حرب بلا إعلام(2- 5).. د.عثمان أبو زيد

النهج الذي اعتمدته القوات المسلحة في هذه الحرب هو التكتمكتب ـ عثمان أبوزيدقلنا في الحلقة السابقة إن من المظاهر الأولى لحرب الخرطوم توقف وسائل الإعلام الرسمية الحكومية توقفًا تامًا.انقطع إرسال التلفزيون القومي وكذلك الإذاعة وإذاعات الأف أم، وتوقفت الصحف. وهذا مظهر لمركزية شديدة في الإعلام على الرغم من وجود إذاعة وتلفزيون في كل ولاية، إذ ظل الإرسال عبر الأقمار الاصطناعية (SNG) في التلفزيون القومي. نتذكر في عهد الرئيس جعفر نميري حينما تعطلت إذاعة أم درمان في إحدى المحاولات الانقلابية أمكن الاستعاضة بإذاعة جوبا.وبغياب الصوت الرسمي والقومي، توجهت الأنظار والأسماع إلى وسائل التواصل الاجتماعي بمنصاتها المعروفة وأكثرها استخداما بين السودانيين واتس أب وفيسبوك، وتعذر لدى الأغلبية في داخل البلاد الوصول إلى منصات الفيديو بل حتى المقاطع الصوتية لضعف الشبكات. وبرز تواصل شفوي بتبادل الأخبار عبر المكالمات الهاتفية وجماعات الأنس حيث يتأثر الناس بالشائعات والأخبار المصنوعة والمختلقة.في 26 أبريل بعد أسبوع تقريبا من اندلاع القتال كتبتُ على صفحتي فيفيسبوك أن هذه الحرب في السودان، مثل سائر الحروب جزءٌ كبير منها حرب إعلامية.نقول حرب إعلامية تجاوزًا لأن مفهوم الإعلام الذي نعرفه هو: تزويد الجمهور بالمعلومات الصحيحة، أو الحقائق الواضحة والصريحة لتشكيل رأي عام مستنير. وقد نتفهم أنه حين تندلع المعركة العسكرية يصبح الأساس هو الدعاية والحرب النفسية والدعائية.إن النهج الذي اعتمدته القوات المسلحة في هذه الحرب هو التكتم، وهو النهج المتبع في ظروف الأزمات الأمنية عالية الحساسية، فهذه المواجهة بتوصيف القوات المسلحة تمرد وتفلت أمني، ومن طبيعة التغطية الإعلامية الرسمية خلال فترة الأزمات الأمنية من هذا النوع؛ التكتم والتقيد بما تنشره الجهات الرسمية.وللمقارنة بين إعلام الجيش وإعلام الدعم، فقد رصد مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة في مصر نشاط منصات التواصل الاجتماعي لكل من الجيش والدعم، ومما أبرزه الرصد:امتلكت القوات المسلحة صفحة على «فيسبوك» تابعها منذ الشهر الأولللحرب مليون ونصف المليون متابع، وبلغ حجم التفاعل عليها 359 ألفاً،غير أن حسابها على «تويتر» كان غير نشط يتابعه ألفان فقط وتعود آخرتغريدة عليه إلى 10 مارس 2023م.خلال الفترة من 15 إلى 24 إبريل 2023، حصل استخدام مكثف لتلكالحسابات لنشر أخبار تدعم انتصارات كل جهة مع توجيه الاتهامات للجهة الأخرى، وجرى خلال ذلك توظيف تقنيات النص والصورة والفيديو، ويمكننا تقديم نظرة أكثر عمقاً لذلك من خلال رصد التغريدات المنشورة على حساب الإعلام العسكري للقوات السودانية وحساب قوات الدعم السريع على «تويتر.خلال الفترة المذكورة، نشر حساب الإعلام العسكري للقوات المسلحة السودانية119 تغريدة تضمنت 11 مقطع فيديو وكان عليها 17081 إعجاباً و3792 رداً،تضمنت 1883 كلمة، وبالتحليل التكراري لتلك الكلمات يظهر استفاضةالجيش السوداني في استخدام صفات تنزع الشرعية القانونية عن قوات الدعم السريع، حيث تكرر استخدام أوصاف «المتمردة» و«متمردون» و«تمرد» بإجمالي 56 مرة، فضلاً عن أوصاف «الميليشيا» 19 مرة و«العدو» 5 مرات،وبالمقابل عمد إلى ذكر المدنيين ومخاطبة الشعب السوداني بنحو 38 مرة،لتأكيد رغبته في حماية الشعب من اعتداءات «الطرف المضاد». فيما نشر حساب قوات الدعم السريع على «تويتر» 179 تغريدة، عليها 74037 إعجاباً، و10532 رداً، وهو ما يعكس حجماً أكبر من النقاش والسجال الرقمي، زاد منه استخدام المواد المصورة، حيث بلغ عدد الفيديوهات المتضمنة 57 فيديو. وبالتحليل التكراري لكلمات تلك التغريدات والبالغ عددها 2277 كلمة. (تقرير فاطمة الزهراء، مركز الأبحاث ودراسات المستقبل).وعلى الرغم من كثافة تغريدات منصة الدعم السريع، فإن الملاحظوجود ردود معارضة لتوجهها وهجوم مكثف عليها مما يدل على تعاظم رأي عام أوسع مساند للجيش ومعارض لموقف الدعم السريع.استطاعت منصات الدعم السريع تمرير معلومات تعطي انطباعًا أوليًا بحيازة النصر وحسم المعركة، وأصبح هذا هو الانطباع السائد لدى الكثير من المراقبين.وسرعان ما تناقصت فاعلية هذه المنصات بسبب تناقض الأخبار ونشر الأكاذيب.وفي العموم لا تعد حسابات الجيش ولا الدعم في تويتر أكس حاليا وفيسبوك من المنصات الرائجة بمعيار رواج حسابات أخرى تحظى بمتابعة الملايين.ولا شك أن الإعلام المساند للجيش أو للدعم من الفاعلين والناشطين والداعمين أقوى انتشارًا، وهو ما يشير إليه البعض على سبيل التقليل والاستهانة بالدجاج الالكتروني.ومن الواضح أن غرفًا متخصصة ولا سيما لدى الدعم تعمل على توجيه هذه الحسابات بأساليب مختلفة منها استخدام الخوارزميات مما يؤدى إلى قدر من التحكم في صناعة محتوى معين يجري الترويج له عبر إنشاء الكثير من الحسابات الزائفة واستخدام الروبوتات في إغراق الشبكة بمضمون يهدف إلى تصوير تقدم الدعم السريع.واستخدام إعلام الدعم السريع الذكاء الاصطناعي، والمستهدف به على وجه خاص هم جنود الدعم السريع ورفع معنوياتهم بمخاطبات افتراضية من قائدهم الذي لم يعرف مصيره منذ أيام الحرب الأولى.واستطاعت غرف الدعم السريع زرع أخبار سرعان ما رددها المناوئون لها، مثل أخبار استيلاء الجيش على الإذاعة.والغرض من ذلك هو التأثير السلبي على معنويات الجهة الأخرى، فبعد تصيدهم بمثل هذه الأنباء الطيبة ورفع التوقعات، يظهر جنود الدعم يوجهون تكذيبًا من داخل مباني الإذاعة والتلفزيون.لكن إعلام الجيش استطاع بشكل لافت تحقيق انتصار معنوي كان له الأثر السلبي في خفض معنويات عدوهم. وهذا ما نتناوله في الحلقة القادمة.(نواصل)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *