ألقت المعركة الاقتصادية بين روسيا وأوروبا بظلالها على إمدادات الغاز المسال في دول آسيا، وسط مخاوف من نقص الوقود مع اقتراب فصل الشتاء.
وأدت قيود موسكو على إمدادات الغاز إلى الاتحاد الأوروبي عبر خطوط الأنابيب، والتصميم الغربي على إنهاء استخدام الوقود الأحفوري الروسي، إلى زيادة الطلب على الغاز الطبيعي المسال.
وفي هذه الأثناء، كثّفت الدول الآسيوية -التي عادةً ما تكون أكبر المشترين- جهودها لتأمين الإمدادات لفصل الشتاء وما بعده، إذ أدى ظهور أوروبا بوصفها أكبر مشتري الغاز المسال إلى تغيير ديناميكيات السوق، وفق ما نقلته صحيفة “نيكاي آسيا” (Nikkei Asia).
ارتفاع واردات أوروبا من الغاز المسال
قال كبير الاقتصاديين في شركة اليابان الوطنية للنفط والغاز والمعادن، تاكايكي ناغومي: “يتعيّن على آسيا الآن أن تتدافع للحصول على الغاز الطبيعي المسال، وتتنافس مع أوروبا التي لم يَعُد الغاز الطبيعي المسال بالنسبة إليها مصدرًا إضافيًا للطاقة”.
وارتفعت واردات أوروبا من الغاز الطبيعي المسال بنسبة 65% في الأشهر الـ8 الأولى من عام 2022، مقارنةً بالمدّة نفسها من العام الماضي (2021)، وفقًا لوكالة الطاقة الدولية.
وجاء الطلب الإضافي من رغبة أوروبا في تأمين الغاز لفصل الشتاء، وقد بلغت مستويات المخزونات في أوروبا 87% من سعة التخزين العاملة حتى أواخر سبتمبر/أيلول، بحسب المعلومات التي اطّلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة.
إمدادات الغاز المسال الروسي إلى أوروبا ترتفع 15% رغم توقف ضخ الأنابيب
وما تزال أوروبا تهدف إلى خفض طوعي بنسبة 15% في الطلب على الغاز خلال المدّة من أغسطس/آب إلى مارس/آذار، مقارنةً بمتوسط السنوات الـ5.
ويوضح الرسم البياني التالي -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- واردات أوروبا من الغاز المسال في الأشهر الـ5 الأولى من عام 2022:
أوروبا تستفيد من انخفاض الطلب الآسيوي
استفادت أوروبا من انخفاض الطلب في أماكن أخرى؛ إذ أدى انخفاض واردات آسيا من الغاز المسال إلى إتاحة الكميات للسوق الأوروبية.
فقد خفّضت الصين -أكبر مستورد للغاز المسال في العالم- أحجامها بسبب ارتفاع الأسعار؛ وزادت -بدلًا من ذلك- من استخدامها للغاز المحلي والفحم وكذلك واردات الغاز عبر خطوط الأنابيب.
كما أدى التباطؤ الاقتصادي في الصين وسياسة عدم انتشار فيروس كورونا إلى انخفاض الطلب.
وقال نائب رئيس أبحاث الغاز والغاز الطبيعي المسال لدى شركة وود ماكنزي، ماسيمو دي أودواردو: “سيزداد الطلب على الغاز المسال خلال فصل الشتاء، لكن الصين تظل مغطاة جيدًا بالغاز المسال المتعاقد عليه”.
وأشار إلى أنه “من غير المرجح أن تضطر بكين إلى التعامل مع السوق الفورية، ما لم يكن الشتاء باردًا بصفة خاصة”.
ارتفاع مخزونات الغاز في آسيا
تبدو المخزونات الآسيوية الأخرى من الغاز المسال قوية نسبيًا، وفق ما نقله تقرير “نيكاي آسيا”.
وبحلول يونيو/حزيران، ارتفعت مخزونات الغاز الطبيعي المسال في اليابان وكوريا الجنوبية بنسبة 8% أعلى من متوسطها لمدة 5 سنوات.
وقال معهد كوريا لاقتصادات الطاقة -هذا الشهر- إن شركة كوريا غاز كورب ستؤمّن 90% من طاقتها الاحتياطية من الغاز الطبيعي المسال بحلول الشهر المقبل.
ووفقًا لوزارة الاقتصاد والتجارة والصناعة اليابانية، بلغ مخزون الغاز المسال لأكبر شركات توليد الكهرباء في البلاد 2.5 مليون طن في 16 أكتوبر/تشرين الأول، وهو أعلى بكثير من متوسط السنوات الـ5 البالغ 1.8 مليون طن.
تحركات دول آسيا لمواجهة أي نقص
يقول محللون إنه من غير المرجح أن تعاني الدول المستوردة للغاز على الفور نقصًا في الإمدادات، لكن الشتاء القارس بصفة غير متوقعة قد يغيّر ذلك.
وفي اليابان، وافق مجلس الوزراء هذا الشهر على تغييرات في قانون يسمح لشركة اليابان الوطنية للنفط والغاز والمعادن بشراء الغاز عندما لا تستطيع الشركات الخاصة تأمين إمدادات كافية.
وفي كوريا الجنوبية، استضافت الحكومة الشهر الماضي اجتماعًا مع شركات الغاز لمناقشة الإمدادات لهذا الشتاء.
وقالت كوريا غاز -خلال الاجتماع- إنها لا ترى مشكلات حتى الآن مع واردات الغاز الطبيعي المسال. ومع ذلك، تخطط الشركة لتأمين إمدادات إضافية للموسم ومراقبة السوق الدولية بعناية.
ومن جانبها، أكدت قطر -ثاني أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم في عام 2021 لآسيا- أنها ستفي بجميع عقودها للمشترين الآسيويين على الرغم من الطلب المتزايد من أوروبا.
وقال وزير الطاقة سعد بن شريدة الكعبي لـ”نيكاي آسيا”، في 18 أكتوبر/تشرين الأول، إن “قطر ملتزمة تمامًا بحرمة عقودها. الحجم الذي التزمنا به تجاه أوروبا سيذهب إلى إليها، لكننا لن نتخلى عن المشترين ونحوله إلى أوروبا”.
مخاطر محتملة في عام 2023
على الرغم من جهود الدول لخفض الطلب وظهور إمدادات جديدة، يقول المحللون إن أمن الطاقة للعديد من البلدان ما يزال هشًا.
وقال أودواردو: “قد لا تتمكّن أوروبا من تخزين سوى 80% إلى 85% من الغاز بحلول نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2023”.
وأضاف: “ومع ذلك، إذا كان هذا الشتاء أكثر برودة من المتوسط، وخُفضت الصادرات الروسية إلى الاتحاد الأوروبي بصفة أكبر، فقد لا تصل أوروبا سوى إلى 60% إلى 70% من الغاز المخزن، على الرغم من زيادة واردات الغاز الطبيعي المسال. ستكون إجراءات خفض الطلب أمرًا لا مفر منه في ظل تلك الظروف”.
%72 من صادرات محطة فريبورت للغاز المسال تتجه إلى أوروبا
وعلاوة على المخاطر المتعلقة بروسيا، تسبب عدد من الحوادث هذا العام في حدوث اضطرابات غير متوقعة في الإمدادات، بما في ذلك حريق في محطة فريبورت الأميركية للغاز المسال، والإضراب في منشأة شل للغاز المسال في أستراليا، وإعلان القوة القاهرة من قبل شركة بتروناس الماليزية المنتجة للغاز بعد تسرب خط الأنابيب.
كما هناك مخاطر بالنسبة إلى اليابان فيما يتعلق بإمدادات الغاز من مشروع سخالين 2 في روسيا، الذي جرى الاستيلاء عليه من قبل روسيا وتركته شركة شل التي كانت الشريك التشغيلي للمشروع.
إذ تستورد اليابان ما يقرب من 9% من الغاز المسال من المشروع، ومن غير المؤكد ما إذا كانت الشركة الروسية الجديدة “سخالين إنرجي” ستتمكّن من التعامل مع أي عطل طارئ أو صيانة في غياب شل، التي طالما قدّمت المعرفة التقنية.