حرب بلا إعلام (3 من 5).. الإنسان مفطور على التصديق بكل ما يسمعه. كتب ـ د.عثمان أبوزيد

في شهر يوليو تمكن إعلام الجيش من تحقيق انتصار بتسريب خبر يقول إن الدعم السريع ألقى القبض على قائد الجيش البرهان، وكانت خطة ذكية من عمليات الحرب النفسية تهدف إلى خداع الخصم أو التفوق عليه.
وكان لهذا التسريب بأسر القائد العام للقوات المسلحة وما تبع ذلك من الظهور المفاجئ للبرهان في اجتماع هيئة القيادة أثر سلبي وسط ميليشيا التمرد،
أحدث لها الإحباط النفسي. وسرعان ما أشاعت غرف المدونين والناشطين مع التمرد أن خروج قائد الجيش البرهان من القيادة العامة للقوات المسلحة كان بواسطة قوة أمريكية خاصة، والهدف هو نقله إلى مدينة جدة للتوقيع على اتفاق بوقف الحرب، ونسبت ذلك إلى صحيفة (نيويورك نيوز).

■ ورد الخبر في (قروب) محترم لمجموعة من الإعلاميين الخُلَّص، لذا كان الأمر
مدهشًا مما جعل كاتب هذه السطور يعلق على الفور في القروب، بما يلي:
من المفترض أن يكون لدى دارسي الإعلام وممارسيه الحس الذي يجعلهم يرفضون مثل هذه الأخبار. وذلك للآتي:
أ‌. لأن الخبر لا مصدر له.
ب‌. صياغته غير احترافية.
ت‌. لا وجود لصحيفة اسمها نيويورك نيوز مقربة من البنتاجون.
ث‌. ومثل هذا الخطأ وحده يقدح في الخبر.
والنتيجة: أن هذا الخبر يصنف ضمن صناعة المحتوى التي أسميها “محن السوشيال ميديا”. (انتهى التعليق)
يؤكد علماء النفس الاجتماعي أن الإنسان مفطور على تصديق كل ما يسمعه. هذا ما
يشرحونه تحت مصطلح السذاجة Gullibility.
وكل منا فيه قدرٌ من السذاجة يزيد بالجهل وينقص بالتهذيب والتدريب
والتعليم. (انظر السذاجة وعلم النفس الاجتماعي، جوزيف فورجاس، 2021م)
وفي الناس من تزيد سذاجته لدرجة أن يصدق مقولة إن البرهان استأذن
من الدعم السريع ليخرج من البدروم…
لكن من ينشر مثل هذه الأخبار، ليس ساذجا. يفعل ذلك مع سبق الإصرار والترصد حتى يحقق الإرجاف المتعمد. (انتهى التعليق)

■ افتقد إعلام حرب الخرطوم وجود خطاب سياسي موحد أو توزيع أدوار
مخطط لها ومتفق عليها مسبقا في استراتيجية إعلامية محكمة. وتدل
على ذلك شواهد كثيرة، ويصعب الإلمام بها في عجالة.
أما وسائل التواصل الاجتماعي بشكل عام، فقد صارت تقع في أخطاء مميتة في نقل الأحداث بلغت حد نشر
أخبار من شأنها تهديد حياة المواطنين وإرباك سير العملية العسكرية. والشاهد على ذلك ما حصل بعد دخول التمرد إلى مدينة ود مدني.

■ من سمات هذه الأزمة انتشار إخبار خاطئ ومخطئ. والإخبار الخاطئ: هو المتعمد للخطأ “لا يحتكر إلا خاطئ”، جاء في تفسير الآية: “ناصية كاذبة خاطئة” أن الخاطئ معاقب مأخوذ.
فالإخبار الخاطئ هو نقل المعلومات المضللة مع التعمد وتحري الكذب، وهي معلومات غير صحيحة أو مغلوطة تنشر عمدا بقصد التسبب في إيقاع الضرر، أو تضليل الرأي العام، ويعبر عنها في الإنجليزية بالـ (دِس إنفورميشن).
الإخبار المخطئ: وهي معلومات غير موثوقة وغير صحيحة يجري
نشرها عن غير قصد أو بحسن نية دون التأكد من صحتها ظنًا بأنها صحيحة
ومؤكدة. ويعبر عنها في الإنجليزية بالـ (مِس إنفورميشن).
قد يخطئ الإعلامي بنقل خبر غير صحيح أو بتقدير للموقف العسكري غير دقيق.
والمخطئ غير مؤاخذ.

■ من أمثلة ذلك أن حساب كاتب هذه الأسطر في تويتر نقل خبر موت المتمرد
حميدتي، واعتذر عنه باعتباره خبرا غير مؤكد من مصدر يعتد به.
لكن الحساب استدرك بالقول إن حميدتي في عداد الأموات، فقد انتحر سياسيا بفعله الشنيع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *