حين نهض الرعب في الكلاكلة القبة..(٣/١) .. عطاف عبدالوهاب


(١)
لن ينس مجتمع ( الكلاكلة القبة) ابدا يومي الجمعة الحزينة والسبت الأسود 20/21 يوليو 2023.. هجرة جماعية لمجتمعهاالكبير..فرادى وزرافات نهرا وبرا..أكثر من عشرة آلاف نسمة غادروا نازحين ومهجرين قصرا إلى الولايات ( المتخمة) بالنازحين.
فمنذ بداية الحرب في الخامس عشر من ابريل ٢٠٢٣ م بين الجيش والمتمردين (قوات الدعم السريع ) كانت القبة هادئة وديعة تستريح في طرف النيل و تشق سماءها ليلا نوبات الصوفية وطبول ( السماكة) يطربون الحوت ليرقص في الشباك فيذهبون به صباحا الى السوق رزقا وفيرا ..
ثم حدث ما حدث ..
هبط السرطان اللعين الى قبتنا الحنينة و بسط الرعب ذراعيه في قلوب الناس بالوصيد.. حين دخل المتمردون إلى القبة يطلقون الرصاص في الهواء وفي صدور الأطفال ظلما وعدوانا..
استمتع المتمردون _ ويكأنهم _ بجلد الشباب والشيوخ والنساء ( تالله ضربوا شيخا كبيرا في الثمانين من عمره بسيطان العنج بعد ان أجبروه على الانبطاح امام بناته (لم يصدهم بكاءهن الحنين )..وضربوا امرأة خمسينية بالبسطونات وهي تبكي وتصرخ ولكن قلوبهم قدت من حجر .
نهبوا السيارات والاشخاص واقتحموا البيوت وسرقوا الأمان من شوارعنا ..ونحروا النوم في المقل..
(سرقت سيارتي بعد ان انزلني منها تحت تهديد السلاح اثنين من المتمردين..)..
(٢)
تجمعت الاسر ..وتسارعوا نحو النيل وتسابقوا على (المراكب والرفاسات ) باتجاه أرض الجموعية غرب النهر ..قليلهم غرق وكثيرهم وصل بأمان منتشرين في أرض الله..
خرج اهل القبة يبكون بالدمع السخين لفراق ارضهم ودارهم وذكرياتهم واحلامهم.. يرمون باللوم على (الطوابير ) الذين ارشدوا المتمردين على بيوت الناس ..يخبرونهم بمن تسلحوا حسب اللستة التي معهم ..كيف خرجت لستة المسلحين هذه للمتمردين .؟كانوا يقرأون فقط اسم المسلح من ورقة ليدلهم الطابور الخائن على منزله ..
الطوابير في القبة الكلاكلة أخبروا الدعامة بمن يملك السيارات واين اخفوها..ومن يملك المال ..دلوهم على بيوت الضباط والاعلاميين..
(٣)
اختطف وليد صديق الاعلامي بسونا من منزله في ( التريعة) ..عن طريق طابور ..وبالرغم من انني ظللت متخفيا في منزل لا يصلح لسكنى البني آدم..الا انني خشيت من الطوابير..فمن أتى لزميلنا بالمتمردين حتما سيسعى لدلهم علينا..كده ساكت حتى يكسب ودهم وبعض متاع الدنيا علما ..وجهلا يخسر نفسه ومجتمعه واخرته. لقد تسبب هؤلاء الغجر الجنجويد في الم الناس وفجيعتهم وقتلهم بطريقة مباشرة..
(٤)
وبعد اختطاف الزميل وليد تأكدت تماما أن الخروج واجب حتمي وشرعي..انطلقت للنيل فورا بعد ان جهزت ( بقجتي ) اقصد مركبا لينقلني الى الغرب ( كنت احاول تخطي نقاط الارتكاز للمتمردين كما فعل الكثيرون )..
قال لي صاحب ( الرفاس ) سنذهب ونعود إليك خليك قاعد هنا مع الجماعة ديل فهم اللاحقين كانت هناك أسرة يريد توصيلها اولا ..
(خير )..هكذا اجبته .. وذهبت تحت ظل شجرة ووضعت رأسي على بقجتي..وتذكرت المرحوم الطيب مصطفى صاحب منبر السلام العادل ومؤسس صحيفتي الانتباهة والصيحة وهو يقول في ندوة شهيرة ( نشيل بقجنا نمشي وين ؟ ) في قراءة مستقبلية لحال السودان ..
صدق المرحوم الطيب فقد نهضت الحرب من مضجعها لتؤرق الخرطوم ..
وبعد سنين من قول الطيب هذا ..ها أنذا احمل (بقجتي) وليس لي هدف محدد ..وفي جيبي ما يعادل العشرين دولار فقط ..كل همي أن اخرج من هذه المحنة العظيمة..
اخرجت سيجارة غبية يتيمة واشعلتها..وبعد أن نفثت النفس الأول ناداني صاحب الرفاس من طرف النيل ..ظننته ينادي شخصا اخر لكن تأكدت ان النداء لي ..فذهبت اليه وقال لي اركب ..
وبعد أن مضى بنا (الرفاس) ..علمت أن هذه الأسرة تعرفت علي وقالت احداهن لصاحب المركب ..هذا (جنى) عبدالوهاب ..ناديهو يمشي معانا..كانت إحدى نساء (الحلة) مع اسرتها
انطلق المركب ..وانا اذكر نبي الله موسى ( وخرج منها خائفا يترقب ) ولم احس بالأمان الا حين وصلت إلى ( المثلث) وهو سوق كبير كحلت فيه عيني برؤيةالجيش ..ورأيت آلاف النازحين يقطعون السد باقدامهم مع انتشار كبير للقوات المسلحة ..
مشيت كما لم امش في حياتي من قبل ..حتى قطعت الخزان ووصلت سوق جبل أولياء وكل طرف من أطراف جسدي يرتعش حتى وصلت إلى منزل عمي ..لافاجأ بأن كل الاهل والاحباب سبقوني إلى هناك ..
كانت أياما عصيبة لن ننساها ابدا..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *