منذ تولي الرئيس الإنتقالي الجنرال محمد إدريس ديبي إتنو مقاليد السلطة بعد وفاة والده ، ظل متوجسا من كثير من الجهات الداخلية والخارجية ، وهذا الأمر يعود لعدة عوامل منها الخلافات بين أخوته وكبار مساعدي والده ، ومنها النفوذ الفرنسي والإستقطاب القبلي الحاد الذي يواجهه الشعب التشادي ، لكن كانت أكبر المهددات الداخلية لنظام كاكا ديبي هي أطماع الجنجويد والقبائل العربية في تشاد والتي عندما دانت لها الأوضاع في السودان بتوسع نفوذ حمدان دقلو نائب الرئيس الانتقالي في السودان فكرت في الاستيلاء على السودان لجعله قاعدة للسيطرة على تشاد والنيجر وأفريقيا الوسطى ، وللجنجويد في النيجر شرعية انتخابية بعد فوز محمد بازوم بمنصب رئيس الوزراء وبتمويل من ابن عمه حميدتي دقلو ، وبحسب صحيفة لوفيغارو الفرنسية فإن حميدتي يخطط للسيطرة على النيجر عبر مجموعة تبلغ أقل من 1% من السكان وعلى إفريقيا الوسطى بمساعدة مجموعة فاغنر الروسية والرئيس الفاسد تواديرا ، وعلى تشاد عبر استغلال طموح النافذين العرب في السلطة في تشاد .بعد تمرد حميدتي اتضح حجم انخراط عرب تشاد في قوات الجنجويد التي يقودها حميدتي ، ورغم موقف الرئيس كاكا الانساني تجاه المتضررين من الحرب في دارفور لكن تشاد لم تستطع اعلان موقف مضاد لجرائم الجنجويد في السودان وتعلم اجهزة مخابرات كاكا أن الخطوة المقبلة للجنجويد بعد السودان هي جيرانه الثلاث .النخبة العربية التشادية ظلت تشعل نار الحرب وتشجع الشباب العربي في تشاد على الانخراط والفزع مع قوات الجنجويد في السودان ولا يعلمون أن ذلك سيعود وبالا عليهم وعلى قبائلهم ، وتسجيل الأخ الصديق الدكتور الأمين الدودو الخاطري كشف عن كيف تفكر هذه النخبة ، فهي نخبة متعلمة لكنها لم تخرج حتى الآن من بيضة القبيلة وطموح العرق والرغبة في توسيع النفوذ على حساب الآخرين .القرعان والزغاوة في تشاد تعلموا جيدا من أزمة دارفور وتأثيراتها على تشاد وحرب الجنرال محمد مهدي علي قائد حركة الوفاق المعارضة FACT لم تنتهي رغم الهدنة الهشة وهو من قتل رأس النظام في الجمهورية التشادية ، ومن قبله محمد نور الذي دخل انجمينا في 2008 وكلا الرجلين لم يراعيا توازنات الداخل والخارج ، ومن هذه التوازنات جواز الدخول الفرنسي للقصر الوردي في إنجمينا ، وكذلك فاتورة الإستقرار من المكون العربي في تشاد .الاحالات الأخيرة في الجيش التشادي والتي بلغت أكثر من مائتي ضابط كبير في الجيش التشادي ليست بعيدة عن خطة أضعاف النفوذ العربي في تشاد ، ويبدو ان الدولة التشادية استشعرت خطورة تنامي النفوذ العربي على الأمن القومي التشادي وعلى العلاقات مع فرنسا ودول الجوار وكذلك قطع الطريق أمام تمدد روسيا في إفريقيا عبر بوابة الاقليات الطامحة للحكم والسيطرة في غرب ووسط إفريقيا ، واحالة هذا العدد الكبير من الضباط بداعي السن القانوني وتجديد الدماء لم يأتي من فراغ لكنه استباق لعمل عدائي يستهدف وحدة المجتمع التشادي واستقرار الدولة التشادية . ومن ضمن المتهمين بالتآمر على الدولة التشادية أبرز القادة العسكريين العرب في تشاد الفريق حسن صالح الجنيدي وزير الدولة بالدفاع السابق وزعيم حركة الوفاق الوطني التي وقعت إتفاق سلام مع ديبي في الخرطوم 2007 والسفير الحالي بوزارة الخارجية التشادية والذي يتهمه البعض بقيادة لوبي عربي بالتعاون مع الدبلوماسي التشادي ووزير الخارجية السابق الدكتور محمد صالح النظيف وكلا الاثنين من اقارب حمدان دقلو قائد الجنجويد بالسودان ، كذلك يعمل ضمن هذا اللوبي اللواء علي أحمد أغبش سفير تشاد بالكويت بالاضافة لعدد كبير من الضباط في الرتب الوسيطة والذين تربطهم علاقات وطيدة بالجنجويد في السودان سواء بالامداد بالمرتزقة أو بالمعلومات عن أوضاع الدولة التشادية .ما جعل محمد كاكا ينتبه لخطورة اللوبي العربي هو تمرد الجنجويد بالسودان وجرائمهم في إقليم دارفور وما فعلوه من انتهاكات بحق القبائل غير العربية في الجنينة وزالنجي وكتم ومورلي ، وما تم رصده من معلومات عن نيتهم نقل الصراع إلى داخل تشاد والانتقام من سنوات الاضطهاد التي عانوها من الزغاوة والقرعان في تشاد رغم انهم لا يميلون لخلق صراع جديد بينهم وبين زغاوة السودان ، وهذا الأمر ليس استراتيجية لديهم وإنما معركة مؤجلة .إن الجنجويد في تشاد والسودان يشكلون خطرا على أمن الدولتين واستقرارهما ولا يمكن تكرار تجربة السودان في تشاد ولا يمكن أن تسمح الدولة في تشاد بتكوينات قبلية تبدأ في مراحل ضعفها في شكل تكوينات حزبية وسياسية ثم تتحول في نهاية الأمر لكيانات مسلحة تحمل خطاب المظلومية وترفع شعار العدالة والمساواة ، وهي في حقيقتها تضمر أهدافا توسعية واستيطانية مدعومة من الخارج ولا تحمل ولاء للدولة التشادية وإنما ولاءها لاعراقها وقبائلها ، ولذلك تجد العربي السوداني أقرب للعربي التشادي من أخيه التشادي في الوطن والمصير
خلاصة الأمر ، يجب على عرب تشاد الالتزام بالولاء للوطن وعلى نخبتهم تقدير (الورقة) التي تربطهم باخوانهم من غير العرب في تشاد ، وتفويت الفرصة على القوى الأجنبية الساعية لتمزيق الدولة التشادية واللعب بوحدتها الوطنية ، وأن لا ينحاز مواطني تشاد من العرب لدعاوى التوسع والتمدد على أساس عرقي وقبلي وهذه الجرثومة أطلقها جنجويد السودان وهم الآن يدفعون ثمنها وقد استنفروا واستفزعوا قبائل العطاوة في تشاد والنيجر وليبيا ليقيموا دولة العرب في السودان الذي عاش مواطنيه الاف السنين على التعايش والسلام والتعددية حتى نهض الجنجويد ليدمروا هذا السلام بجرائمهم الشنيعة وما ارتكبوه من إبادة جماعية بحق القبائل غير العربية في دارفور من الفور والزغاوة والمساليت والتنجر وغيرهم .