المعقول واللاّ معقول في العلاقات الدبلوماسية (18)
عجائب رؤساء( 2 )
كان القذافي مصمماً على نقل منظمة الوحدة الأفريقية من أديس أبابا إلى القاهرة؛ بحجة أن إثيوبيا تقيم علاقات مع إسرائيل؛ فبعث وزيره علي عبد السلام التريكي في جولة أفريقية لحشد الدعم لذلك.
ومما يرويه التريكي أنه زار كينيا – كان هذا أواخر السبعينات؛ لأن كنياتا توفي في 1978 – في هذا المسعى، وفوجِئ أنه وجد أربعة رجال يحملون مثل السرير يجلس عليه كنياتا.. وهو للأسف عين ما كان يفعله المستعمرون الإنجليز بأهلنا في عدد من الدول الأفريقية.
التقى التريكي بالرئيس جوكو كنياتا في ممبسا.
وحين قدمه رصيفه الكيني إمبيكا (اسمه القَبَلِي مودينغا) لكنياتا، سأله عن جواز سفره الليبي، فأجابه التريكي عن هذا السؤال المحرج أنه تركه في الطائرة التي أقلّته. ولما طرح عليه التريكي رسالة القذافي، نظر له باستنكار؛ ثم قال له: تريدون إذن نقل المنظمة لأن إثيوبيا تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل!!! مع السلامة أيها الوزير.. وترك التريكي جالساً وخرج؛ في تصرف مُسيئ؛ لا هو دبلوماسي non-diplomatic ولا هو رئاسي non – presidential!!!
ولم يتوقف حرج التريكي عند ما لاقاه من الرئيس كنياتا؛ بل إن وزير الخارجية الكيني مودينغا، قال له: إننا نريد الطائرة التي حضرت بها وسنعطيك تذكرة لتعود لبلادك!!! ولم يتخلّص من المأزق إلاّ بعد أن قال للوزير: إنه ذاهب لبوروندي وبعد أن يكمل مهمته سيعود ليسلمهم الطائرة!!!
حضرت أحد مؤتمرات منظمة الساحل والصحراء (س ص) وهي المنظمة التي أنشأها القذافي في هوجته للسيطرة على أفريقيا.. وكانت تمثل النيجر على مستوى وزراء الخارجية، وزيرتها فاطمتو التي كانت شابةً جميلة.
قال لها وزير الخارجية الليبي عبد السلام التريكي مُمازحاً: إنه يرغب في الزواج منها، وإنه سيعطيها ألف بعير مهراً لها.
وحذرها دكتور مصطفى عثمان من الزواج بالتريكي قائلاً: إن التريكي سبق أن عرض الزواج على وزيرة خارجية موريشص؛ فلما عادت لبلادها أُعْفِيت من المنصب!!!
وكانت لجمالها تلفت نظر وزراء الخارجية.
ودخلت في إحدى المرات قاعة المؤتمر متأخرةً قليلاً، فقطع التريكي الجلسة ليصيح من أعلى المنصة لدكتور مصطفي قائلاً: مصطفى، مصطفى، ألف بعير، ألف بعير.. وضجت القاعة بالضحك؛ لأن المترجمين ترجموا تلك الجملة، وشاع جو مرح.
وكان لدكتور مصطفي علاقة مودة وصداقة بالتريكي مكّنته من تخفيف كثير من جنون القذافي وغلوائه إزاء السودان.
وحتى القذافي نفسه كان يحب دكتور مصطفى، واستغل هذه العلاقة في التأثير قليلاً على القذافي.
حضرت آخر قمة رأسها القذافي في مدينة سرت (27-28 مارس 2 r010). وخلالها رأيت القذافي عن قُرب عدة مرات. ولاحظت أن كعب حذائه كان أعلى من العادي.
فيما بعد قرأت ما وجدت به تفسيراً لكعب حذائه، وهو إفادة عن – فيما أظن – شلقم وزير خارجيته في كتاب شربل (في خيمة القذافي)، قال فيها: إن القذافي كان معقَّداً شيئاً ما من قصر قامته النِسبِي ، لذا كان يضيف زيادة لكعب حِذائه ليبدو أطول ، ويُخفي ذلك بملبسه الأفريقي الطويل .
وأضاف: أنه كان يضيق بالرجال الذين يفوقونه طولاً، ولذلك كان يكره الرئيس السنغالي عبدو ضيوف.
وقال: إن القذافي كان عُنصرياً، رغم مساعيه أن يصبح ملك ملوك أفريقيا.
وقال: إنه كان يوجه مساعديه بإعطاء بعض الرؤساء الأفارقة مالاً؛ قائلاً: أعطوا العبد شيء!!
وبدا القذافي في جلسة الرؤساء طريفاً خفيف الظل ساخراً. وكنت حضرت بوصفي مديراً للإدارة العربية.
وبالتناقض مع انطباعي عن القذافي؛ فإن الشهادات التي أوردها غسان شربل في كتابه (في خيمة القذافي) عن خمسة من كبار من كانوا مع القذافي اغتالت صورته تماماً.
قال أحد الشهود لشربل إنّ القذافي كان زير نساء womanizer، بل قال إنه – أحياناً – يتلذذ بعَضِّ المرأة حتى تسيل دماؤها بعد أن يقضي منها وطره؛ ثم يعمد مَنْ حوله لإسكاتها بالمال وفقاً لتوجيهاته. وقال ذلك الشاهد أيضاً إن القذافي كان مثلياً.
وفي هذا الصدد أورد الصحفي الأميركي الشهير بوب وودوارد في كتابه Veil (القناع) شهادة لوليم كيسي مدير CIA الأسبق قال فيها إن القذافي مِثلي، وأضاف ساخراً ينبغي أن نرسل له بعضهم من سانفرانسيسكو (وسانفرانسيسكو عاصمة السدوميين في أميركا. والسدوميون من سدوم وهي القرية التي كانت تفعل الفواحش في زمن سيدنا لوط، ما سبقهم بها أحد من العالمين). نُشر Veil عام 1987 وطُبع عشر طبعات.
وللحقيقة فإن شهادات الرجال الخمسة عن القذافي في كتاب شربل، تجعلك تحتقرهم بمثلما تُنكِر فِعَال القذافي، إذ كانوا يعظِّمونه ويُمجِّدونه وهو في السلطة، فأعانوه بنفاقهم على باطله ودَمَوِيّتِه.
ما كان للبشير كثير ود للقذافي؛ لأدواره السالبة ضد السودان، منذ دعمه لجون قرنق، ثم دعمه لمتمردي دارفور.
ولذلك كانت زياراته لليبيا دائماً قصيرة المدة.
وأذكر أنه غادر سرت مباشرةً بعد انتهاء الجلسة الافتتاحية.
ونحن نودعه سأل عن من سيبقى لحضور باقي الجلسات، فقيل له: إن وزير الدولة للخارجية والسفير الأزرق سيبقون.
التفت ناحيتي وقال لي مازحاً: اجلس على كرسيي، ما تخاف من الرؤساء وتكلم كما تشاء.
عندها قال له دكتور مصطفى عثمان ضاحكاً:
“السيد الرئيس، ما تقول كلام زي ده لعبد الله الأزرق”.. وضحك الجميع.
ومن عجائب الرؤساء الأفارقة وما يروى عن حيل السفراء، أن بوكاسا رئيس افريقيا الوسطى الأسبق، والذي كان غريب الاطوار ونصّب نفسه إمبراطوراً ؛ أنه استدعى سفراء أميركا وفرنسا والاتحاد السوفيتي لموقع قال لهم إنه يريد أن يبني به عاصمة جديدة بديلة عن بانغي، وأنه سيكون بها شارع يسمى شارع ديجول تبنيه فرنسا، وآخر يسمى روزڤلت تبنيه أميركا، وهنا سقط السفير الروسي أرضاً وتظاهر بالإغماء، خشية من أن يطلب من بلاده بناء طريق باسم غورباتشوف. ويري بعض من قابل بوكاسا أنه كان يتندر بحيلة السفير الروسي التي لم تفت عليه!!!
وكان القذافي يغري بعض الرؤساء بالمال ليُسلموا . وكان من بين من أسلم منهم الرئيس بوكاسا . ثم ارتدّ عن الإسلام .
وبعد ارتداده شاعت في ليبيا رواية ساخرة تقول إن القذافي أرسل إليه يطلب منه إعادة ما استلمه من أموال ، فأجابه بوكاسا :
” سأرد إليكم أموالكم بشرط أن تُعيدوا إليّ ما قطعتموه من جسدي ” يعني ما قطع في خِتَانِه حين أسلم !!!
📍السفير عبد الله الأزرق
—————————————
25 أكتوبر 2023