بسم الله الرحمن الرحيم
رسالة لقادة بلادنا
الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وآله وصحبه، وبعد:
فانطلاقًا من قول النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ» «لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ». رواه مسلم من حديث تَمِيمٍ الدَّارِيِّ، ورواه البخاري تعليقًا.وبناءً على استقراء الأمور، وبناء على المشاهدات والمتابعات، والسماع لكثير من التقارير والتحليلات من ذوي الاختصاص والخبرة من عسكريين وسياسيين وغيرهم، أقدم هذه الرسالة لقيادة بلادي؛ إبراءً للذمة، وقيامًا بواجب النصح لهم وللأمة.
فأقول وبالله التوفيق:▫️أولًا: اعلموا _ أرشدكم الله وأصلحكم وأصلح بكم _ أنكم الآن على رأس المسؤولية؛ فأنتم مسؤولون مسؤولية شرعية وقانونية تامة عن هذه البلاد برمتها وعلى طول امتداد رقعتها، وهذا ليس مما يخفى عليكم؛ لكن أردت التذكير بتساقط كل الشركاء وترككم وحدكم في المسؤولية تتولون حارها وقارها، فأنتم مسؤولون أمام الله، و«كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ». ثم مسؤولون أمام الأمة السودانية، والتاريخ؛ فسطروا تاريخكم بمداد من ذهب، واحذروا الزيغ والانحراف والعطب.
ثانيًا: تبدّى لكل ذي عقل كما تبدّى لكم من قبل أن الحرب لم تكن حرب تمرد داخلي، بل هي حرب جماعية تشترك فيها دول، ومنظمات، وشركات، وأحزاب، ومخابرات، وعملاء وخونة، ومأجورون، وأنها حرب مخطط لها بعناية ضد الشعب السوداني أولًا، وضد الدولة السودانية كلها بكل مؤسساتها بلا استثناء، وضد المؤسسة الأمنية بأسرها، وضد هوية الأمة وثقافتها ودينها وثرواتها ووحدتها.▫️ثالثًا: اتضح لكم ولكل ذي عقل أنكم تقاتلون وحدكم في الميدان وعلى كل الجبهات والأصعدة الميدانية العسكرية، والسياسية والدبلوماسية، فلا نصير لكم ولا معين من الدول لا من أصدقاء ولا أشقاء، والسبب في ذلك من وجهة نظري أمران:
الأول: صفة الجيش السوداني وهويته وعقيدته القتالية، فهو مصنف بأنه جيش مسلم ذو عقيدة، ولكن المخالف لا يقدح فيه بأنه جيش مسلم؛ لأنه سيواجه بالقول: وما مشكلة الإسلام؟
لذلك يقول العدو والمخالف: إنه جيش أصولي إخواني، يقولونها ويعلمون أنهم كاذبون، يسمون الأشياء بغير اسمها.
الأمر الثاني: أن هذا الجيش أعاق تنفيذ المشروع الغربي في إنشاء حكم تديره حكومة ذات (عينين غير مبصرتين)، عين العلمانية، وعين العمالة؛ لأنها ستنفذ الأجندة الأجنبية، وتستبيح الكرامة السودانية وتتصرف في خيرات بلادنا كما تشاء. ▫️ رابعًا: إذا عُلمت هذه الحقيقة وجب عليكم أن تعتمدوا فقط على الله مع فعل الأسباب المشروعة، متمثلين قول الله تبارك وتعالى: {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} [الأحزاب: ٢٢]، وقول الحق جل وعلا: {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ
الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيل}، قال الله سبحانه: {فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ
إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِين} [آل عمران: ١٧٢ _ ١٧٥].
وتتمثلوا جواب النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه للمشركين في غزوة أحد لما قالوا: إِنَّ لَنَا العُزَّى وَلاَ عُزَّى لَكُمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قُولُوا اللَّهُ مَوْلاَنَا، وَلاَ مَوْلَى لَكُمْ».🗡️ ومن الأسباب المشروعة إعداد القوة حسب الطاقة، كما قال سبحانه: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُم} [الأنفال: ٦٠]
وفي هذا المقام أقول: بما أن الخطط الحربية والاستراتيجية جهد بشري، فمراجعتها وإعادة النظر فيها وتحديثها، والاستعانة بذوي الخبرات والتجارب أمر محمود، ولا أظنه يخفى على قادة في قامة قادة الجيش السوداني، كما أن قضية الهدن المتتابعة تحتاج إلى إعادة نظر فاحص؛ فما يراه المواطن العادي ويلمس آثاره أنها ليست في مصلحة الجيش ولا الشعب وإنما يستفيد منها العدو، ويتضرر منها الشعب وسير العمليات.▫️خامسًا: عليكم استثمار وقفة الشعب وتسخيرها في تحقيق النصر وحماية البلاد والأنفس والأموال والأعراض، ويتحقق ذلك في نظري بأمور عدة:
إعلان التعبئة العامة في كل البلاد، لتكون كل الولايات في حالة جاهزية واستنفار تحسبًا لأي تطورات.
فرض حالة الطوارئ، وتكليف ولاة عسكريين.
تكليف حكومة تصريف أعمال لتسيير دولاب الدولة والخروج من هذا السقوط والانهيار للدولة.
عدم الاستماع لأي جهد دبلوماسي يفتقد العدل والحيادية، وإنما يلزم التعامل فقط مع وجهات النظر المحترمة التي تحفظ كرامة البلاد وتتفق مع أسس العدل وأخلاق السياسة النزيهة.
أرجو أن تجد نصيحتي من ينتفع بها، ولا يكون مصيرها مصير نصيحة دريد بن الصمة وهو القائل:بذلت لهم نصحي بمنعرج اللوى ** فلم يستبينوا النصح إلا ضحى الغدأسأل الله النصرة لجيشنا، اللهم اربط على قلوبهم وثبت أقدامهم وسدد رميهم وانصرهم نصرًا مبينًا عاجلًا قريبًا يا قوي يا عزيز. وصلّ اللهم وسلّم على النبي الكريم وآله وصحبه.
الشيخ الدكتور حسن الهواري