نذكر ابتداءً أن مساندتنا لجيش الوطن في معركة الكرامة لا تقبل النقض ولا الطعن، ولا تحتمل التراجع ولا التشكيك، وهي لا تمثل مِنَّة مِنّا ولا فضلاً من غيرنا، لأنها من أوجب الواجبات على كل من ينبض قلبه بحب هذا البلد الكريم، فالجيش يمثل عظم الظهر لأي دولة، وإذا انكسر لا تقوم لها قائمة.
نحن مع الجيش حتى ينتصر، ومع الجيش حتى إذا تضعضع وانكسر، ونثق أنه لن ينكسر لأننا نتحدث عن جيش شجاع وباسل لم يعرف الهزيمة ولم يتذوق طعم الانكسار طوال تاريخه الممتد قرابة المائة عام.
ولمن يزعمون أن الجيش التزم ثكناته وترك المواطنين نهباً لمصيرهم ولم يدافع عنهم في وجه المليشيا المتمردة الغادرة نقول إن قواتنا المسلحة دفعت ثمن الغدر والخيانة غالياً، وقدمت آلاف الشهداء والجرحى والأسرى، وروت الأرض بدمائها الزكية، وظلت ممسكةً بالزناد ووفيةً للخنادق منذ صبيحة يوم الخامس عشر من أبريل، تقاتل جيوش الغدر وجحافل الخِسَّة لنصف عام بمنتهى الشجاعة والإقدام.. حاشاها ما توانت ولا قصرت ولا بخلت بالأرواح والدماء والمُهج.
ولكي ندلل على حجم التضحيات التي قدمها جيشنا الباسل يطيب لنا أن نضرب المثل بالدفعة (43)، التي زفت حتى اللحظة سبعة عشر كوكباً على هيئة ضباط عظماء (برتبة عميد) شهداء في معركة الكرامة، وذلك ثمن باهظ لم يدفعه الجيش حتى في حرب الجنوب التي استمرت أكثر من نصف قرن.
نحن مع المؤسسة بلا مراء، ندعمها ونشد من أزرها ونسندها ونعظم تضحياتها ونشد على أيادي فرسانها، وبالتالي فإن أي نقدٍ يُوجّه لقيادتها ينبغي أن يُفهم في سياقه، ويؤخذ على محمل المناصحة، ويدخل من باب (نصف رأيك عند أخيك).. ورأيان خير من رأي واحد.
لذلك كله نسأل عن مسببات التراجع المهين عن الثوابت التي أُعلنت في السابق عن عدم العودة للتفاوض إلا إذا التزمت المليشيا المتمردة بتنفيذ ما توافقت عليه مع الجيش في منبر جدة، عبر إعلان المبادئ الموقع في الحادي عشر من شهر مايو الماضي، واتفاق جدة الموقع في الحادي والعشرين من الشهر نفسه!
لماذا قبِل البرهان إعادة وفد التفاوض إلى جدة قبل أن تخلي مليشيا التمرد الأحياء السكنية ومنازل المواطنين ومؤسسات الدولة والمرافق الخدمية والمستشفيات وبقية الأعيان المدنية، وتكف أياديها عن البطش بالمواطنين، وتوقف حربها المجنونة الغاشمة عليهم؟
لماذا تم التراجع عن ذلك المطلب المشروع والمسنود باتفاقين دوليين مهرهما المتمردون بتوقيعهم طواعيةً على رؤوس الأشهاد.. ما السبب؟
لماذا ولأي سبب يتم إدخال منازلنا ومستشفياتنا ومدارسنا وجامعاتنا ومؤسسات دولتنا ومراكز خدماتنا في بنود التفاوض الجديد؟
ولماذا لم يرد ذلك الالتزام المشهود في البيان الصادر من وزارة الخارجية السعودية بخصوص بنود التفاوض بين وفدي الجيش والمتمردين؟
كثيرون مثلي نظروا إلى قبول البرهان بالتفاوض ابتداءً تحت لافتة الجيش (لا الدولة) كتنازلٍ موجع وغير مبرر، فإلى متى ستستمر مسيرة التنازلات المهينة والموجعة، بالتخلي عن شرط إخلاء المنازل والأحياء السكنية والأعيان المدنية قبل مواصلة التفاوض مع من لا يحترمون عهودهم ولا يفون بالتزاماتهم؟
ما قيمة التفاوض وما فائدته وما قيمته إلا لم يتم وضع مخرجاته موضع التنفيذ؟
تحمَّل الملايين من أهل السودان ويلات حرب فقدوا فيها كل شيء.. فقدوا كرامتهم وأمنهم وشرفهم وأموالهم وممتلكاتهم ومدخراتهم وشقى أعمارهم.. تحملوا وصبروا واحتسبوا واستمروا في دعم جيشهم ثقةً منهم في أنه سينتصر ويقتص لهم ممن ساموهم سوء العذاب، وفوضوا الجيش لحسم التمرد.. لا للتورط في تفاوضٍ مؤلمٍ ومهين، يتم فيه التنازل عن أهم بندٍ وشرط، يتعلق بخروج المرتزقة من الأحياء والمنازل وكل الأعيان المدنية، وكف أياديهم الآثمة المجرمة عن إيذاء المواطنين.
متى يدرك البرهان أن شعبه الوفي الصابر المحتسب هو سنده الأقوى وكنزه الأغلى والأبقى وليس المجتمع الدولي المتآمر مع قوى الشر والبغيان؟
إلامَ وحتام سيستجيب البرهان لضغوط الثلاثية والرباعية والسباعية والعشارية ويسمح لبعض السفارات بأن تطعن الوطن في خاصرته الجريحة عبر عملاء قذرين أمنوا العقوبة فأساءوا الأدب وأصبحوا يجاهرون بخيانتهم على الملأ.. يساندون التمرد بلا خجل ويغضون الطرف عن انتهاكاته الجسيمة وجرائمه المُنكرة ويطعنون في وطنية وقومية الجيش ويتهمونه ببدء الحرب وقتل المواطنين والخضوع لقوى سياسية بعينها، تجريداً له من قوميته ومهنيته وتاريخه الباذخ؟
لماذا لم تتم ملاحقة أولئك العملاء بإجراءات قانونية صارمة توقفهم عند حدهم وتحاصر عمالتهم وتجعلهم عبرةً لكل من تحدثه نفسه بخيانة وطنه والطعن في جيش يقاتل بكل استماتة وشرف لحماية الأرض والعرض من فيوض الخيانة والخسة والدناءة؟
لماذا تصمت قيادة الدولة عن دُول الشر التي تسعِّر نيران الحرب في بلادنا وتوفر الأسلحة والذخائر والعتاد الحربي للمتمردين، لتقتل أهلنا وتحرق أطفالنا وتدمر بلادنا وتُردِي ضباطنا وجنودنا كل صباح؟
ما الذي يمنع قيادة الدولة من فضح تلك الدول وملاحقتها بشكاوى رسمية في مجلس الأمن الدولي وكل المحاكم الدولية وإعلان حقيقة ما ترتكبه في حق الشعب السوداني المنكوب؟
كيف ولأي سبب يتم الاحتفاظ بعلاقات دبلوماسية مع دول الشر التي تدعم التمرد.. ولماذا يُِسمح لسفرائها بتدنيس تراب السودان الطاهر، وكيف يتم تمكين بعضهم من مقابلة رأس الدولة مراراً في بورتسودان برغم ما فعلته وتفعله دولهم بالسودان وشعب السودان؟
متى يدرك البرهان أن قوته الحقيقية تكمن في شعبه الذي صبر وتحمل واستمر في مساندة جيشه والهتاف له ودعمه (جيش واحد .. شعب واحد)، برغم فيوض الوجع وضخامة الخسائر التي تعرض لها ملايين السودانيين في حرب فقدوا فيها كل شيء.. إلا إيمانهم بربهم وبقدرة جيشهم الباسل على حسم التمرد الغاشم؟
ثم .. إلى متى يتلكأ الفريق البرهان في تنفيذ وعده القاضي بتكوين حكومة كفاءات وطنية تعالج مشاكل المواطنين وتخفف عنهم أوجاع الحرب وآلامها ومعاناتها وتحسِّن وتيرة العمل في دولاب الدولة المعطل بسبب غياب الحكومة الفاعلة منذ أكثر من عامين؟
إلى متى تظل الولايات في عهدة ولاةٍ ضعيفي الأداء، متواضعي القدرات، سارت بفشلهم الركبان، بدليل أنهم عجزوا حتى عن حماية النازحين من جور وغلواء تجار الحروب، وأخفقوا حتى في استصدار أوامر محلية يمنعون بها جشع أصحاب العقارات الذين ضربوا قيمة إيجاراتهم في الرقم مائة.. من دون أن يخشوا محاسبة أو معاقبة؟
إلى متى يبقى بعض أعضاء مجلس السيادة والوزراء في مناصبهم بعد ثبوت انتمائهم للتمرد ومجاهرتهم بدعمه وتبني مواقفه ومعاداة الجيش وقيادته وخيانتهم لشعبهم جهرةً؟
ختاماً نسأل: مللنا مطالعة الأخبار التي تبدأ بعبارة (الجيش يصُد).. ونسأل: متى سنطالع أخباراً تبدأ بعبارة (الجيش يهاجم)؟.. والهجوم خير وسيلة للدفاع؟؟
ذلك مع عظيم تقديرنا لما يبذله الجيش كمؤسسة في هذه الحرب الضروس .. والأسئلة الساخنة موجهة للقيادة لا لضباط وضباط صف وجنود محترفين تلزمهم مهنتهم وانضباطهم بطاعة وتنفيذ أوامر القيادة .. فإلى متى ستستمر سياسة الدفاع من على الجدران .. بعد أن شاهدنا محصلتها في الاستراتيجية واليرموك والاحتياطي المركزي ونيالا الحرة.. التي قدم فيها أبطال الفرقة (16) مشاه فواصل من البسالة .. ستبقى للتاريخ.