ما أن ينتصف شهر نوفمبر من كل عام إلا و تعود بنا الذاكرة القهقري إلي يوم من أيام الله الخالدات هو يوم الإثنين السادس عشر في ذلك الشهر من العام 1995 عند الميل 72 ( سكة نمولي ) بالمنطقة العسكرية الإستوائية ،،، وفي ذلك الوقت إكتملت كل خيوط المؤامرة من قوي الشر و البغي لضرب مدينة ( جوبا ) الصامدة و قد تسلمت قوات التمرد – آنذاك – دعما ضخما في المؤن و العتاد ، ليس ذلك فحسب بل شاركت مجموعات مرتزقة في القتال علي الأرض من عدة جنسيات إفريقية و عربية وبالأخص دولة يوغندا التي تولت كبر ذلك كله فيما عرف عندهم بعمليات الأمطار الغزيرة و عندنا بمتحرك عزة السودان الذي كان عماده كتائب القعقاع بن عمر من المجاهدين الذين لبوا نداء الواجب في سرعة أذهلت الأعداء حيث لم تستمر الدعوة للإستنفار غير أسبوع واحد فتوافد الألوف صوب محبوبتهم جوبا حتي ضاقت بهم المدينة علي إتساعها و أعلن ألا صوت يعلو فوق صوت المعركة فكان النصر حليفا لأولياء الرحمن و الذل و الهزيمة و الإنكسار من نصيب أعوان الشيطان ،،، و قد كان – بحق – يوما من ايام الله الخالدات رغم فقدنا لأنفس عزيزة علي رأسهم الشهيد النقيب أبوعاقلة محمد أبوعاقلة قائد كتيبة المجاهدين و الملازم أول يوسف سيد قائد ثاني الكتيبة و أكتر من مائتي من المجاهدين ومثليهم من الجرحي ،،،، و من الشهداء الأحياء النقيب محمد عباس اللبيب و الدكتور ناجي عبد الله الحاج و رفيق دربه اللواء أنس عمر – فك الله أسره – وبقية العقد الفريد ،،،، و تمر الأيام و السنين و تتقلب الأحوال السياسية و العسكرية بصورة سريعة و مذهلة و يتغير كل شي في بلادي عدا المجاهدين الذين تربوا بين قرآءن و ساحات القتال شعارهم في كل حين ؛ سأثار لكن لرب و دين ، و أمضي علي سنتي في يقين ، فإما إلي النصر فوق الأنام و إما إلي الله في الخالدين ،،، و لقد إبتلي الله أهل السودان قبيل منتصف هذا العام بنفس أولئك المرتزقة وتلك الفئة الباغية ولكن في ثوب جديد و بشعارات كذوبة تحت قيادة أجهل و أخبث من وطئت أقدامه أرض بلادنا الحبيبة فقتلوا و شردوا وأغتصبوا و نهبوا وحرقوا ولم يسلم منهم أحد ولم ينافسهم في تلك الأعمال الإجرامية و البربرية علي إمتداد تأريخ البشرية سوي مجموعات القرامطة الذين هدموا بيت الله الحرام و التتار الذين أحرقوا بغداد عاصمة الخلافة الإسلامية و محاكم التفتيش التي نصبها الفرنجة عقب سقوط غرناطة آخر معاقل المسلمين في الأندلس ،،، و مع ذلك لم يتقاعس جيشنا الباسل عن أداء واجبه المقدس تجاه شعبه ولم تفتر لهم همة أو تلن لهم قناة بل لقنوا العدو دورسا لن ينساها من ( تكفل بهم ) علي مر الأيام و الدهور ،،، و في هذه الفترة أكرم الله أهل السودان ببعث تلك الثلة الطاهرة من جديد و كأن التأريخ يعيد نفسه و ما أشبه الليلة بالبارحة و علمنا بل تيقنا معني عبارة كان يرددها المجاهدون و يعزون بعضهم بعضا عندما تعز الشهادة علي أحدهم ( لعل الله يدخرك ليوم ما ) و لقد إدخر الله أقواما كثر لهذا اليوم من القادة الأفذاذ و علي مقدمتهم الأخ سيادة اللواء الركن محمد عباس اللبيب فهب من مدينة ود مدني السني في معية ثلة من خير أجناد الأرض و أتخذوا من ( جبل سركاب ) الذي نحبه و يحبنا قاعدة و ومنطلقا لتحرير كل شبر من بلادنا إمتدت إليه يد الغدر و الخيانة جنبا إلي جنب مع إخواننا رفقاء السلاح و القضية من قواتنا المسلحة الباسلة ، و في سركاب عادت أيام الجهاد الزواهر فكأنك في جامعة جوبا مقر قيادة المجاهدين ايام التسعينات أو في معسكر الشهيد عيسي بشارة بالقطينة أول معسكر لمجاهدي الدفاع الشعبي أو داخل معسكر هيئة العمليات بقطاع الرياض ، فلا تسمع إلا تكبيرا أو تهليلا أو تسبيحا و حلق الذكر و تلاوة القرآن و دروس السيرة العطرة تملأ الأجناب الفسيحة ذلك إلي جانب إعداد القوة إستعدادا لدحر المليشيا الإرهابية و أعوانهم ومن يعجبهم شأنهم ، ولكن هذه المرة بأيدي شباب صغار في السن أصحاب همم عالية و روح وثابة و صدق في القول و العمل وتجربة متفردة في فن التعامل مع تطورات و تقنيات الحرب الحديثة و قد قدموا أرواحهم رخيصة فداء و مهرا للحفاظ علي وحدة بلادنا أرضا و شعبا لتكون كلمة الله هي العليا و كلمة الذين كفروا السفلي وقد أعادوا لنا سيرا و بطولات كنا نظنها – جهلا منا – أنها قد إنتهت و ولت إلي غير رجعة بتغييب المشروع السياسي للإسلاميين الذي تمظهر في حكومة الإنقاذ الوطني . ( سنعود بالتفصيل – إن شاء الله – لتوثيق تلك الملاحم و البطولات في مقالات منفصلة إن أمد الله في الآجال.
كرري / 16 نوفمبر 2023