سناء حمد تكتب: حين تكون المبادئ سلعة ؟!

ان المتابع لمسار الصراعات العنيفة التي تجري في العالم اليوم ، من اوكرانيا الى السودان الى غزة الان ، سيرى انه لا يمكن ان تكون سياسة الكيل بمكيالين اكثر وضوحاً مما هو عليه الان ، لقد حث الاتحاد الاوربي دوله وشعوبه لدعم اوكرانيا وفتحت الدول الاعضاء فيه وغير الاعضاء حدودها لمواطنيها للتطوّع للقتال بجانب القوات الاوكرانية !! ، لكنه بالمقابل في السودان ضغط على قائد الجيش حتى لا يدعو مواطنيه وهم السودانيون داخل السودان للدفاع عن انفسهم وحماية بلادهم !! وهم الذين دُمِّرت مؤسساتهم و قُتِّلوا وانتهكت اعراضهم ودُمِّرت بيوتهم ونهبت ، وأعتقل منهم الآلاف في سجون سرية وقتل الآلاف خاصة في الاسبوع االاول للحرب …. لقد تدخل الغرب ليُمنع هولاء من القتال بجانب جيشهم الوطنيّ ، الذي كان يواجه قوة عسكرية حينها تعادل تسعة اضعاف عدده داخل الخرطوم ( 15 الف جندي مقابل 130 الف متمرد)!! لقد تأخرت لهذا السبب خطوة استدعاء قوات الاحتياطي قرابة الشهرين حتى سقطت الخرطوم في يد قوات المليشيا المدعومة من الاتحاد الاوربي عبر ممثلته في القرن الافريقي الالمانية آنيت ابنر ، ومن خلال البعثة السياسية للامم المتحدة عبر الالماني فولكر بيرتس وعبر قوى الحرية والتغيير واسرائيل ودول اقليمية وظيفية .
لقد تمت الخطوة بعد ان تمكنوا منها وحولوها لمدينة اشباح ، خالية من السكان ، في اكبر نزوح جماعيً من نوعه في العالم 7 مليون شخص في شهرين فقط ، يغادرون بيوتهم وممتلكاتهم ، لانه استخدم ضدهم وبرعاية دولة عربية ومسلمة أسوأ سياسة يمكن ان تستخدم ضد مجتمعات مسالمة ومستقرة ، وهي القتل الاعمى للعزل والاغتصاب الممنهج للنساء .

اليوم لم يستنكر الغرب ان الجيش الإسرائيلي الذي يُعد رابع اقوى جيش في العالم قد استدعى ( استنفر ) فوراً أكثر من 300 الف مواطن لدعمه في العمل القتالي وفتحت الدول الاوربية Fast Track لمواطنيها للتطوع بجانب الجيش الاسرائيلي !! وقد حشدت اميركا 2000 جندي للمشاركة في اقتحام غزة ، وكل هذا في مواجهة قوة حماس التي هاجمت ب 129 مقاتل مستوطناتهم وكسرت الجدار باقل من ذلك !! وتلقت اسرائيل كامل الدعم الامريكي والاوربي على ما تقوم به من قتل ووحشية لم تنج منه المستشفيات ولا المساجد ولا الكنائس ، فهي بحسب منطقهم تدافع عن نفسها ووجودها !! اذاً ماذا يفعل الجيش السوداني والشعب المساند له قتالاً وصبراً ، سوى الدفاع عن النفس وعن وجود الدولة ضد خطة احلال وابدال سكاني !
.
لم تتحدث المعارضة الاسرائيلية ولا النخبة الاسرائيلية او الغربية مجرد حديث ينتقد الجيش الاسرائيلي في انه طلب من الشعب الاسرائيلي ومن اليهود واصدقائهم في العالم عونه ، لم يقولوا ان على الجيش الاسرائيلي القيام بعمله وحده ! ، وعليه الا يطلب من المواطن القيام باداء مهام لا تخصه كما فعل المعارضون السودانيون .

لم يقفوا للبحث عن طبيعة المستنفرين للحرب الظالمة ، هل هم متدينون ام علمانيون !! ولا دققوا في هويّاتهم الايدلوجيّة ولا ميولهم الحزبيّة ، يكفي تقديراً لهم في نظرهم انهم تقدموا للدفاع عن حق اسرائيل في الوجود رغم انها قوة باغية و محتلة !! لم يقولوا ان الجيش يقتطع ميزانيته من دافع الضرائب وعليه ان يقوم بدوره منفرداً بمعزل عن الدفع بالشباب والمواطنين للحرب !! ، لقد اعتبروا اي حديث من هذه الشاكلة خيانة لاسرائيل ولقيمهم .
لقد شكّل نتنياهو حكومة طوارئ بسبب عملية حماس ، التي قتل فيها 1300 اسرائيلي ، ولم تغتصب سيدة ولم يدّمر عِمران ، بينما منعوا في السودان رئيس البلاد من اعلان حكومة طوارئ!!! ، رغم انه قد قتل الالآف واغتصبت الالآف واختفى الآلاف ودمرت كل البنيات التحتية وعادت الخرطوم قرناً للوراء .

لقد ضربو عرض الحائط بحرية التعبير وبالحق في التظاهر وبالحريّات الشخصية !! لقد طردوا قناة الجزيرة لان القضية قضية امن قومي ، واوقفت اذاعة BBC عدد من موظفيها لمجرد انهم ابدوا تعاطفاً مع غزة !! واعتقل شاب لانه يحمل العلم الفلسطيني في قلب عاصمة ديمقراطية ويست مينستر !! ، لقد اعتبروا جميعاً ان المعركة وجودية لاسرائيل .
ان هذه القوى الغربية ” وعملائها بالاقليم وبالداخل ” وبعض ” القوى المدنية الداعية لوقف الحرب ” بلا خطة ولا بديل لا همّ لهم سوى ضمان ان يكون الدعم السريع وقادته جزء من المستقبل وان يعود لحيث كان وكأن حرب 15 ابريل لم تكن ! وكأن كل هذه المآسي والخراب لم تكن !!
هذه القوى والاحزاب التي تستنكر مجرد استدعاء الجيش للاحتياطي الرسمي له ، واستنفاره لشعبه ، لمواجهة قوات منشقة عنه عددها الان اكبر من عدد الجيش نفسه ..كما قال حميدتي بنفسه!
هذه القوى والاحزاب السياسية ، التي تبذل غاية وسعها مدفوع القيمة ! لاعادة الدعم السريع الى وضعية متقدمة في الحياة السياسية والعامة في السودان ، وتسعى لضمان ان يتم دمجه في الجيش الوطني الجديد الذي يسعون لانشائه وفق ترتيبات معينة واستثنائية ، و تعمل كي يعودوا هم لتسيّد المشهد ، ونعود لانتاج ذات المُنتج ،
يا هولاء يامن تظنون ان العجله يمكن ان تدور للوراء ، إعلموا يقيناً ان هذا لن يكون حتى يلج الجمل في سم الخياط .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *