سنكتب عن كل واحدة من هذه المصطلحات في محاولة لشرح مجريات المعركة العسكرية.
الحلقة الأولى الانهاك:
آخر هجوم متزامن من قبل الدعم السريع كان محاولة يائسة للانتقال لتحقيق نصر عسكري حقيقي وليس للاعلام والتصوير السريع والعرض كان قبل يوم من هدنة السبعة أيام وفشل في أن يحقق التزامن في الهجوم على المدرعات والمهندسين ووادي سيدنا بل وفشل في جمع عدد عربات يكفي لاستمرار الهجوم لأكثر من ساعة. وعاد الدعم السريع إلى الانتشار في المرافق الخدمية والمستشفيات والأحياء السكنية للمواطنين وتسارعت وتيرة الاخلاء القسري للبيوت والنهب المنظم.
لم يقم الدعم السريع بعد ذلك وحتى اليوم بهجوم على أي من المناطق العسكرية الرئيسية للجيش واختفت أسماء سلاح الأسلحة ووادي سيدنا وسلاح الاشارة والمهندسين من رادار أخبار الدعم السريع كما اختفت قبلها منذ زمن طويل القيادة العامة للجيش إلا في شائعات تهدف لرفع الروح المعنوية.
حقق الدعم السريع نجاح في الاستراتيجية وفي اليرموك تزامن ذلك مع تحقيق نجاح مهم واستراتيجي للجيش في استلام قاعدة النجومي الجوية والتي كعادة الجيش منذ بداية العمليات غابت عن رادار الرصد الاعلامي.
نجاح الاستراتيجية واليرموك فتح شهية الدعم السريع (وهو أصلا يستخدم عقيدة الفزع في القتال) إلى إعادة انفتاح قواته نحو جنوب الخرطوم لاسقاط المدرعات.
هذه الحركة من الانفتاح أثبتت من جديد ان التخطيط العسكري يتم من قبل القادة الميدانيين لا من قبل قيادة تضع خارطة المعركة كلها في (طاولة الرمل) وتحرك قواتها وفق استراتيجية لكسب الحرب. صحيح أن اسقاط المدرعات كان سيمثل نقلة نوعية لكن تحركهم هذا أدى لعدة تداعيات لم تكن في الحسبان:
1. دخول قوات من الجيش فجأة ودون اعلان إلى منطقة جنوب الخرطوم أربك الحسابات وتسبب في فرض حصار على كل قوات الدعم السريع المحتمية بالاشجار والمزارع حول معسكر طيبة خوفا من الطيران.
2. أدى تجميع القوات من الارتكازات ومن مدينة بحري وشرق النيل إلى إفراغ هذه المناطق وفقدان ميزة التحكم والحد من قدرتها على شل حركة القوات الخاصة والاستخبارات وجهاز الأمن. اختفى معها الحديث والفيديوهات التي تظهر المختطفين من المدنيين السياسيين والمعاشيين من القوات المسلحة والشرطة والأمن التي كانت تقوم بها استخبارات الدعم السريع ومعاونيها بحرية تامة داخل مدن العاصمة الثلاث.
3. فتحت الباب لحركة واسعة لقوات الجيش من أجل إعادة تموضعها استعدادا للمرحلة القادمة.
4. فشل التحشيد في جنوب الخرطوم من تحقيق أي تطوير للنجاح في الاستراتيجية واليرموك بل أصبح محرقة وانهاك مستمر لقوات الدعم السريع جعلها تغير تموضعها جنوبا للهجوم على الاحتياطي المركزي ومحاولة كسر الحصار على قواتها المشتتة حول معسكر طيبة.
5. انتهت كل هذه التكتيكات الفاشلة إلى خسائر كبيرة في المعدات والأرواح وفي المقابل تحكم الجيش تماما في مداخل الطريق القومي جنوب الخرطوم بينما توسعت دائرة تأمين المدرعات بصورة سمحت لها بالحركة والمناورة وظهرت المدرعات لأول مرة في التمشيط حتى مناطق الرميلة.
6. آخر أحداث مرحلة الانهاك كانت تحرك بائس لعبور كبري الحلفايا غربا وفتح معبر نحو وادي سيدنا ولكن سحب القوات المستمر والانهاك أدى لدخول قوات الدعم السريع في كماشة ومحرقة سمحت للجيش بعدها بتطوير نجاحه الى شرق كبري الحلفايا.
7. الانهاك المستمر مع فقدان السيطرة وظهور عمليات النهب الواسع لممتلكات المدنيين أدى لظهور حركة هروب جماعي والخروج من الخرطوم بما خف حمله وغلا ثمنه مستغلين عربات المدنيين المنهوبة.(الحلقة القادمة عن الاستنزاف)