الحملة التي تشنها جهات متعددة مطالبة بعزل الرئيس البرهان لم تبدأ بدخول قوات الجنجويد لمدني ولن تنتهي بها.
تابعت تلك الجهات لتصنيفها، فواضح لى من خلال الرصد أنها تنقسم لأربع فئات، الفئة الأولى ظلت تشكك منذ أول يوم في قيادة الرئيس البرهان وتلك الفئة استمرت على موقفها لم تتنازل عنه في أي لحظة من اللحظات، وهذه الفئة لها موقف من طريقة إدارة البرهان للدولة في تقلباتها المختلفة بعد الثورة وأثناء تحالفه مع قحت وفي أعقاب الانقلاب وصولاً للحرب.
2الفئة الثانية بدأت حملتها بعد الحرب واستمرت في إطلاق اتهاماتها له تارة بالعجز عن إدارة المعركة وتارة بالخيانة والتآمر على الجيش السوداني بل والشعب. وهذان الفئتان هما من داعمي الجيش في حربه ضد الجنجويد وهما يفرقان بين الجيش والرئيس ولذا كان مطلبهم الدائم هو عزل الرئيس البرهان فوراً لتستقيم أمور الحرب وليتم دحر الجنجويد وهذه اتجهت لتعبئة الجماهير إعلامياً ووجهت خطابها أيضاً لقطاعات في الجيش كوسيلة للإطاحة بالرئيس البرهان .
3الفئة الثالثة معلومة وهي التي حملت بنادقها وأسلحتها لقتل الرئيس البرهان من اللحظات الأولى من فجر يوم 15 أبريل، إذ تم تصنيفه أنه العدو الأول ومطلوب حياً أو ميتاً وبعده ستتوقف الحرب وتسلم البلاد او ان تستلم هى السلطة.
حين عجزت عن تحقيق هدفها واتضح لها استحالة تحقيقه عسكريا بمواجهة الجيش وفشلت محاولتهم الانقلابية ويئسوا من الاستيلاء على الدولة ذهبوا للإسلاميين لمحاولة إقناعهم بالتوقف عن دعم البرهان بل والإطاحة به والتحالف معهم ولكن الإسلاميين ردوهم على أعقابهم خائبين لأنهم يعلمون أن تعقيدات المشهد السياسي والعسكري بالبلاد لا يمكن حله بالإطاحة بالرئيس البرهان !!!.
4 فئة رابعة اختبأت تحت لافتة (لا للحرب) وهي فئة لم تطالب بعزل الرئيس البرهان صراحة، لكنها طالبت بإيقاف الحرب هكذا بلا شروط والخضوع لإرادة الجنجويد وتنفيذ أجندتهم وهم يعلمون أن الرئيس لا يستطيع إيقاف تلك الحرب بغير الشروط التي وافق عليها الجنجويد في جده، وبطلبهم الملتاث هذا يرمون لعزل البرهان بشكل آخر، لأنهم يدركون أن الشعب والجيش لن يقبلا بمعادلة تعيد تموضع الجنجويد في الحياة العامة ودمجهم في الجيش السوداني.
و يعلمون أن أي خطوة باتجاه ذلك ستطيح بالبرهان كرئيس للدولة وهذه عولت ايضا على ضغوط الخارج لعزل الرئيس البرهان، فطفقت تنتقل من عاصمة لعاصمة تستعديها على الرئيس البرهان داعية المنظمات الإقليمية والدولية لممارسة أقصى ضغوطها للوصول لذات الهدف بطريقتها .
5 هذه هي الجهات الأربعة التي تعمل كل واحدة تعمل بطريقتها ولها منطلقاتها، والرابط بينها وحدة الهدف و هو عزل الرئيس البرهان وذلك من خلال الحملات المستمرة التي لا تهدأ حتى تبدأ من جديد في أي منعطف من منعطفات الحرب.مقصد تلك الحملات هو إقناع الشعب أن المشكلة كلها في البرهان.
6 الشاهد أن هذه الفئات الأربعة عجزت عن تحقيق هدفها (عزل الرئيس البرهان) رغم تطاول أمد حملاتها ورغم استخدامها لأدوات متنوعة في سبيل تحقيق هدفها ، فلم يستطيعوا قتل الرئيس ولم يستطيعوا إقناع الجيش بعزل الرئيس والإطاحة به بإنقلاب أو خلافه.. و ظل البرهان منذ خروجه من القيادة فى طواف مستمر على الفرق والثكنات المختلفة ولم يتعرض له أحد بسوء، وأشد ماسمعه هتاف (فك اللجام). كما لم يقنعوا الشعب بتشكيل تيار جارف ضده بما يعنى فشل الحملات الإعلامية في تعبئة الشعب، كما فشلت تماماً خطط نزع الشرعية الدولية والإقليمية رغم المحاولات المتكررة من قبل قحت والجنجويد، واستمر هو الرئيس المعتمد للسودان في كل الأروقة الإقليمية والدولية من الأمم المتحدة ومجلس الأمن وكل المنظمات الإقليمية.ترى لماذا لم تحقق تلك الجهات هذا الهدف الذهبي رغم كل الإمكانات التي وظفت في المعركة ضد الرئيس والزمن الذي استغرقته ولماذا ظل البرهان صامداً في كرسيه يقود الحرب؟. لم تتوقف تلك الفئات الأربعة قليلاً مع نفسها لتجيب على هذا السؤال الموضوعي وهو لماذا لم تثمر تلك الجهود التي جمعها هدف واحد ومن مواقع مختلفه، لماذا لم يهتز موقع الرئيس البرهان عند الشعب ولا الجيش ولا العالم.؟
. لا أحد حاول الاقتراب من الإجابة على هذا السؤال ليس لأنه صعباً ولكن لأن الإجابة تكشف لنا حجم المأزق الذي ستقع فيه تلك الفئات. حال تحلت بالموضوعية وأجابت على السؤال بصدق وبعقل مفتوح.
7 سأحاول هنا حذرا الاجابة على ذلك السؤالالشعب يدرك أن البرهان فى هذه اللحظة هو رمز الدولة وأن أي محاولة لزعزعة هذا الرمز الآن في زعازع الحرب هذه أياً كان الرأي فيه يعني أن تدفع البلاد لسيناريوهات المجهول. لقد خرج الشعب من تجربته الماثلة.. تجربة (تسقط بس) بعبرات وهو إن سقوط رأس الدولة دون أن يعرف ما ينتظره غداً هى محض مخاطرة مجربة أوصلتنا إلى ما وصلنا إليه الآن ومن الغباء تكرر ذات التجربة مرتين فى أقل من خمس سنوات.هبْ أن الشعب هبّ غداً وعزل الرئيس البرهان فما هو سيناريو اليوم التالي؟.
لا أحد يعرف…. وذلك يعني الذهاب للمجهول.!!. الشعب الذي تحمل كوارث هذه الحرب حتى الآن لا يرغب أن تذهب البلاد نهائياً للمجهول، فلا يزال يأمل أن الجيش قادر على الانتصار إذا ظل متماسكاً على الرغم من سقوط المدن والحاميات، ولذا الشعب صابر لأنه لا يعرف ملامح ذلك المجهول.هناك سؤال حاسم وهو سؤال المشروعية، الرئيس البرهان يستمد مشروعيته من وثيقة دستورية اعترف بها العالم أياً كان الرأي فيها، وبناءً عليها اكتسب مشروعيته حتى بعد انقلاب أكتوبر 2021م، لم ينزع العالم منه المشروعية وظل يتعامل معه كرئيس شرعي للبلاد حتى اللحظة، لذلك فإن أي تغيير بدون تراضٍ، وخاصة إذا جاء التغير عبر انقلاب، وقتها سيكون ليس هناك فرق بين المنقلبين عليه والجنجويد باعتبار أن هناك تمرد قد حدث على رئيس تم الاعتراف بشرعيته في كلا الحالتين كما هو الحال الآن
8الجيش يعلم أن تغير قائده في أتون الحرب سيكون كارثياً ولا تعرف عواقبه.أي تحرك داخل الجيش الآن قد لا ينجح، وعادة الانقلابات العسكرية تفشل في لحظات التوتر ولا أحد يضمن العواقب، وهل سيبقى الجيش موحداً دون انشقاقات داخله؟.التغيير داخل الجيش الآن إما أن يقوم به صغار الضابط أو قيادة الجيش، قيادة الجيش تعلم مخاطرة القيام بالتغير الآن وهي لا تضمن سيناريو اليوم التالي وهي نفسها تقف طويلاً قبل أن تتحرك لتتساءل عن ماهية الشيء الذي عجزت عن فعله تحت إدارة الرئيس البرهان ومعه وهى قادرة على إنجازه الآن بالتحرك المزمع؟.
صغار الضباط يمكن أن ينساقوا وراء حماسهم ولكن ستكون مخاطرة كبرى أن يقفز إلى السلطة الآن شباب مجهولون متحمسون ولربما غاضبون بلا خبرات ولا أجندة ولا مشروع، ويجهلون كل شيء عن إدراة الدولة وإدارة الحرب.. هذا سيناريو أيضاً سيقودنا إلى المجهول. العالم معلوما لديه أن الرئيس البرهان لا يزال يحظى بثقة الجيش والشعب وهو ممسك بزمام الأوضاع في البلاد وبإمكانه التفاهم معه ولا يرغب في أن تتصاعد الزعازع الجارية الآن في البلد بمزيد من صب الزيت على النار حال حدوث تغير يستهدف البرهان في هذه اللحظة التي تشهد انعطافات كبرى في قضية الحرب ومساعي التفاوض.العالم لا يزال يوقن أن البرهان بإمكانه قيادة عملية تفاوضية تفضي إلى سلام في السودان، وإن كان حذراً ومتمسكاً بشروطه. لذا فإن العالم لن يغامر أو يسارع بتأييد أي تغير في اللحظة الحالية والبلاد متجهة لمفاوضات صعبة.
9هكذا يتضح لنا وللفئات الأربعة أعلاه أنه لا أحد يرغب فى الذهاب لسيناريوهات المجهول التي فصلناها، لا الشعب ولا الجيش ولا العالم، الأفضل أن يظل الشعب داعماً لجيشه والجيش متمسكاً بقيادته وأن يبقى العالم معترفاً بشرعية الرئيس البرهان إلى أن تنتهي هذه الكارثة، وبعدها نسعى لإعادة ترتيب الملعب بكل تفاصيله السياسية والعسكرية.