العديد من الأحكام المتعلقة بإعادة الجيش لثكناته حسب زعمهم قد تمظهرت في عدد من المبادئ نورد منها:-
أولاً : إخضعت المسودة قيادة القوات المسلجة للسلطات المدنية بحيث تخضع وتنصاع لها إنصياعاً كاملاً ، وقد تمثل ذلك الإخضاع في إنشاء مجلس للأمن والدفاع يرأسه رئيس الوزراء الذي من سلطته إدارة كافة الشؤون الأمنية وممارسة الرقابة والإشراف على جميع المؤسسات الأمنية والاستخباراتية ، وبذلك سلبت من القائد العام سلطاته القيادية ونزع منه قرار السيطرة والإدارة ، وهذا حدث غير معهود في الجيوش ولايُمَكنُ من إدارة مؤسسة تحتاج لقرارات قيادية خاصة ومتخصصة على مدار الساعة .
ثانياً: خلت المسودة من إعتبار قوات الدعم السريع قوة نظامية ، إنما إعتبرته إحدى المليشيات التي سيتم دمجها في القوات المسلحة ، ونحسب أن في ذلك عجلة لن تفضي إلى التعامل الواقعي لتلك القوة المنشأة بموجب شرعية دستوريه وقانونونية وشرعية سياسية وواقعية ، فكان الواجب العمل على إيجاد فترة إنتقالية تتم خلالها إعادة تموضع تلك القوات التي كانت جزءً أصيلاً في التسويات القانونية والسياسية قبل وبعد تغيير 11 أبريل وستظل إلى أن تنتخب حكومة وطنية ذات سند شعبي حقيقي وذات رؤية تقرر في أمرها.
ثالثاً: منحت المسودة سلطة إعلان حالة الحرب لمجلس السيادة بناءً على توصية من مجلس الوزراء في حال تعرض البلاد لعدوان خارجي ينفذ بموافقة المجلس التشريعي بأغلبية ثلثيه ، فيما تجاهلت إمكانية إعلان حالة الطواري الولائية ، وفي ذلك شل لقدة القوات المسلحة على القيام بواجباتها ، فكان الأوفق إبقاء تلك السلطة لمجلس السيادة القائد ألأعلى للقوات النظامية .
رابعاً : ساوت المسودة في التفكيك والإزالة بين قرارات المكون العسكري التصحيحية الصادرة في 25 أكتوبر 2021 والتي فضت الشراكة السياسية بين المكون العسكري وقوى الحرية التغيير المجلس المركزي ، وقرارات لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو 1989 السياسية المتمثلة في حل الجهاز السيادي والتنفيذي والقرارات القضائية الصادرة من المحاكم المختصة بإعتبار أنها قد تسببت في نهب أموال زعم أنه سبق وأن إستردتها لجنة التفكيك المجمدة ، وعدت المسودة أن تلك المساواة نوعاً من بناء وتعزيز الديمقراطية . فضلاً عن أن المسودة تصف تصحيح 25 أكتوبر بأنه إنقلاب مشؤوم تسبب في تدهور الحياة الاقتصادية والسياسية للبلاد في حين أن التدهور الاقتصادى كان قد لازم إنقلاب وحكم 11 أبريل الذي تولى كبره المدنيين حيث توزعت السلطة بين أحزاب علمانية جعلت جل همها تصفية كافة صور التمكين الإسلامي في مجالات البرامج القرآنية والتعليم والصحة والنظام العام وتغيير معالم المرأة السودانية ونشر البرامج التلفزيونية التي تؤدلج للإتجاه العلماني وإباحة للميسر والربا ، دون الاهتمام بإدارة الدوله نحو تغيير وإصلاح ديمقراطي حقيقي يهيأ الشباب للتنظيم السياسي والإنتخابات .
خامساً: ذهبت المسودة لإصلاح مؤسسات الحكم النظامية والمدنية وضمان قوميتها وكفاءتها وتحديثها وإزالة التمكين فيها ودفعها لضمان تعزيزالحكم الديمقراطي ، ما يعني تدخل المدنيين في مراجعة هياكل القوات النظامية وأعدادها وتنظيمها ، على أن يتم ذلك بوضع موجهات للعقيدة العسكرية والتدريب وغيرها بعد الإطلاع على دقائق ذلك التكوين ما يعني وقوفهم على التكتيك القتالى والكفاءة القتالية والاستخباراتية وعددها وعدتها ، فضلاً عن أن الاستجابة لمايسمى بالهيكلة يعنى تسريح القوات العاملة من ضباط وضباط صف بذل السودان في تدريبهم أموالاً ضخمة حتى بلغوا شأواً كبيراً وخبرات متراكمة متداوله بين الأجيال فتسنموا بذلك من الجاهزية والقدرة والسمعة التي جعلتهم من أقوي جيوش المنطقة وأكثرهم دربة على القتال والمشاركة في عمليات حفظ السلام الدولية ، كما حاز مبعوثيهم على أوائل دفعهم في الدورات والمنافسات الخارجية في كافة الأسلحة . وهنا نذكر بكل أسف كيف شلت قدرات البلاد القتالية والأمنية إثر هيكلة قوات هيئة العمليات ذات التدريب المتخصص بملاحقات من ذات الجهات ، وما سببه ذلك من التقليل من فرص المكنة من التحرك لتنفيذ المهام الخاصة لاسيما في مثل الأحداث القبلية التي شهدتها البلاد بكل أسف .
ومايجدر التنويه إليه كذلك أن جزاء إنحياز القوات المسلحة لرغبات الشعب في 11 أبريل هو تماماً كجزاء سنمار إذا أنه بدلاً من الاحتفاء بها وتعظيم دورها والوثوق في شراكتها إذا بأقسام من ذات المدنيين ينقمون عليها وهم قد سيطروا على حكم البلاد بفضل القوات المسلحة وتحديداً اللجنة الأمنية للإنقاذ ، فلماذا التكالب للمطالبة بالهيكلة وقد كانت تلك القوات وفية للتغيير حيث قامت بإحباط العديد من المحاولات الإنقلابيه التي سعي فيها عدد من أفرادها لأكثر من مرة للتعدي على السلطة الديمقراطية الوليدة وقامت بتقديمهم للمحاكمات ، وليس بعيداً عنها المجاذر التي أدت لتصفية القوات المسلحة من العديد من الكفاءات العليا ، كما أنه ليس ببعيد عن الأفهام الصادقة كذلك قيام القوات المسلحة بدحر القوات الأثيوبية المعتدية في الحدود الشرقية بالفشقة دفاعاً عن الديمقراطية الوليدة . لكل هذا وغيره يتأكد أن المطالبة بماتسمى بهيكلة القوات المسلحة ليس قراراً وطنياً خالصاً ، إنما هو إجراء يخفى من ورائه ما يؤكد الإتهامات المتواترة برغبة البعض في تفكيك القوات المسلحة إستجابة لأعداء السودان ، كل ذلك أبرز سؤالاً جوهرياً هو : ما هي الجدوى المباشرة المتعلقة بالديمقراطية من كنس القوات المسلحة وإستبدالها بمليشيات غير مهنية كل مؤهلاتها القدرة على استخام السلاح وأنها تتبع لقادة إحتوتهم دول معادية للسودان ، قادة لايتفاوضون ولايتفقون إلا تحت السيوف والبيوتات الدولية ، قادة ليس لبعضهم هَمُ إلا السلطة والثروة الشخصية .
سادساً: ذهبت ديباجة الدستور إلى ضرورة أيلولة كل الأنشطة الاستثمارية والتجارية المعلنة منها (والمخفية على حد زعمهم) للحكومة المدنية وإخضاعها للمراجعة القومية . وقد قرر ذلك دون إعتبار لخطورة تلك التبعية العمياء على الأمن القومي إذ أن القوات المسلحة في كل دول العالم وأكبرها مدنيه تتمتع بخصوصية ومرونة والمناورة في الجانب المالي تتناسب والمهام الخاصة المعلنة والسرية المطلوبة التي تفرض عليهم ، فالقوات المسلحة في حركة دائبة لتغطية سماء وأرض وشواطئ السودان بالمراقبة والدعم والإحلال والتدريب ، لذا فإن الميزانيات الأمنية في كل دول العالم هي الأعلى إنفاقاً لأن القوات المسلحة يجب أن تعادل عدد أفرادها نسبة مقدرة من عدد سكان الدوله يتم تدريبهم بمستويات وشروط وطرق وعلاقات خاصة.
سابعاً : نصت الديباجة على أولوية تأمين إصلاح المؤسسات النظامية والمدنية ، وقد تحولت هذه المطالبة إلي ما عرف بهيكلة القوات المسلحة دون غيرها ، ومن غير أن يتبع ذلك أي سعي لإصلاح مؤسسات الخدمة المدنية فلم نر مؤتمراً لإصلاح الخدمة المدنية ولم نر قانوناً يمكن لذلك الإصلاح أو حتى تعديلاً لقانون يحد من التدني المستحكم في الخدمة المدنية ، مايؤكد أن المطالبات الملحة لإعادة هيكلة القوات المسلحة هي في حقيقتها وفاءُ لإستحقاقات وتعهدات لا صلة لها بالإصلاح بمعناه الفني ، إنما هي حلقة في سلسلة من تفكيك وتبديل الجيش السوداني ذي اللون والهوية والمبادئ الثابتة المتوارثة بجيش آخر يتم في مراحل تسهيل تنفيذ مخططات تقسيم السودان وطمس هويته ويحد من قدرته على إمتلاك مكامن الإمداد بأسباب القوة كالذي حدث في الإكتفاء الذاتي من العديد من الأسلحة والذخائر والمعدات والآليات العسكرية ، ومايؤسف له قيام الحكومة بفتح أبواب وأسرار التصنيع الحربي لوفود إستخباراتية من العدو الإسرائيلي .
ثامناً: كثر القول بأن وجود شركات وأعمال تتبع للقوات المسلحة تدار بعيداً عن الميزانية العامة وخارج الرقابة المالية للدوله ، ففي هذا الجانب نورد أن القوات المسلحة المسلحة يخصص لها مبلغ معلوم يحدد بلاتفاق بين وزارة المالية والقوات المسلحة وفق ميزانية محددة ببندي محددين هما:
البند الثاني : بند المرتبات ، ويتم التصرف فيها وفق ضوابط قننتها وزارة المالية.
البند الثالث : بند التسيير وهو المعني بلإدارهـ في أحوال السلم من إمداد وتشغيل المعدات والآليات العسكرية والصرف على التدريب الداخلى والخارجي والتخزين والصرف اليومي …..إلخ ، وفي أحوال التهديدات الأمنية مثل الحروب يتضاعف هذا البند لعشرات المرات ، وكل تلك الأموال يجب أن تكون حاضرة وفي متناول أصابع القوات المسلحة لأن الدقيقة في الجيش تعادل سيادة أرض وحياة كتائب وألوية ورجال ومعدات ولايجب أن ننظر إليها كعمل إداري عادي من أعمال الدوله . لذلك عرفت كل جيوش العالم الشركات والأعمال الإستثمارة والتجارية التي تخصها لتوفير مبالغ مالية تتناسب وطبيعة القوات النظامية ولتحقيق أهداف أمنية واسعة ذلك يجعل القرار فيها يصدر من القادة العسكريين في الزمان والمكان المحددين وأن ذلك لايمكن أن يتحقق إلا إذا كانت هناك قدرة على تنفيذ أي قرار، أما إذا ترك القرارللإعتماد على جهة أو جهات مدنية تعمل بلوائح وروتين يعد مخالفتها جريمة ، فإن ذلك هو سوء التدبير بعينه وهو مالا تعرفه الجيوش . وبالمقابل من المهم جداً توضيح أن ترجمة تنفيذ القرار في القوات المسلحة يمر عبر سلسلة دقيقة من الإجراءات المالية الخاصة عمادها أفراد متخصصين في الإقتصاد والمحاسبة والإدارة تم إستيعابهم وفق ضوابط مشددة ، وربما مايجهله الكثير من (مدعي الهيكلة) أن ديوان المراجع العام لديه أتيام تتواجد بصفة دائمة ضمن طواقم إدارة الشئون المالية بالقوات المسلحة وأنها ترفع تقاريرها الدورية للسيد المراجع العام ، هذا فضلاً عن الطواقم التي يبعثها السيد المراجع العام لمراجعة الأداء المالى للإدارت المالية المختلفة بالقوات المسلحة ودائماً ما ترد ما يعرف بالمناقضات من ديوان المراجع العام ويتم إرسال الردود الكافية عنها وإزالة تلك الملاحيظ ، إضافة لأتيام المراجعة الإدارية والمالية من هيئة التفتيش بالقوات المسلحة ، و قد ينجم عن كل ذلك من وجود تجاوزات مالية لائحية أوجنائية في بعض الأحايين فيتم فيها معالجات وتحقيقات ومحاكمات عسكرية .
تاسعاً: مسودة دستور 2022 قررت تسييس العقيدة العسكرية وجعلها لاتحترم الدستور فقط إنما تتعدىا ذلك إلى الإقرار بالنظام الديمقراطي ، مع مراعاة ما يتطلبه ذلك من جعل مقررات عن الديمقراطية أساساً في التدريب ، مايتفتح الباب واسعاً لتداول الأفكار والقناعات الشخصية الأمر الذي قد يتنافى جذرياً من موجهات التدريب التدريب العسكري.
عاشراً: حظرت مسودة الدستور على القوات المسلحة القيام بأي إستثمارات أو أعمال تجارية غير حربية ، ففضلاً عن إستحالة تحديد الإستثمارات غير الحربية ، فإن الحد من القدرات الإقتصادية للقوات المسلحة حد من قدرتها على الحفاظ على معداتها وإحلالها وتطويرها والحفاظ عل مظهرها الذي يعني بهيبتها ، فضلاً عن الحد من تنوع خبرات أفرادها في أحوال السلم وتعريض أمن البلاد للخطر في حالة تأخر توفير السيولة ، ومايجدر الإشارة إليه أن القطاع المدني كثيراً ما يتم الإستعانة بالعسكريين في تسيير إدارات مناشط مدنية ، كما أنه من المعلوم مدة خدمة العسكريين قد لاتمتد لأكثر من الأربع سنوات ما يتطلب أن يكون لهم معرفة وقدرة على إمتهان مهنة أخرى بعد التقاعد من الخدمة العسكرية وبإلقاء نظرة سريعة على عظام القادة العالميين ورؤساء وزراء بريطانيا وعدد من وزراء خارجىة الولايات المتحدة نجد أن أكثرهم من العسكريين السابقين ، كل ذلك وغيره يتطلب ضرورة تنويع خبرات العسكريين لإنهم جزءُ من هذا المجتمع لاينضب عطاؤهم بخلع البزة العسكرية .
أما نجاح شركات القوات المسلحة وكونها رقماً في الحياة الاقتصادية في كل دول العالم فذلك ناجم من الإدارات الحازمة الملتزمة بلوائح الضبط المالي والعسكري وإستدامة الطواقم الإنتاجية وتأهيلها المستمر وتعظيم روح الوطنية ووترسيخ معانب حب الأوطان ، إضافة لإتساع نسب تسويق منتجات الشركات داخل المجمعات العسكرية المنتشرة . ولابد من تأكيد أن شركات القوات المسلحة تدفع الضرائب والرسوم الحكومية كما أنها لاتتوانى في المساهمة في رفع المعاناة عن كاهل العامة من خلال مشاركاتهم في الأسواق المبيعات المخضة المفتوحة وفي دروب الفن المختلفة وخدمات نوادي ومسارح ومخابز وملابس ومدارس وحدات القوات المسلحة المختلفة ومعاهد وجامعات ومستشفيات القوات المسلحة المنتشرة في كل ولايات السودان .
وهنام مثالُ هامٌ للخدمات التي تقدمها شركات القوات المسلحة للشعب السودانية للشعب السوداني ، ففي فترة حرب الجنوب كانت الطائرات والبواخر والقطارات والمتحركات هي الناقل الوحيد لنقل الأفراد والبضائع لمدن الجنوب ، كما أن شركة النقل (الساطع) كانت تنقل المواد الغدائية والدوائية وأسباب الحياة الأخري لكل مدن دارفور الكبرى ولكثير من مدن غرب وجنوب كردفان ، فضلاً عن الحماية التي كانت توفرها بتأمين العربات التجارية بمتحركات (كنفوي) عسكري.
سادساً : بلإضافة لتفكيك تمكين ثورة الإنقاذ فقد إبتدع تفكيك تمكين إدعى واضعي الدستور أنه قد تم بعد ماسمي بتمكين مابعد 25 أكتوبر 2021 بواسطة المكون العسكري والقضاء على أن يشمل التفكيك رصد وإقالة المعوقين للإنتقال الديمقراطي وعديمي الكفاءة ممن تم تعيينهم من موالي نظام الإنقاذ ‘ وهذا اتجاه مرحبُ به لكن شريطة أن يشمل كل منسوبي الخدمة المدنية . أما معوقي النظام الديمقراطي فهم النصف الآخر من المجتمع السياسي والذين يعرفون بالمعارضة ، ومثل هذه القاعدة تبين بوضوح العقلية الاستئصالية لجماعة قحط ومؤيدهم من قوى الغرب الذين لايسرهم وجود تيار معارض قد يستبدل حكومتهم التي يتبنونها .
سابعاً: إزالة التمكين في القوات النظامية والأجهزة العدلية والخدمة المدنية بواسطة الهيئة التي ستشكل للإزالة ، مما يتناقض مع النصوص الخاصة بإستقلال القضاء والنيابة وينهي إختصاص القوانين التي تنظم الأجهزة العدلية والنظامية والخدمة المدنية ، ويتجاوز الخصوصية التي تتميز بها القوات المسلحة والقوات النظامية فتدور البلاد في دوامة أخرى من الفصل والتشريد ونزع الممتلكات وتعطيل الحياة الإقتصادية والإجتماعية.
ختاماً ما نأمله أن يلتفت مطالبي هيكلة القوات المسلحة إلى مهام الفترة الانتقالية الحقيقية ، ولتتوجه إرادتهم نحو صياغة قوانين نستبين منها الرغبة في الإحتكام إلى فترة إنتقالية تهيئ لحياة وتنظيمات حزبية معافاة ، وإبتدار حركة ديمقراطية ومكافحة العنصرية وأمثالها من المهددات الأمنية ، وبذلك تقود تلك التنظيمات السياسية إستعدادات حقيقية للانتخابات وهذه كفيلة بتحقيق تحول مدني ديمقراطي حقيقي ، أما تكرار التشكيك في الثوابت ومناطحة الإهرامات والأحجار الكريمة فهي فضلاً عن عدم حوجتنا لها في هذه الفترة الإنتقالية ، فهي إنصراف عن الهم الوطني الحقيقي ولن تكون سوى تسويفات تخدم إطالة حكم المكون العسكرى وخصم من رصيد السياسيين والحياة الحزبية وذيادة في تسييل الوضع المعقد ويظل الخاسر هو الوطن والمواطن ، وسيجل التاريخ أننا قد فرطنا في الحكمة ولم نرتقي لمستوى المسئولية ، وربما نبدأ في مرحلة عسكرية بدأ كثير من المواطنين يطالب بها بالصوت العالى جهاراً نهاراً.
والله ولي التوفيق